الأردن: بعد ملفات المعابر والطاقة… «حصتنا في مياه اليرموك أولوية»
قرى اللاذقية «تصفق» للدفاع المدني الأردني إثر مساعدته في إطفاء الحرائق

عمان ـ «القدس العربي»: تبدو «مقايضة» بيروقراطية بغطاء سياسي مقبولة للطرفين، حيث تظهر وزارة المياه الأردنية استعداداً لوجستياً مفتوحاً لنقل خبرتها للقطاعات المائية السورية مقابل حصول الأردن سياسياً على وعود وإجراءات ميدانية مرتبطة بالملف العالق منذ سنوات طويلة بين البلدين بعنوان حصة الأردن من مياه نهر اليرموك.
وزير المياه الأردني رائد أبو السعود، يناقش السوريين بصراحة في ملف المياه، ويفتح أبواب وزارته لمساعدتهم في الوقت الذي يدير فيه بمهنية واحتراف مشاورات تبادل المنفعة هنا، ما يؤشر إلى غطاء سياسي في عمان ودمشق للبحث في مرونة سورية لها علاقة هذه المرة بملف عالق كان معقداً أيام النظام السوري المخلوع.
وصلت مبكراً إلى نخبة المسؤولين في دمشق تلك الرسالة التي صدرت عن رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، التي تعتبر الحقوق المائية الأردنية في حوض نهر اليرموك أولوية وطنية للدولة الأردنية، وتؤشر ضمناً إلى مقايضة، فكرتها أن تجاوز مسألة الحصة المائية الأردنية المحجوبة في الماضي هي خطوة ضرورية جداً قبل الانتقال إلى كل ملفات التعاون وتطبيع العلاقات.
واستقبل وزير المياه الأردني صباح الثلاثاء، المسؤول المباشر عن موارد المياه في وزارة الطاقة السورية، وتم تفعيل لجنة المياه الثنائية، لكن استجابة الوزير الأردني أبو السعود، لن تقف عند هذه الحدود؛ فقد تمكن وفد المياه السوري من زيارة بعض المؤسسات المهمة وذات الخبرة العميقة في المجال الحيوي لإدارة الموارد ألمائية. ويعكس سلوك أبو السعود هنا الغطاء السياسي في حكومة الأردن لتمكين الأطقم السورية المختصة حديثة العهد من الاطلاع على الخبرة الأردنية في مجال مركز السيطرة الخاص بمراقبة الموارد المائية، وفي مجال مراقبة السدود وغرفة العمليات وكيفية الحرص على ترشيد إنفاق المياه.
انتقال المباحثات المائية بين البلدين إلى مستوى العمليات الإدارية قد يكون المؤشر الحيوي الأكبر على رسالة رئيس الوزراء حسان بخصوص الأولوية التي تعتبر أن عمان من الصعب أن تنتقل إلى مستوى استراتيجي في العلاقات مع الدولة السورية الجديدة قبل استعادة أو الحرص على استعادة حصتها من مياه نهر اليرموك. وهي حصة حجبها لسنوات النظام السوري السابق، لا بل تأثرت في سنوات الفوضى السورية الداخلية بوجود مجموعات مسلحة معادية للأردن قريبة من مخازن المياه في نهر اليرموك.
قرى اللاذقية «تصفق» للدفاع المدني الأردني إثر مساعدته في إطفاء الحرائق
وأظهر السوريون في الأسبوعين الأخيرين مرونة مرصودة في التجاوب مع المطلب الأردني، وبدأت المشاورات الفنية بغطاء سياسي سوري، تمهيداً لاستئناف تأمين حصة المياه المتفق عليها، مع أن جهات الاختصاص في دمشق طلبت المزيد من الوقت بحكم تعقيدات الملف وخبراتها المستجدة في نظام الموارد المائية.
مرونة سورية
فريق الاختصاص في الوزارة الأردنية لاحظ، مؤخراً، حرص الجانب السوري على اتخاذ خطوات ذات مصداقية تتجاوز الالتزامات والوعود اللفظية. وبين تلك الخطوات التي رحبت بها وزارة المياه الأردنية استصدار قرار بمنع حفر الآبار الجوفية في محيط الحاضنة الجغرافية لسد نهر اليرموك، ما يحافظ في موسم جاف جداً مع منتصف العام المقبل على مخزون المياه قبل توفير الملاذ الإداري واللوجستي اللازم لتأمين حصة الأردن.
قبل ذلك، عمدة العاصمة الأردنية عمان، يوسف الشواربة، استقبل محافظ دمشق ووفداً رفيعاً يرافقه، وتخلل الزيارة تلك تمكين الجانب السوري فنياً من الاطلاع على كيفية إدارة الأمور الإدارية والعملياتية عندما يتعلق الأمر ببلدية كبرى، بما في ذلك إدارة تراخيص المهن ومستوى السيطرة على المخططات الهندسية، وكيفية إدارة الأبنية والحدائق، ثم غالبية ملحقات تنظيم العمل البلدي في المدن الكبرى.
وفي الأثناء، تحفل منصات التواصل الاجتماعي بأشرطة الفيديو التي تتحدث عن دور أجهزة الدفاع المدني الأردني في مكافحة حرائق اللاذقية، حيث طاقم أردني خبير ورفيع فيه العديد من الأطقم المتخصصة في مكافحة النيران لعب دوراً بارزاً منذ 3 أيام في احتواء حرائق غابات اللاذقية، وحيث يستقبل أهل القرى السورية بالترحاب والتصفيق والابتهاج قوافل شاحنات الدفاع المدني الأردني.
طائرات أردنية متخصصة في مكافحة الحرائق، قدمت أمام الكاميرات والشعبين جولة مثيرة في تأمين المياه من المسطحات المائية السورية، ثم استخدامها بسرعة في مكافحة الحرائق، في الوقت الذي توثق فيه الجوانب العملياتية في جهد الإغاثة الأردني، ما ينتج الانطباع عموماً بأن الجوار الجغرافي بدأ يحكم معادلة العلاقات الثنائية مع الدولة السورية الجديدة وفي اتجاه علاقات تكاملية إيجابية.
الخبرة الأردنية
اختبر السوريون مؤخراً بصيغة أكبر أهمية تحصيل الخبرة الأردنية في مجالات محددة، من بينها مكافحة الحرائق والدفاع المدني ومراقبة الموارد المائية والتبادل في مجال الطاقة والنقل، والأهم في إدارة المعابر، حيث اللجان الثنائية هنا دخلت في سياق عملياتي مفصل عنوانه توحيد وتحديث الإجراءات على معابر البلدين.
وطلبت السلطات السورية مؤخراً عدة مرات الاستعانة بالخبرات البيروقراطية الأردنية، وشكل ذلك إطاراً عملياتياً لما ورد من خطاب بعد لقاء الملك عبد الله الثاني بالرئيس أحمد الشرع قبل عدة أسابيع في عمان، وبعنوان السعي نحو التكامل، وهو التكامل الذي يقدر عبره رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق -كما فهمت «القدس العربي» مباشرة منه- بأنه يمثل مصلحة الشعبين في التأكيد، حيث الجغرافيا تخدم فرص التكامل الاقتصادي والتجاري هنا.
ما يمكن قوله سياسياً، إن قطع شوط مرصود في ملف حصة المياه الأردنية ساهم أو يساهم في إطلاق علاقات عميقة أكثر على أساس الشراكة. وهو ما تنتبه له العاصمتان الآن، وتعملان على أساسه، لأنه تطلب نشاطاً غير مسبوق في تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين وخصوصاً على مستوى الإدارات البيروقراطية. كما تطلب اتخاذ عمان لخطوة كانت متأخرة لأسباب مفهومة، تتمثل في تسمية سفير أردني في دمشق لأول مرة منذ عام 2011 تقريباً، وهو ما حصل مؤخراً باستئناس رسمي أرسل إلى دمشق للموافقة على تسمية السفير الدكتور سفيان القضاة، ممثلاً لبلاده في العاصمة السورية.