اراء و مقالات

شبح ترامب – نتنياهو بعد «مواجهة كيري»… «الجيو سياسي» الأردني في «الرمال الأمريكية المتحركة»

عمان- «القدس العربي»: تصل مبكراً تلك الرسالة الأردنية التي تنطوي على تلميح للسفير الأمريكي في عمان بخصوص مبالغته في التحدث، دون ترتيب، عن ملف المياه الأردني، وبدون تنسيق تحت عنوان الدفع، قبل أكثر من شهرين في اتجاه الاتفاقية المثيرة للجدل برعاية دولة الإمارات لتبادل الماء والكهرباء مع إسرائيل.
لا جديد من أي نوع يوحي بأن تلك الاتفاقية، وبعد اقتراب شهرها الثالث، تقدمت أي خطوة سياسية أو إجرائية، مما يكرس الانطباع في مقر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ومكاتب رئاسة الوزراء، بأن جذر القصة سياسي ودبلوماسي فقط، أكثر من كونه اتفاقاً حقيقياً في البنية التحتية يمكن إنجازه على أرض الواقع.

إزعاج الإعلام الرسمي

دخل السعوديون بقوة على مسار تلك الاتفاقية، وبات من الثابت الآن بأن وزير المياه الأردني محمد النجار ومعه زميله الوزير نواف التل، تحركا إلى أبوظبي عندما وقعت تلك الاتفاقية بصيغة أشبه بمذكرة جلب بعدما أجبرت حكومة الأردن على إرسال وزيرين للحاق بطائرة مبعوث الإدارة لشؤون المناخ الوزير جون كيري. في أبو ظبي، وفي اللحظات الأخيرة، حاول الإسرائيليون التلاعب بمعنى توقيع اتفاق إطار وتفاهم وبدون ذكر أرقام وكميات.
انضم إليهم الوزير كيري نفسه طالباً الاستعجال، لكن وزير المياه الأردني محمد النجار، رفع شعار «لن أوقع إذا ما تحددت الكميات»، فضغط كيري رغم أنه حاول تليين النجار على الطرف الآخر. انتهى الجدل حول تلك الاتفاقية التي لا تشهد انطلاقة سريعة في التنفيذ الآن ولأسباب غامضة، وما بقي من تأثير للضغط الأمريكي هنا هو تلك الذكريات المتعلقة بمحاولة السفير الأمريكي التدخل وفي سياق فني بدوره وعلى أساس المبالغة عبر الربط بين ديمومة الاستقرار الأردني وتلبية احتياجات المياه وتنويع مصادرها.
السفير هنري ووستر رغم قلة تدخله العلني، تحدث مع ممثلين لصحيفة الغد اليومية فقط في مناسبة مرصودة؛ حتى يخاطب الرأي العام الأردني، لكن تلك الخطوة أزعجت الإعلام الرسمي الأردني، لا بل دفعت شخصيات حكومية لتصنيف السفير ووستر في منسوب قليل من إثارة المتاعب، مما يدفع ضمنياً بالمقابل في اتجاه استذكار مقولته الشهيرة عن الأردن الجديد.
الجيل السياسي الأردني نشط ويتحرك بفعالية، خصوصاً بعد عبور اتفاقية الوجود العسكري الأمريكي في الأردن، دون ضجة وبدون ارتفاع فاتورة المساعدات المالية والاقتصادية الأمريكي أيضاً، مما دفع نائباً في البرلمان للفت النظر إلى أن العبور بتلك الاتفاقيات العسكرية لا بد من طلب المال الإضافي بدلاً منه. الانطباع، بالمقابل، يزيد سياسياً بأن الحكومة الأردنية تقبل بما يعرضه الأمريكيون.
لكن «القدس العربي» سمعت لاعباً سياسياً مخضرماً مثل طاهر المصري، يؤشر على إمكانية تحقيق استثمار أفضل مع الحليف الأمريكي مقابل تلك الاتفاقيات عسكرية الطابع، وهو أمر بكل الأحوال تقدره وتقرره غرفة القرار المركزي.
الانطباع يزيد بالتوازي بأن ما يقوله الأمريكيون خلف الستارة عن تلك الاتفاقيات العسكرية ينبغي أن يخضع للتأمل العميق، حيث إنها اتفاقيات يستفيد منها الاستقرار الأردني نفسه، وتعتبر بمثابة ضمانة حماية إضافية من أي طموحات أو مشروعات لها علاقة باليمين الإسرائيلي المنحرف، وهو ما يرجحه -بصفته واحداً من تجليات المشهد بالمعنى الاستراتيجي- الباحث والمحلل الدكتور أنور الخفش، وهو يدعو عبر «القدس العربي» لقراءة واعية وأعمق لمسألة التعاون الاستراتيجي العسكري بمدلولها السياسي أو الجيو سياسي.
قد يعني ذلك -وهنا لا يختلف الخفش والمصري أو غيرهما- بأن لدى الأمريكيين نطباعاً في الجيو سياسي تحديداً، بأن حالة الانفصام التي يعيشها اليمين الإسرائيلي تحديداً قد تشكل خطراً على ثبات الحالة الأردنية، خصوصاً أن رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، يعلم يقيناً بأن حكومة نفتالي بينت في تل أبيب آيلة للسقوط وفي أي وقت. يبدو أن الأمريكيين على مستوى البنتاغون تحديداً، لديهم ملاحظات وتحفظات على طبيعة وتركيبة العلاقة والتواصل الأردني العميق مع تل أبيب.
ويبدو أن دوائر قريبة من الإدارة الأمريكية الحالية تحاول تذكير الأردنيين بين الحين والآخر بأن الأفضل لهم في الحسابات الاستراتيجية هو ترك العلاقة مع الكيان العميق في دولة الاحتلال، من حيث التفاصيل، والتركيب والتكوين للدوائر الأمريكية وهندستها. مرد ذلك هو أن رسائل تصل من واشنطن تلمح إلى عدم رضاها عن كيفية إدارة العلاقات الإسرائيلية – الإماراتية.
هل يعني ذلك حقاً أن المؤسسة الأمريكية الأعمق ضد الحماسة الأردنية للتعامل مع الإسرائيليين بعيدة عنها؟
سؤال سياسي بامتياز وكبير، يميل إلى الإجابة بـ»نعم» عليه بعض السياسيين الأردنيين، ويبدو غريباً إذا ما ارتبط بكل الأسطر الخفية المتعلقة بمرحلة التطبيع الإبراهيمي وتوابعها، أو تلك المتعلقة بما يعتقد الأمريكيون أنه الوصفة الأفضل لضمان ابتعاد الأردن عن مجازفات اليمين الإسرائيلي. أو إذا ما ارتبط أيضاً بما يعتقده الأردنيون، وهم لا يثقون تمام الثقة فيما يدبره الأمريكيون، خصوصاً أنهم -وكما ظهر في باطن خطاب رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، مؤخراً- مضطرون للعمل بإلحاح وقلق تحت وطأة احتمالات سيناريو عودة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، ومعه شبح نتنياهو أيضاً، الذي طرح قبل رحيله الأخير علناً وبطريقة استفزازية جداً للأردنيين برنامج الضم الفعلي للأغوار.

إشارات متعاكسة

ذلك برنامج خطير جداً، يقترح المصري وهو يحاول تذكير الجميع بأن المطبات والكمائن الإسرائيلية مقلقة وخطيرة إذا ما صمت الجميع وأصبح الأردن، لاحقاً، هدفاً لإكمال ما تبقى من شروط ومتطلبات تصفية القضية الفلسطينية.
الأكيد حتى اللحظة وسط كل تلك المعطيات والإشارات المتعاكسة، أن بعض مظاهر التجاذب أو حتى الملاحظات المتبادلة تظهر بين الحين والآخر على محور عمان – واشنطن.
وفي المقابل، يتقافز محور عمان-أبو ظبي- تل أبيب، ويناور ويحاول، وهذا يعني إرهاقاً مستمراً مع صداع، في بعض الأحيان، في جدار الورقة الجيو سياسية الأردنية، تحتاج أو يحتاج لمهارات خاصة في القفز بين الألغام والرمال الأمريكية-الإسرائيلية المتحركة.
في المقابل، ردة فعل أمريكية لا تبدو متحمسة حتى اللحظة على الأقل لما ظهر من تفاصيل بعنوان تحديث المنظومة السياسية الأردنية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى