اراء و مقالات

كيف احتفل الأردنيون بـ«مئويتهم»؟ بعد «كلفة التغافل» وإحصاء «التلف والأضرار»… هل «تزحلق» الإعلام الرسمي؟

عمان – «القدس العربي»: هل كانت المصلحة تقتضي «التضخيم الإعلامي»؟
ثمة أسئلة حرجة قليلاً، لكنها استدراكية يمكن رصدها ببساطة اليوم في عمق مشهد النخبة الأردنية وهي تحاول قراءة ما بعد الإعلان الرسمي عن صدمة الفتنة أو المؤامرة. كانت أسئلة بمضمون يمكن اتهامه على مستوى البسطاء ومنصات التواصل منذ الإعلان عن المخطط في الثالث من شهر نيسان.
مع استمرار التفاصيل والهجمة الغامضة من الإعلام الدولي والتي تسلط أضواء التشريح على كل ما هو أردني اليوم، تدحرجت تلك الأسئلة بالتدريج من شرائح العامة والبسطاء إلى مستوى السجال السياسي، فيما يصمت كبار الساسة والحزبيين ممتنعين عن التعليق، أملاً في أن تنتقل البلاد بعد استخلاص العبرة والدروس إلى خط الإنتاج الثاني الوطني، فيما تذهب تلك الفتنة – بصرف النظر عن ملامحها – إلى قنواتها القضائية والقانونية العادلة.
«التغافل» عن توفير إجابات مقنعة للذات على الأقل على أسئلة التضخيم والنتائج العكسية لما كان ينبغي أن يتحقق أصلاً قد يتماهى مع حالة الإنكار البيروقراطية الموسمية، ليشكل لاحقاً -إذا لم تطلق عملية سياسية إصلاحية شاملة وقوية – واحدة من الهزات الارتدادية التي يمكن الاستغناء عنها دوماً.
حتى قيادي شاب وديناميكي في الحركة الإسلامية مثل الدكتور رامي العياصرة، طرح أمام «القدس العربي» سؤالاً في سياق الاستفهام: نريد أن نفهم ما الذي يجري، ولماذا؟
قد لا يحصل العياصرة على إجابة مباشرة، فمخطط الفتنة برمته بين يدي القضاء الآن، ولا يجوز لا للمواطن ولا للسلطات التنفيذية التعليق على ما يحقق به القضاء بموجب نصوص قانونية محكمة. مع ذلك، سؤال العياصرة نفسه يمكن رصده بالعشرات أو بالمئات يومياً وسط الناس العاديين وعلى حساباتهم التواصلية.
الحاجة ملحة للاستدراك -حسب السياسي مروان الفاعوري- والتقدم برواية صلبة أكثر ومقنعة، تحتوي التجاذبات التي يشعر بها المجتمع اليوم وهو في انتظار محاكمة الفتنة التي اتخذت طابع شكل أمن الدولة.

كلفة الإفصاح

يحذر الفاعوري، في جلسة نقاش في حضور «القدس العربي» من ندرة الأجوبة والفراغ وما ينتج عنه من تأويلات وتكهنات وسط المواطنين، لكن الأهم – في رأيه – الإدراك الواعي بأن كلفة الإفصاح الذي حصل وبالصيغة التي برز فيها، لا تعفي من الوقوف الوطني المسؤول اليوم على محطة كلفة الإصلاح الحقيقي، حيث الدرب واضح للخصم والصديق فيما ينبغي فعله بعد الآن لضمان عدم تكرار أو تكريس الشروخات التي كشف عنها بالبيان الرسمي مخطط زعزعة الأمن والاستقرار.
لا يعرف المعلقون والمراقبون طبيعة الأسباب والخلفية التي دفعت شخصية بارزة من وزن رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، للتأشير على مؤامرة مبكرة ضد بلاده، لها علاقة بجاريد كوشنر بطل صفقة القرن الشهير، فكوشنر نفسه أصبح من الماضي الآن وليس في موقع تأثير، والنصائح التي ترسل إلى عمان من خصومه في الحزب الديمقراطي ومن خلفه في إدارة البيت الأبيض، بالجملة والتقسيط معاً.
وهي نصائح عنوانها واضح، ولا يُقبل الاسترسال في الإنكار، وهو الإصلاح السياسي والشامل، وملف الحريات العامة فقد مل الأردنيون عموماً من تلك النغمة المتعسفة التي لا تطابق الواقع وتعزفها إسطوانات الإعلام الغربي والأمريكي باسم التعسف والقمع في المملكة.
والأجوبة ضرورية من المتاحين من رجال السلطة. لأن الاسترسال في الارتجال وعدم ضبط الإعدادات، عندما يتعلق الأمر بمؤامرة ما فيها جهات خارجية وأخرى داخلية، من المنطقي أنه يحقق نتائج عكس المأمول، وهو ما حصل فعلاً في رأي إجماع المراقبين والمحللين، عندما تعلق الأمر بتفاصيل غامضة لم تشرح جيداً، وباتهامات لأشخاص قد تربك التحقيق، وبعبارات مطاطة ومرنة نتج عنها أثر معاكس ووردت في بيان مسؤولين ووزراء أو عبر أقلام محسوبة على السلطة. وأيضاً لأن الورطة الحقيقية قد لا تكون حصلت بعد.

«شروخ»… و«مئوية»

وفي حال ثبوت اتجاه بعض الموظفين والرسميين إلى تضخيم الأمور أو الإقرار بإدارة ضعيفة لأزمة كبيرة على المستوى البيروقراطي والحكومي تحديداً، فإن الفرصة تكون مهيأة لعملية محاسبة ومراجعة، لا بل لتغييرات في الهيكل القيادي لبعض المؤسسات أكثر من أي وقت مضى. فالوضع العام وبالرغم من مكاسب الهيبة الاستثنائية التي تحققت، لا يسمح بالارتجال والمغامرات أكثر. وتجري خلف الستارة والكواليس عملية حساب دقيقة لمسار الأحداث ولكيفية إدارة ملف اعتقالات السبت الشهيرة.
وتجري في خلايا الأزمة والعمق محاولات أكثر دقة في وقت حساس، اقتصادياً ومعيشياً، لتقييم الأضرار، حيث قناعة سمعتها «القدس العربي» على لسان سياسيين كبار بأن «التلف والضرر» حصلا في كل الأحوال، وتحديداً من اللحظة التي تم فيها تفويت فرصة الأردنيين بالاحتفال بمئوية دولتهم في تزامن غريب لمسار الكشف عن التفاصيل. غير معقول أن ترصد كل تلك الاختراقات ويتم الإعلان عن الشروخ بالتزامن مع احتفالات المئوية، إلا إذا كان في جعبة الدولة العميقة ما لا يعرفه الرأي العام أو لا يمكنه أن يعرفه في كل الأحوال.
انتهى تجادل الأردنيين حول ملف الفتنة والمخطط. لكن التعبيرات التي تخرج هنا وهناك من مسؤولين أو سياسيين مراهقين يحاولون ركوب موجة ما، بدأت تنتج أسئلة حساسة.. هل أخفقنا في سرد رواية الفتنة؟.. هل خدم التضخيم الإعلامي والحكومي خطط الفتنة الأكبر؟.. هل «تزحلقت» بعض المؤسسات البيروقراطية ومعها الإعلام الرسمي نحو مصيدة ما؟
هذه أسئلة طبعاً بنمط كيدي، وقد تكون من باب المبالغة الدرامية. لكنها تطرح بعدما أخذ ملف الفتنة مساره القانوني بانتظار محاكمة لا يراقبها الشارع الأردني فقط اليوم من سوء الحظ، بل دول الإقليم والجوار والسفراء والدبلوماسيون، والأهم والأخطر الأضواء الكاشفة للإعلام الغربي، الأمر الذي لم يكن في الحساب بالتأكيد. كل ذلك يقود إلى الخلاصة المركزية، فتحويل محنة المخطط الفتنوي إلى فرصة بات بالتأكيد يحتاج إلى عملية إصلاح مكلفة إلى حد ما، أو زادت فاتورتها عن ما قبل الثالث من نيسان/ابريل.
ثلاثة مسارات أكثر من واضحة الآن تحتاج إلى قرار سياسي مركزي.. إعادة المؤسسات إلى سقفها الدستوري في العمل والإنتاجية بوضع حل نهائي يوقف النزيف الناتج عن أزمة الأدوات. ثم الاستعانة، قبل إطلاق إصلاح حقيقي، بالعقلاء والراشدين وطبقة رجال الدولة والمهنيين، بصرف النظر عن المواقف الشخصية من معظمهم وحتى عن تصنيفات «الولاء الكلاسيكي».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى