اراء و مقالات

سوريا الجديدة «غير مستقرة بعد» والأردن منفتح ويراقب ويقرأ: تعدد «الطهاة» يربك «المطبخ السوري»

عمان- «القدس العربي»: قد ينطوي الانطباع القائل إن كل الملفات والقضايا بين الأردن وسوريا الجديدة تم التوافق عليها أو خرجت من منسوب الارتياب على خطأ بصري في التحليل والقراءة.
النيات طيبة عند الأردن، والاشتباكات معقدة عند حكام سوريا الجدد الذين تنتظرهم في كل حال مهام على شكل تحديات وأولويات، أغلبها أمني، حتى وفقا للرؤية الأردنية.
في العمق الأردني ينظر للتجربة السورية بأنها “غير مستقرة بعد”، وهو وضع يرقى -عندما يتعلق الأمر بالمجسات الأردنية المختصة- إلى مستويات متقدمة فيما يسميه بعض الساسة والخبراء بالاشتباه الاحتياطي، حيث جنوب سوريا لا يزال يشكل منطقة غامضة التأثير الآن وفي المستقبل وفقاً لحسابات الأردنيين، وحيث تراجع تهريب المخدرات وانحسر، لكنه لم يتوقف بعد تماماً، ما يتطلب من الجانب الأردني “إجراءات تفتيش” يرى حكام سوريا الجدد أنها “مبالغ فيها” وتعيق “تقدم الشراكة”.
اندفعت الحكومة الأردنية بقوة باتجاه الدولة السورية الجديدة. وعلى مستوى الرئاسة والقصر الملكي، ثمة إرادات سياسية متصلة تسمح بانطلاق العلاقات.
لكن ما لاحظه المراقبون مؤخراً أن اجتماعات اللجنة الوزارية العليا بين البلدين ترأسها الرجل الثاني في الحكومة، وزير الخارجية أيمن الصفدي، ولم يترأسها رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي لم يقم عملياً بأي زيارة لدمشق طوال الفترة الماضية.
يحصل ذلك فيما الرهان كبير على إطلاق علاقات دافئة وقوية مع سوريا الجديدة تعود بمكاسب استراتيجية أساسية لا يمكن إغفالها، برأي المحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة، وإن كانت الفرصة متاحة لبروز معاناة إدارية وسياسية وبيروقراطية أردنية ناتجة فيما يبدو عن تعدد الطهاة والمرجعيات في المطبخ السوري.
أحد المسؤولين الكبار في عمان، همس في أذن “القدس العربي” قائلاً إن الأحوال تتغير إيجابياً في سوريا.
لكن الموقف معقد وصعب، وأغلب التقدير أن القرار السياسي السوري حتى في بعض القضايا الإجرائية الصغيرة الآن وبعد استقرار جسم الحكومة، يضطر للتنقل ما بين ألغام لعبة النفوذ ومراكز القوى إقليمياً ودولياً.
يحصل ذلك في مجال الطاقة وفي مجال المياه وحتى في مجال المعابر والحدود، حيث لا اتفاقيات مستقرة مع الأردن في هذه المساحات رغم حاجة البلدين لها، في ثغرة يقر الخبراء أنها ناتجة -كما يرجح العياصرة وآخرون- عن غياب اليقين على المستوى الدولي والإقليمي عندما يتعلق الأمر بمخاوف الاستقرار في الداخل السوري؛ لأن الدول في معظمها تجس النبض، والإدارة الأمريكية تنفتح على السوريين الجدد في الحكم بالقطعة والتقسيط.
ولا مبرر للقول إن العالم ينفتح فعلاً وحقاً بعدما تصدت دول عربية قوية ومؤثرة لإعادة تأهيل سوريا على المستوى الإقليمي والدولي.
غياب اليقين عنصر أساسي في الفهم الأردني اليوم لمعطيات الواقع الموضوعي في المشهد السوري. ورغم كل أجواء الانفتاح والتعاون خلافاً لمناخات الإرادة السياسية، يمكن القول إن غياب اليقين يظهر بوضوح عند الجانبين.
النخبة التي تحكم دمشق اليوم ليس سهلاً القول إنها لا مخاوف أو هواجس لديها في الجانب الفكري والأيديولوجي.
وهي ذاتها النخبة التي تثير عملياً كل أصناف الهواجس، خصوصاً في بعدها الأمني والسياسي طويل الأمد عند الأردنيين.
لذلك، التفاعل والاشتباك الإيجابي ليست مهمة سهلة جداً أمام صناع القرار في عمان ودمشق، وإن كانت العاصمتان تحاولان تجاوز الحسابات والحساسيات والمضي قدماً إلى الأمام، في الوقت الذي تبذل فيه مؤسسات مهمة للقطاع الخاص الأردني جهداً كبيراً للحضور والانفتاح على سوريا الجديدة، مثل: غرفة تجارة الأردن، ونقابة المهندسين، ومعهما نقابة المقاولين بدرجة أقل.
نقيب المهندسين عبد الله عاصم غوشة، أفاد بوجود “القدس العربي” بأن التفاعل مع الشقيق السوري مرحلياً هو جزئية تجاوز الخطاب الإنشائي بسبب وحدة مسار المصالح للشعبين، معتبراً أن الإطلالة على السوق السورية أيضاً هي فرصة للقطاعات الأردنية.
قبل ذلك، وضع القطاع التجاري إمكاناته وفرصه وبياناته بين يدي الأشقاء في دمشق. حتى القطاع التجاري الأردني طرح برنامجه الذي يقترح بأن الأردن شريك لسوريا الجديدة في البناء والنهوض.
ماكينة العلاقات ومنظومة الاتصالات تترحك ببطء وعمق. والحسابات والحساسيات موجودة في المكان والموقع، إما بسبب طبيعة علاقات الأردن بالنظام السوري المخلوع سابقاً وحجم الارتياب الذي أحاط بالعلاقات لعقود، أو يسبب فهم الأردن العميق للتحديات الداخلية والأمنية السورية بصيغة مستقلة وبعيداً عن خبرات الدول الغربية والولايات المتحدة، حيث الأردن وتركيا قد يكونان الأكثر خبرة في الإقليم بالداخل السوري من حيث ميزان القوى والتمثيل الديمغرافي والحسابات والحساسيات.
تركيا من جانبها، ليست الخيار الأفضل كأحد أبرز رعاة سوريا الجديدة بالنسبة للمصالح مع الأردن.
وفي أكثر من مفصل وموقع، وجد الأردن نفسه في مواجهة السيناريو التركي عندما يعلق الأمر بإعادة بناء الدولة السورية، الأمر الذي لا يصنف في عمان باعتباره مقاربة مريحة سياسياً ودبلوماسياً في كل الأحوال.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading