إيقاع «متسارع» للتهديدات: لماذا قرر يمين إسرائيل نفض الغبار عن ملفات «عزل الأردن استراتيجياً»؟

عمان- «القدس العربي»: إيقاع اليمين الإسرائيلي يتسارع بصورة دراماتيكية سياسياً، ويختبر كل نوايا الصبر والاشتباك والمواجهة والهدوء عند مؤسسات الدولة الأردنية بصورة غير مسبوقة، في الوقت الذي بدأ يقر فيه بعض من كبار الساسة بأن التحديات حقيقية وخطرة.
الحكومة الأردنية وعلى لسان رئيسها الدكتور جعفر حسان كانت قد قرأت تصريحات بنيامين نتنياهو الخاصة بمشروع إسرائيل الكبرى من زاوية أنها «أوهام لرجل متشدد».
وما قالته الحكومة للرأي العام في الأردن في الخلاصة: إسرائيل اليوم كيان معزول ومكروه دولياً، وليست بصدد التوسع أصلاً.
لكن الرهان على تلك المقولات حذر منه سياسيون خبراء عدة مرات مؤخراً؛ فالتهديدات اليمينية الإسرائيلية يتسارع إيقاعها ولم تعد -برأي السياسي والوزير المخضرم الدكتور محمد الحلايقة- تقف عند أي حدود، لا بل تتجاوز ما بعد مقولة وسيناريو الوطن البديل.
مؤخراً، ظهر وزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر إعلامياً ليصرح بأن تهديدات نتنياهو جدية.
لعل الأهم في توصيف المعشر هنا أنه خبير استثنائي بموازين القوى في الإدارة الأمريكية، ما يدفع باتجاه المقارنة ما بين تهديدات اليمين الإسرائيلي أردنياً، وما بين غياب حليف أمريكي أو صديق رادع.
في الأثناء، لا يقف الإيقاع المتسارع للتهديد عند محاولة فرض خطة التقسيم الزماني والمكاني في القدس والمسجد الأقصى نكاية بالوصاية الأردنية.
المحطة الأخيرة في عمليات التهديد تلك التي أعاد نشرها قبل يومين نشطاء وإعلاميون إسرائيليون حيث دراسة قديمة لمركز «دادو» البحثي التابع للجيش الإسرائيلي تستعرض الخطط العسكرية لتغيير الواقع في الأردن، مع أنها خطط قديمة.
تنفض منابر اليمين الإسرائيلي الغبار عن مثل هذه الدراسات لسبب بالتأكيد، خصوصاً أنها تقارير تنتمي لمرحلة العداء منذ عام 1973 ولا تنتمي لمرحلة السلام والتعايش التي بدأت عام 1994.
التقارير المشار إليها تعزل الأردن استراتيجياً وسيادياً وسياسياً عن ملف سوريا المجاورة، وتتحدث بالنص عن ضرورة الاستفراد إسرائيلياً بسوريا بعيداً عن الأردن، والاستمرار في إضعاف المملكة.
لكن المسألة في الاشتباك وتدوير الزوايا لا تقف عند هذه الحدود؛ فاليمين الإسرائيلي على وشك الحصول على ضوء أخضر من إدارة الرئيس دونالد ترامب يوافق فيه على سيناريو السيطرة الأمنية الإسرائيلية على جميع خطوط الاشتباك مع الأغوار الأردنية.
ذلك لا يعني حتى في رأي الحلايقة، إلا تطبيق ضم مناطق الأغوار، وذلك جزء من مخطط شيطاني أكبر لضم الضفة الغربية.
ليس سراً في عرف الخبراء العسكريين أن ضم الأغوار بمعنى السيطرة الأمنية الإسرائيلية، إنما يعني لوجستياً وعملياتياً، التحكم بحدود الأردن القريبة من محافظة السويداء السورية، وخنق الضفة الغربية، لا بل تهديد مرتفعات البلقاء والسلط التي تقابل الأغوار.
فوق ذلك، لم يعد سراً أن فريقاً وزارياً إسرائيلياً يعكف على وضع خطة بروتوكول إجرائية لإبعاد أو ترحيل من يحملون وثائق أردنية ويقيمون في الضفة الغربية الآن، وعدد هؤلاء غير معلوم رسمياً بعد، لكنهم يتجاوزون عشرات أو حتى مئات الآلاف.
والتوقع هنا أن سلطات الاحتلال وفي حال ضم 60 % من أراضي الضفة الغربية، ستبدأ التدقيق في حملة بطاقات الجسور الأردنية، وقد تطلب من حاملي البطاقة الصفراء العودة إلى وطنهم الأردني باعتبارهم يحملون أرقاماً وطنية أو جنسيات، فيما بعض التسريبات تشير إلى خطة إسرائيلية تتجاوز ذلك، بحيث تطالب من يحملون البطاقة الأردنية الخضراء؛ أي جواز السفر بدون جنسية، بالمغادرة أيضاً.
قبل أسابيع، اعتبر وزير الداخلية مازن الفراية، أن مثل هذه التنميط ليس وشيكاً.
لكن طريقة التفكير الرسمية والبيروقراطية قد تكون تغيرت الآن. اجراءات بطاقة الجسور المتوقعة تهدد الأردن ديموغرافياً، ولا تعني إلا التهجير والترحيل، بصرف النظر عن التسمية.
إن ضم الأغوار، بمعنى تكريس السيطرة الأمنية المطلقة لصالح فرقة جلعاد العسكرية الإسرائيلية الجديدة، لا يمكن قراءته إلا في سياق تهديد الأردن، لا بل تهديد أمنه الحدودي والقومي من خلال تهديد المرتفعات وأودية نهر الأردن في الكتف الشرقية للأغوار.
هذا وضع جيوسياسي وأمني من الصعب للأردن التكيف معه، ويؤسس لنمط مستجد من التحديات، ومن الصعب تمريره على الشعب الأردني، بصرف النظر عن الخلفية والنتائج أو الخسائر والمكتسبات.
اليمين الإسرائيلي استبق حملته أصلاً بقرارين خطيرين: الأول قرار الكنيست بالتصويت على ضم الضفة الغربية، والثاني قرار الكنيست بإصدار قانون يلغي التوثيق الأردني في سجلات وعقارات الضفة الغربية، ما يحيل أملاك الغائب تحديداً إلى سجل إسرائيلي جديد يفرض وقائع مضادة للوضع القانوني الذي كان قائماً.
العبث اليميني الإسرائيلي الخطر -برأي الخبير القانوني الدكتور أنيس القاسم- بدأ من تلك اللحظة التي ألغيت فيها السجلات الأردنية لتنظيم العقارات في الضفة الغربية، فيما يواجه الأردن اليوم بصدر مكشوف إجراءات اليمين الإسرائيلي وسط حالة فريدة وغير مسبوقة، قوامها 3 ملاحظات مركزية لا يتحمل الأردن مسؤوليتها:
نقطة الضعف الأولى تمثل واقع وموقف ونفوذ السلطة الفلسطينية التي لا يمكن وصفها بأنها شريك اشتباك ومواجهة. وهو تعبير يستعمله اليوم مسؤولون أردنيون كبار في اجتماعات سيادية، ويمكن إلحاق الوصف ذاته بحركة فتح ومنظمة التحرير.
ونقطة الضعف الثانية، غياب الإسناد والشراكة العربية، حيث النظام الرسمي العربي برمته في أبعد مسافة من أي تضامن حقيقي مع الشعبين الأردني والفلسطيني.
ونقطة الضعف الثالثة التي قد تكون أكثر إنتاجاً للوجع السياسي، حيث غطاء من الإدارة الأمريكية الحالية لغالبية إجراءات وخطوات اليمين الإسرائيلي وسقوط سريع وفعال لمبادئ الصداقة والشراكة مع الأمريكيين في ملف الصراع تحديداً، مع أن الرئيس الأمريكي الحالي أول من أبدى علناً أسفه لأن إسرائيل صغيرة الحجم في الجغرافيا.