اراء و مقالات

تحذيرات بالجملة في الأردن من «التورط في مستنقع ميليشيات إيران»

عمان – «القدس العربي»: لا أحد على صعيد النخبة السياسية الأردنية يفهم بصورة محددة ما هي الخطوة التالية بعد حملة التعبئة الإعلامية التي ربطت بوضوح في سلسلة من الإفصاحات والبيانات الرسمية ما بين التحدي الأمني الناتج عن وجود ميليشيات إيرانية الرعاية والتمويل والنفوذ جنوب سوريا شمال الأردن، وما بين حرب المخدرات التي تشن على المجتمع الأردني وبدأت تقلق كل الأطراف.
ولا أحد في المقابل، شرحت له استراتيجية الاشتباك الرسمية الجديدة مع العلم بارتفاع الأصوات التي تحذر من سلوكين سياسيين في هذه المرحلة المعقدة من تاريخ المنطقة.
الأول هو الاتجاه نحو التصعيد الإعلامي أو إصدار بيانات مضادة للجمهورية الإيرانية ولمصالح مجموعاتها المسلحة في العمق السوري وبدون مبرر وبدون تقديم أدلة أو براهين على أن تلك الجماعات الإيرانية تستهدف الأمن الحدودي أو الوطني الأردني.
وهي نظرية تربط عملياً بين تقاليد تجارة المخدرات في الماضي ومستجدات تمويل تهريب المخدرات إلى الأردن حالياً.
الاتجاه الثاني الذي يحذر منه كثيرون ويعكس قلقاً حتى وسط الجمهور والرأي العام من احتمالات بروز مغامرة جديدة بضغط أمريكي أو حتى غير أمريكي، هو حصرياً ذلك الاتجاه الذي يبدو أنه بمساره نحو تغيير قواعد الاشتباك السياسي هذه المرة ليس مع الحدود السورية المنفلتة إلى حد بعيد فقط، لكن مع تركيبة العمق والداخلي السوري التي تبدو مليئة بالتناقضات ومفتوحة على الاحتمالات.
يزيد العبء على المطبخ السياسي الأردني في الوقت الذي أصبح فيه الوجود الروسي ممثلاً بغرفة العمليات الأمنية في سوريا أقل اهتماماً بالبقاء والاشتباك مع التفاصيل.
وهي مسألة تلمّسها الأردنيون عدة مرات، علماً بأن ارتفاع نسبة وبروز مظاهر العلاقات والاتصالات الأردنية الأمريكية وسط تفاهمات على الملفات الأساسية في الإقليم يوحي ضمنياً بأن الأردن قد يتجه إلى حالة من التصعيد الإعلامي والسياسي، لكن مع محاذير أمنية وعسكرية وحدودية بكل الأحوال؛ رغبة في التفاعل مع توجهات وتطلعات الإدارة الامريكية الحالية، مما يشكل تحدياً كبيراً يستوجب الحذر الشديد برأي المحلل الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة، الذي يقترح وعبر نقاش مع «القدس العربي»، بأن الأردن إذا كان منذ أكثر من أحد عشر عاماً حذراً جداً في الملف السوري، عليه أن يكون الآن حذراً للغاية، لأن الكمائن والمطبات والملاذات في هذا الملف معقدة للغاية ومتاحة بكثرة. طبعاً، لا تجيب الحكومة الأردنية على الأسئلة العالقة، لكن يلاحظ الجميع بأن العبارات التي توجه اتهامات مباشرة لمجموعات إيرانية في العمق السوري قريبة من الحدود مع الأردن أصبحت عبارات تتردد وتتكرر، وهو ما كانت عمان حرصت على أن لا يشكل خطابه الإعلامي في الماضي. ويلاحظ الجميع بأن مستويات الاشتباك الأمني مع محاولات التهريب المكثفة قد زادت أيضاً في الآونة الأخيرة، كما يلاحظ المراقبون بأن ملف المخدرات الذي يستهدف أمن الداخلي الأردني بدأ يرتبط بصورة أكثر على الأقل في أدبيات نصوص البيانات الرسمية الأردنية بتلك القوى التي تتحكم بالأمور في الداخل السوري.
وهو ربط حمال أوجه، ويعني أن الأردن بصدد رسم سياسته في الدفاع عن حدوده، وإن تطلب ذلك ولأول مرة تسمية بعض الأشياء كما هي، ووضع بعض الأحرف على بعض النقاط، حيث قوتان رئيسيتان في الجانب الحدودي السوري مع الأردن: الأولى تمثل الميليشيات والمجموعات المسلحة المحسوبة على إيران، بما فيها العراقية واللبنانية. والثانية تمثل ما تبقى من عصابات داعش ومجموعات جبهة النصرة وبعض فصائل المعارضة الفلسطينية المسلحة المحسوبة على التشدد والمصنفة بالإرهاب.
وهما قوتان قال بوضوح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، علناً، بأن بلاده لا تريد أن تراهما في أي مساحة جغرافية قريبة من مساحات التماس. وقيل كثيراً في إفصاحات الأردنيين بأن عمان حريصة على مساحة جغرافية قد تمتد لـ 40 كيلومتراً في العمق السوري يفترض أنه لا يوجد فيها مقاتلون منفلتون أو سلاح غير شرعي ولا يتبع سيادة الدولة السورية، أو مجموعات موالية لإيران أو لتنظيم داعش الإرهابي.
وقناعة عمان الأمنية والسياسية والعقائدية راسخة اليوم بأن فرصة ولادة وتفريخ مجموعات التطرف مجدداً وافرة بكثرة، وبأن المجال الحيوي لتدبير عمليات التمويل لأي نشاطات إجرامية أو إرهابية هو الإصرار بسبب الوضع الجيوسياسي وقيود الجغرافيا على تفعيل وتنشيط تجارة المخدرات التي تحولت إلى حرب على الأردن في اتجاه المملكة الأردنية، وهو الأمر الذي يتصدى له الجيش الأردني بحضور بالغ ويتعامل معه بمهنية وضمن فلسفة اشتباك قادرة على تطوير أدواتها.
في الخلاصة، السياق نفسه الذي طالما تحدث عنه رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق سعد هايل السرور لـ«القدس العربي» عدة مرات، فالأردن سيسهر ليله الطويل في كل حال قرب الحدود مع سوريا الشقيقة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى