اراء و مقالات

«إقلاق» الراحة العامة وارتفاع عنف المجتمع المواطن الأردني غاضب أم برسم «العزوف»؟

ظهر السلاح والرصاص في حي شعبي وسط العاصمة ضمن خلاف في مشهد أقرب إلى البلطجة، ففقدت فتاة صغيرة عينها برصاصة وحياتها مهددة بدون معرفة الأسباب والدوافع.

عمان ـ «القدس العربي»:  الأردني عموما هذه الأيام في حالة حرد أم غضب أم عزوف عن الدولة والخطاب الرسمي؟

سؤال من هذا الصنف هو المحور الأساسي هذه الأيام في غالبية نقاشات النخب والمثقفين ورموز السلطات وأعضاء البرلمان خلف الكاميرا وليس أمامها تفاعلا تلقائيا فيما يبدو مع المقولة الشهيرة والقديمة للمخضرم عبد الرؤوف الروابدة والتي سمعتها «القدس العربي» منه مباشرة مرتين ومضمونها ان «ثقافة الأردني عموما من حيث تمسكه بالوطن وولائه وانتمائه لا تميل للحديث عن المشكلات والعيوب».
هل اختلف المعيار الذي طرحه الروابدة منذ سنوات هنا؟
سؤال إضافي يحتاج إلى إجابة مع الأزمة التي تظهر وتطل برأسها باتجاهين خطيرين كما يقرر ويقر كبار المسؤولين والسياسيين وما تبقى من زعامات المجتمع.
الاتجاه الأول يتمثل بتلك الحوادث التي بدأت تحصل بين الحين والآخر وبطريقة درامية وتؤشر بإجماع شبه وطني على تراجع حاد ومقلق لا بل على انهيار وشيك وقابل للتكرار ما لم يحصل استدراك على حد تعبير الدكتور عامر السبايلة في المنظومة الإدارية حصرا.
والاتجاه الثاني ذلك التلازم المخيف لعلماء الاجتماع بين الأزمة الاقتصادية المعيشية والارتفاع الخطر في نسبة البطالة واحتمالات فقدان المزيد من الأردنيين لوظائفهم، عندما تقرر الحكومة رفع قانون الدفاع بعد عامين ونصف من معركة فيروس كورونا وبين حضور قوي ومباغت لظاهرة وميول العنف الاجتماعي لا بل الاعتداء على القانون والأجهزة والمجتمع.
في المسألة الأولى كان الروابدة أول من حذر من التركيز على الإصلاحين الاقتصادي والسياسي وتجاهل الإصلاح الأهم المطلوب وهو الإصلاح الإداري لأن مشكلات الإدارة العامة تراكمت ومفهوم الخدمة العامة للموظف العام لم يعد قائما، ولأن القصر الملكي قبل غيره هو الذي يأمر الحكومات المتعاقبة بالبحث عن مظاهر الكسل الوظيفي والتقصير والقصور ومتابعتها.
في المسألة الثانية الوضع بدأ يصبح صعبا أكثر حيث مجموعة جرائم قابلة للتمدد بحكم الأزمة الاقتصادية وتحديات كبيرة في المسار الجنائي لا تزال الأجهزة المختصة قادرة على التعامل معها لكنها مرشحة لما يتجاوز حجمها الحالي. وهنا حصريا أقلقت الراحة العامة للأردنيين وسادت بعض المشاعر السلبية وتضخمت المخاوف وان كان الإفراط متاحا بالمبالغة والتهويلات خصوصا عبر منصات التواصل التي يوافق مسؤولون كبار في مراكز القرار اليوم على انها هي التي تقود الجميع ولأسف في السلطة والشارع.
بعض الجرائم الأخيرة طرقت كل أبواب الذكريات الحزينة والسلاح غير الشرعي يظهر بيد مواطنين هنا أو هناك ويبدو ان جرائم محددة كانت في سياق غريب جدا عن المجتمع بدأت تفجر كل أسئلة علماء الاجتماع مثل الطالبة الجامعية التي قتلت بـ6 رصاصات داخل الحرم الجامعي بدون معرفة السبب فيما هرب القاتل قبل محاصرته ثم انتحر قبل اعتقاله من دون معرفة أي صلة بينه وبين دوافع تلك الجريمة البشعة. لاحقا وقبل يومين فقط ظهر السلاح والرصاص في حي شعبي بوسط العاصمة ضمن خلاف في مشهد أقرب إلى البلطجة ففقدت فتاة صغيرة عينها برصاصة وحياتها مهددة بدون معرفة الأسباب والدوافع. لكن ثمة جرائم تحصل في المجتمع بمنتهى الغرابة اليوم تتوازى مع الجرائم التي تحصل جراء تراجع حتى لا نقول انهيار المنظومة الإدارية في بعض المؤسسات مثل ميناء العقبة أو بلدية العاصمة عمان أو غيرهما.
ومن بين تلك الجرائم أب تقول عائلته والسلطات انه مختل نفسيا قتل طفلتيه ببشاعة بسبب خلاف مع أمهما شمالي البلاد. وفي جنوبها مواطن طعن زوجته على بوابة المحكمة وفي الكثير من التفاصيل لا توجد سردية أو رواية تبرر الشكل وهوية وملامح ودوافع حالات العنف التي تقرع أجراس الإنذار.
الأخطر ان تلك الحالة تستمر وأحيانا تزيد.
والأخطر أكثر انها مرشحة للتوسع بالتوازي مع ملف البطالة وتراجع دخول المواطنين والأزمة المعيشية الاقتصادية التي تقول بالأرقام بان القطاع التجاري يعاني من ركود غير مسبوق ظهرت ملامحه جلية في عطلة عيد الأضحى الأخير. وبان ما يزيد عن 61 في المئة من شرائح الموظفين الأقل دخلا في القطاعين العام والخاص مديونة للقطاع البنكي مع انه القطاع الوحيد الذي يربح ويعتاش من كل تلك الأزمات في البلاد بدون معرفة حدود وهوامش السياسة العامة التي تسمح بتلك الأرباح بالتوازي مع إسقاط منطوق ومفهوم المسؤولية الاجتماعية لأكبر المصارف والبنوك.
مجددا ومن باب الاستنتاج والخلاصة كل تلك المعطيات وغيرها بالمناسبة بدأت تدفع مراقبين كبار لمحاولة فهم تلك الاتجاهات العنيفة في المجتمع والتي تترافق بصورة مرجحة مع أزمة ثقة لم تعد المؤسسات تنكرها بينها وبين المواطن كما يؤشر عضو البرلمان عمر عياصرة.
المواطن الأردني في عمق وبؤرة الأزمة اليوم: هل نتحدث هنا عن مواطن غاضب حتى نعرف السبب بصورة صريحة أم حردان كما يقترح القطب البرلماني الدكتور خير ابو صعليك.
أم نتحدث فعلا عن مواطن قرر العزوف عن دولته؟
سؤال بمنتهي الأهمية والخطورة يطرق باب الخزان والمخزن ويحتاج للإجابة بالمنسوب الوطني قبل تسليط الضوء والاهتمام بابتكار المزيد من الوثائق المرجعية الشمولية التي تصلح للانضمام إلى متحف وثائق الإصلاح ومنتجات اللجان بأصنافها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading