بعد «سنة أولى تحديث»… أحزاب أردنية تحاول تحدي «التكلس»: ما الذي فعله «الديمقراطي الاجتماعي»؟

عمان- «القدس العربي»: يلاعب الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني بحرفية مرصودة حالياً، سلسلة من الانطباعات السلبية والإيجابية، في خطوة يعتقد أنها تحاول التصدي لمؤشرات «التكلس» التي أصاب بعضها، وقد يصيب بعضها الأخر المشهد الحزبي السياسي الأردني الداخلي بعد مقولة «سنة أولى تحديث».
الحزب الاجتماعي في الإطار السياسي بدأ يجلس مع جرعة وقار ملحوظة في مساحة إنتاجية ليس فقط على صعيد حضوره اللافت مؤخراً في عمق حيز احتكرته القوى الكلاسيكية الحزبية والتياراتية طوال عقود في الوسط النقابي فقط، ولكن أيضاً في ذلك الحيز المقصود على المستوى الأعمق المطلوب من الأحزاب السياسية بموجب وثيقة التحديث السياسي المرجعية.
أصدر الحزب الديمقراطي الاجتماعي برنامجه الخاص بالفلسفة التربوية تحديداً.
كتب ونشر الخبير التربوي المقاتل والشرس والمرجعي في مجاله الدكتور ذوقان عبيدات، يقول «مدهش ذلك الحزب».
ما بدا لافتاً هنا في ذهن عبيدات وهو يعبر عن دهشته، وجود بعض الجدية والوعي في وثيقة الفلسفة التربوية التي صدرت مؤخراً من حيث تكوين الاهتمام التفصيلي بتطوير التعليم.
لأسباب يمكن فهم بعضها، حقق الحزب المشار إليه «سابقة» لافتة للنظر دون بقية الأحزاب عند إشهار وثيقته التربوية في إطار عناوين تفصيلية محددة تربط العدالة الاجتماعية بتكافؤ الفرص وبتقليل الفجوات والتباينات في البيئات التعليمية دون تجاهل ما اعتقدت وثيقة الحزب أنه مهم للغاية وطنياً عندما يتعلق الأمر بقيم الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون، لا بل دور الدولة وواجبها في السياق.
تغرق وثيقة الحزب التربوية التي أرسلت لـ «القدس العربي» بهدف الاطلاع، في سلسلة تفاصيل غير مسبوقة لا تقف عند حدود تشخيص مشكلة التعليم في الأردن، بل تقترح المعالجات والتصويبات، الأمر الذي لم يصدر سابقاً بالمعنى السياسي والإعلامي برامجياً؛ لا عن أحزاب المعارضة والتيارات القومية ولا حتى عن أحزاب بالغت في ادعاء الولاء والوسطية.
مسيرة الحزب بعدما تجاوزت مطبات وكمائن نتائج الانتخابات الأخيرة باعتباره حالة حزبية تمثل أفقياً خبرات أساسية في المجتمع تجمع السياسي بالفني والتكنوقراطي، مسيرة لا تقف عند حدود ما يمكن وصفه بأول وثيقة تربوية مفصلة تصدر عن حزب سياسي مرخص أو غير مرخص، بل تجاوزت قبل أيام قليلة باتجاهات محسوبة جديدة، فكرتها أن الحزب ينافس في انتخابات النقابات المهنية بعد سنوات من احتكارات التيارات القومية والإسلامية لمواقع الصدارة في المجتمع النقابي.
شارك الحزب الاجتماعي هنا في انتخابات نقابة الصيادلة، وحصل ممثله والقيادي فيه الدكتور زيد كيلاني، على موقع النقيب برفقة آخرين من أبناء الحزب، وبصيغة تعيد تذكير جميع الأطراف بأن تبديد الانطباعات السلبية عن العمل الحزبي والمستقرة في الأذهان هو عملية تتطلب الجرأة والاشتباك الإيجابي وفقاً للمضمون الذي طالما نحته منذ سنوات في الإيقاع النقاشي العام البرلماني والسياسي والقيادي في الحزب الدكتور مصطفى الحمارنة.
بعيداً عن الحمارنة، برزت رسالة الحزب باتجاهين لتعزيز الانطباعات الإيجابية قدر الإمكان، حيث منافسة ونجاح في إحدى النقابات العريقة. وبرنامج تطوير للتربية والتعليم يمكن أن يتحول إلى استراتيجية وطنية تقر بالوقائع بجرأة وتسعى لاستعادة التوازن في الحد الأدنى لمؤسسات التعليم الأردنية التي كانت في الماضي عريقة ومؤثرة في الجوار الإقليمي.
يحصل ذلك فيما ينشغل سياسيون وأعضاء برلمان وخبراء في ورشة تقييم وطنية عامة للأداء الحزبي عموماً، وفيما توحي إيقاعات الحكومة والسلطة التنفيذية على الأقل في جزئية حريات التعبير والإعلام بأن العودة إلى سياسة مراقبة الإعلام وأحياناً محاكمة أصحاب الرأي ومساءلتهم هي خطوة تنتمي إلى أدبيات ما قبل وثائق التحديث السياسي والاقتصادي.
الأحزاب السياسية في الأردن وبعد التغييرات المثيرة التي طالت مؤخراً ملف تعبيرات الإسلام السياسي في البلاد، تواجه سلسلة من التحديات والأسئلة العميقة التي تزيد حدتها في الواقع الموضوعي والخارطة الحزبية، في ظل التحديات القانونية والسياسية التي يواجهها الآن بعد مرحلة حظر جماعة الإخوان المسلمين، حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة في المملكة.
تحديات العمل الحزبي كبيرة ولا يستهان بها.
وفي مقاربة القطب البرلماني البارز خميس عطية، التي سمعتها «القدس العربي» مرتين مؤخراً، لا بد من إشعال الشموع في درب العمل الحزبي والتركيز على تطوير البرمجة والإعدادات والممارسة الحزبية بصيغة غير مستعجلة حتى يتم ضمان نتائج أفضل.
إن عطية الآن -وهو قيادي أساسي في تجربة ومشروع حزب إرادة الوسطي وقبل ذلك في مسار التحديث- يضم صوته للقائلين بالتحفيز والتشجيع ومغادرة مناطق التشكيك والتوقف عن توجيه اللوم والتشخيص السلبي لأحزاب سياسية نشأت، لكن تجربتها لا تزال قصيرة.
والحكم على أدائها بتعسف لا يتطابق مع معاير الحكمة والمسؤولية الوطنية بقدر ما هو مطلوب من دعم وإسناد العمل الحزبي، وتطوير منهجيته وتشجيع الأردنيين عموماً على التفاعل.
يلتقط عطية هنا كما فعل سابقاً الحزب الاجتماعي، ما هو جوهري في منطقة توفر بعض الإرادات لمعالجة وإنهاء المشكلات التي واجهت العمل الحزبي في مرحلة التأسيس إثر إنجاز تعديلات قانون الأحزاب واعتماد النص المرجعي للتحديث السياسي.
هنا حصراً وفي ديناميكية خارطة الأحزاب الأردنية، تبرز محاولات مخلصة للتقدم إلى الأمام؛ فالتيار المدني يحاول التعبير عن سعيه للتوحد والاندماج بتجربة حزبية واحدة.
وحزب إرادة في طريقه للاندماج مع حزب التقدم، وحزب العمال يتجه أكثر نحو العمل المؤسسي، فيما أحزاب اليسار في موقعها الكلاسيكي القديم ومعها بعض أحزاب الوسط التي لا تظهر ميلاً، باستثناء حزب الميثاق حتى الآن للاختراق على الأساس البرامجي.
مساحة التحديث الحزبي في الأردن تواجه تحديات، وتبقى تلك تحديات طبيعية ومنطقية إذا ما توافرت سياسياً النوايا الحسنة أكثر.
وما تقوله بعض التجارب في الدمج والبرامجية، أن التنميط والتأطير والتطوير ممكن شريطة أن تلتزم دوائر القرار بوثائق التحديث الحزبي المرجعية أكثر، وأن تتوقف الحكومة عن التحدث المباشر مع المجتمع واستبدال ذلك بالتحدث مع أحزابه.