اراء و مقالات

حراك «اقتصادي» أردني – إقليمي والخلفية «سياسية»: أين المبتدأ وأين الخبر؟

عمان – «القدس العربي» : خطوات اقتصادية في المقام الأول، لكن لا يمكن تمريرها بدون خلفية سياسية لا تزال بكل الأحوال غامضة المبتدأ والخبر.
الاتحاد الأوروبي يعقد اجتماع الشراكة الذي يخصه بالقرب من العاصمة الأردنية عمان بدلاً من بروكسل في إطار تفعيل وتنشيط العلاقات بطابعها الاقتصادي، ثم يعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن مذكرات تفاهم مع الاتحاد الأوروبي تتضمن وثيقة أولويات للشراكة لمدة خمسة أعوام مقبلة. وفي التفاصيل تلك النافذة الأوروبية الاستثمارية التي تتفق مع الأردنيين على عرض منصة خاصة بالاستثمار بقيمة مليارين ونصف المليار يورو.
الاجتماع يعزز القناعة بدور الأردن على المستوى الإقليمي مجدداً، والمعنيون في اجتماعات الأردن الأوروبية التي شهدتها المملكة طوال يوم الخميس أثاروا الانتباه لثلاثة مسائل أساسية:
أولاً، التعبير عن الامتنان لكرم الشعب الأردني في استقبال اللاجئين السوريين، وهي عبارة تعني ضمنياً بأن اللجوء السوري في الأردن سيستمر، والمشكلات بين الأردن والدول المانحة بهذا الخصوص يمكن أن تجد طريقة للمعالجة والحل بعد أن تكرس الانطباع وسط الأردنيين بالتعرض للخديعة.
والأهم في هذا الكلام هو ذلك التأشير السياسي على صعوبة إعادة توطين اللاجئين السوريين في بلادهم، وهو هدف من المرجح أنه لن يتحقق قريباً، بدلالة ما أشار إليه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، عبر إحدى الصحف التركية قبل عدة أسابيع وهو يتحدث عن جيل نشأ وأصبح شاباً من اللاجئين السوريين في بلاد اللجوء، وجيل آخر ولد أصلاً في الشتات السوري وفي اللجوء.

تجديد الالتزامات

المعنى هنا واضح، الاتحاد الأوروبي يريد تجديد التزاماته تجاه الأردن فيما يخص مسألة اللجوء السوري. لكن التركيز أيضاً على الجانب الاقتصادي وجانب المياه واحتياجات الأردن في قطاعات المياه والطاقة، وهنا تحديداً تصريحات مباشرة للأوروبيين انطلاقاً من عمان بأن ملفات الطاقة والمياه ستحظى بكل الدعم والتعاون، لا بل التكامل الإقليمي. عملياً، لا أحد يعرف ما الذي يقصده الاتحاد الأوروبي وهو يتحدث عن التكامل لدعم قطاعات الطاقة والمياه والطاقة إلا إذا كانت الاشارة هنا سياسياً أيضاً للغطاء الأوروبي الذي يريد دعم مشاريع تبادل خدمات الطاقة والمياه بين الأردن وإسرائيل. والمعنى هنا سياسياً أيضاً أن الفرصة قد لا تكون متاحة لممارسة أي ضغط على الجانب الإسرائيلي في المرحلة المقبلة تحت عنوان استئناف عملية السلام.
في كل حال، حمى اللقاءات والاجتماعات والمشاورات الاقتصادية وضعت الأردن واقتصاده ودوره في الاقتصاد الإقليمي في المحور خلال الأيام القليلة الماضية.
على هامش الاجتماعات الأوروبية، تم الإعلان في البيت الأبيض عن احتمالية أن يزور الرئيس الأمريكي جو بايدن الأردن ضمن جولته المقبلة.
وهي زيارة، إن تمت، تعني بأن الأجندة الأردنية وتحديداً الملكية مع ثوابتها في القضية الفلسطينية ومختلف قضايا المنطقة على الطاولة وبقوة أكثر من أي وقت مضى، كما تعني أن الرئيس الأمريكي حريص على إظهار صداقة بلاده للمملكة الأردنية الهاشمية بالرغم من كل ما يقال عن أزمة بقاء حكومة نفتالي بنيت الإسرائيلية، وكذلك عن برنامج التهدئة المعقد في القدس وحالة الصدام والتأزيم في المجال الحيوي الفلسطيني هذه الأيام بالرغم من كل ما يقال عن سعي الرئيس بايدن لاستعادة التواصل والاتصال وبعض الود السياسي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

دعم أمريكي للأردن

هنا الاتجاه الأمريكي يكمل الاتجاه الأوروبي في الحرص على إظهار الرغبة في دعم الأردن ليس سياسياً فقط، بل تمكينه اقتصادياً أيضاً. وتلك ضمانات بدا أن الشارع الأردني بأمس الحاجة لها، لكن ثمة شكوك في كيفية إدارتها وتعاطي الحكومة الأردنية مع تداعياتها واستحقاقاتها والمفاوضات التي تتطلبها، خصوصاً أن مسألة اللجوء السوري تحديداً فيها الكثير من الملاحظات عند الدول المانحة، كما يشهد الخبير الاقتصادي الدكتور أنور الخفش، وهو يلمح ضمنياً إلى سوء إدارة محلية في التعاطي مع هذا الشأن، ووجود ملاحظات على سجلات الإنفاق وكيفية الإنفاق والمبالغ التي خصصها المجتمع الدولي لصالح اللاجئين السوريين وسط الانطباع السياسي الذي تتبناه كثير من الأطراف، ويعبر عنه سياسي وبرلماني مثل الدكتور ممدوح العبادي، وهو يتحدث عن معالجة مشكلات النقص الأردني في المياه وغيرها مثلاً عبر العمل مع المجتمع الدولي على إعادة السوريين إلى وطنهم الذي غادروه بدلاً من الحرص على توطينهم.
مخاوف توطين السوريين والتوجه نحو وجود مكون سوري، موجودة بقوة وثقل وسط النخبة السياسية الأردنية. ومستوى الاستفزاز والمخاوف والهواجس هنا يرتفع كلما جاء مسؤولون أوروبيون رفيعون أو أمريكيون ليقدموا الشكر للشعب الأردني على كرمه في مسألة استضافة اللاجئين السوريين، وهو موضوع تفضل سلطات الحكومة الأردنية عدم التحدث عنه.

حراك دبلوماسي

لكن ورشة الحراك الدبلوماسي الاقتصادي الأردني تحديداً لم تقف الأسبوع الماضي عند هذه الحدود؛ فقد أعلن وزير الصناعة والتجارة الأردني يوسف الشمالي، عن توافق أردني مصري إماراتي ثلاثي للتشارك في مجال زراعة القمح والشعير والذرة. حصل ذلك من جهة الوزير الشمالي بعد أقل من 24 ساعة تقريباً على انتهاء فعاليات اجتماع ثلاثي أيضاً تناول احتمالات التكامل الصناعي بين البلدان الثلاثة، مما يؤشر على أن أبوظبي وعمان والقاهرة في الطريق لمشاريع اندماج تكاملية تحاول التعامل مع التحديات الموجودة الآن، ومن هنا برز شغف الإماراتيين للتمويل والاستثمار في تمويل مشاريع كبيره لزراعة القمح والشعير والذرة لتغطية حاجة دولة الإمارات وبعض الدول الخليجية ولأغراض التصدير أيضاً، وهو عرض استثماري إماراتي قد يتطلب التملك أو الاستحواذ على قطع أراض كبيرة صالحة لزراعة القمح والشعير والذرة في الأردن ومصر، وهذا هو شكل المشروع الثلاثي الجديد.
المعنى هنا أن التوجهات الاقتصادية تكاثفت إلى الساعات القليلة الماضية، والأردن في محورها الاشتباكي، والأجندات السياسية بطبيعة الحال تفرض بصماتها على كل الاعتبارات. وكل ذلك يحصل فيما قررت قوى شارع محلية، العودة للاحتجاج على ما تسميه «نهج رفع الأسعار».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى