اراء و مقالات

«الطوفان» أردني أيضاً «خطأ بصري» وخشونة البرلمان أبعد من تسجيل مواقف: هل تبدلت المعادلة؟

حساب التصعيد اللفظي والتحذير الخشن الذي برز صباح أمس الأربعاء تحت قبة البرلمان الأردني على سيناريو «مجرد تسجيل مواقف»، أمر ينطوي على «خطأ بصري» في التحليل بالتأكيد.
والخطأ البصري يسترسل إذا ما قررت قوى الشارع الأردني أو حتى قوى الحركة الإسلامية قراءة بيانين على الأقل، صدر الأول عن رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، والثاني عن كتلة حزب الميثاق البرلمانية، وهو أكبر أحزاب الوسط، باعتبارهما مجرد تصريحات إيعاز ضمن حملات اتهام وشيطنة الحراكات التي تؤثر في الشارع الشعبي تضامناً مع أهل غزة والمقاومة.
ما شهدته جلسة الأربعاء البرلمانية في السياق أبعد من رسالة تحذير وأعمق من مجرد رد من معسكر الولاء البرلماني على هتافات جارحة وخادشة ومسيئة يوجد فعلاً عشرات الطرق للتعامل معها ومع من يتبناها بموجب القانون، بعيداً عن منطق التعميم في الاتهامات.
تلك هتافات أعادت تفجير أزمة كامنة أصلاً كان يمكن احتواؤها في إطار ذراع القانون والتعاطي معها باعتبارها تصرفات فردية.
لكن مجسات الدولة تربط الأحداث بعضها ببعض في إطار سيناريو أشمل قليلاً، يعبر النواب وقبلهم الأعيان عن الجزء المتعلق بالغضب منها فقط.
تصدرت عبارات لاذعة جداً، فكرتها أن أذرع الدولة والمجتمع تتحرك معاً عند أي تجاوز، ولو كان صغيراً، يخاطب المؤسسة العسكرية حصراً من باب التشكيك أو الإساءة. وبصرف النظر عن الدوافع والخلفيات حيث يعلم الإسلاميون وقوى الشارع مسبقاً بأن الحواضن الاجتماعية التي تقف برمتها ضد العدوان الإسرائيلي وتتعاطف أو تتضامن مع الشعب الفلسطيني، ليست بصدد التواطؤ مع أي حالة انتقادية تتجاوز مألوف الأردنيين في الهتاف ضد الحكومة وليس المؤسسات السيادية.
تحدث رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، ليس فقط عن رفض أي ممارسات خارجة عن القانون، بل عن أصوات حاقدة آثمة تتطاول وأوكاراً غادرة لا يمكن القبول بها ولا التسامح معها.
لاحقاً، قرر النائب هيثم زيادين، تلاوة بيان باسم كتلة أكبر الأحزاب في البلاد، وهو ميثاق تضمن عبارات غير مسبوقة في مستوى خشونتها، من بينها «زمرة ضالة تمتهن التشكيك ولديها أهداف وضيعة»، ومن بينها أيضاً «الغبار على بساطير الجيش أطهر منكم».
صحيح سياسياً وإعلامياً أن قيادات مجلس النواب لم تتطرق إلى تفاصيل ولم تتحدث عن هوية تلك المجموعة الضالة ولا طبيعة الأوكار الغادرة… ذلك خطر سياسياً في وقت حرج يستمر فيه العدوان الوحشي الإسرائيلي.
لكن صحيح في المقابل، وسياسياً أيضاً، أن مثل هذه العبارات الخشنة جداً لا تصدر عن أقطاب في مجلس النواب دون أضواء مؤسسية خضراء، ولا تصدر أصلاً من حيث منشأ اللهجة والتعبير العلني إلا انعكاساً لحالة غضب في الأطر السيادية والمرجعية بعد ظهور أصوات أثناء التظاهرات يسمح لها بحمل الميكروفون لكي توجه بدورها ملاحظاتها القاسية وتوزعها تشكيكاً في كل الاتجاهات.
ما تقوله ضمناً تصريحات الصفدي والنائب زيادين، في جلسة الأربعاء، أن المعادلة في مسألة الحراك الشعبي المناصر للمقاومة الفلسطينية في العمق الأردني تبدلت وتغيرت بعدما بدأت بعض عناصر التحريك، من وجهة نظر الدولة، بتجاوز أو محاولة تجاوز خطوط مرسومة مسبقاً أو متفق عليها.
تلك خلاصة واضحة سياسياً، وسبقت الرسالة التحذيرية الأهم التي صدرت ظهر الإثنين عن رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وأعقبها قناعة ما في محيط الرئيس المخضرم -وقد سمعت «القدس العربي» ذلك- بأن «الإخوة في قادة التيار الإسلامي تحديداً نصحوا عدة مرات، ولكن قد ينطبق على بعضهم مقولة لا حياة لمن تنادي». الخلاصة نفسها تطرح سؤالين في غاية الأهمية بعد سؤال غياب التفاصيل عن الرأي العام على الأقل، حيث لا الحكومة ولا أقطاب البرلمان قررا تعريف الأردنيين بهوية وعناصر تلك الأوكار الغادرة والزمرة الآثمة؛ لأن المسألة تركزت على خطاب سياسي إعلامي قبل إجراءات قد تصعد إلى السطح لاحقاً في إطار ما سماه رئيس النواب الصفدي وهو يتحدث مع «القدس العربي» عدة مرات، بـ «حكم القانون عند مخالفته».
السؤال الأول: المعادلة تبدلت وتغيرت، لكن في أي اتجاه ولماذا؟
والسؤال الثاني: هل لغة التصعيد الخشنة برلمانيا تمهيد لإجراء ما ضد الإسلاميين وحراكاتهم؟
سؤالان في الإجراء وليس المشهد السياسي، هما الأصعب مرحلياً؛ لأن المسألة تجاوزت تقديم النصائح باتجاه يوحي بأن التقييم المؤسسي الرسمي قد يكون في طريقه لتجاوز النصيحة والإرشاد، ليس لأن تظاهرات الشارع والهتافات المسيئة كما تسمى خارج نطاق السيطرة، ولكن لأن الوضع الإقليمي والدولي والوطني العام أكثر تعقيداً بكثير مما تفترضه قوى الشارع. وكلفة وفاتورة ترديد شعار قد لا يكون له معنى رسمياً مثل «طوفان الأقصى أردني أيضاً» أقل بكثير في القياسات الدقيقة العميقة من كلفة التصرف في الميدان، على أساس أن في الأردن حاضنة للطوفان قد لا يريد بعض أفرادها المتحمسون الوقوف عند خطاب التضامن والتظاهر فقط ما دام العدوان يتصاعد. بالمقابل، إدارة الجزء الأردني في احتواء التصعيد هي مسؤولية الدولة وقوى الشارع، الأمر الذي ينتج عنه حتى اللحظة أجوبة غامضة على سؤالين عالقين قد تظهر نتائج العصف الذهني بخصوصهما قريباً مادامت الأذرع تحركت في مجلس النواب، ومادامت مجسات الاستشعار الرسمي مضطرة فيما يبدو بعد المراقبة العميقة لمقولة «إن زدتم زدنا».
الخطأ البصري ذاته قد تتورط فيه أيضاً حسابات برلمانية وأخرى بيروقراطية وثالثة إعلامية لا تنقصها السذاجة إذا ما استمر الضخ الجائر أحياناً ضد تيار عريض مثل التيار الإسلامي وعلى أساس انتهاكات وتجاوزات فردية هنا أو هناك.
تبقى الوقائع منقوصة مادام الميكروفون في الشارع بين يدي هتاف حاقد أو موتور، ويقابله وضع ميكروفون رسمي بين يدي تصعيد لغوي واتهامي حاد للغاية بدلاً من ترك الميكروفونات برمتها والجلوس خلف الستائر بهدف التحاور والتوافق وبدون اتهامات مسبقة، وعلى أساس الثوابت ومصالح الدولة.
من يستطيع جمع رموز قوى الشارع الأعرض في الأردن مع رموز الدولة العميقة في حوار بناء لعبور المرحلة الحساسة؟ من يعلق الجرس؟ هذا هو السؤال بدلاً من الغرق في صراع الميكروفونات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading