«المال والنتيجة علينا» دردشة نخب مثيرة… والأردنيون يواصلون التسلية بسمعة الانتخابات
الضجة ضد النسور وما كشفه قد لا تكون مبررة إلا في سياق رغبة قاعدة عريضة من الجمهور في الاسترسال بالتسلية الإلكترونية على حساب طبقة السياسيين والنخبة.

عمان ـ «القدس العربي»: لا تستوجب السردية التي قدمها رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور عبد الله النسور وبصرف النظر عن دقتها حول تدخل حصل يوما ضد نيته الترشح للانتخابات، كل ردود الفعل المحتقنة والعاصفة التي توسعت محليا عبر منصات التواصل الاجتماعي.
سردية النسور هنا استدرجت سياسيين أخرين للرد والتعليق والتوضيح والاشتباك، في عودة متأخرة وقد لا تكون محمودة لحمى التجاذب والاستقطاب بين رجال الحرس القديم الذين تم إقصاء غالبيتهم الساحقة الآن عن مواقع ومناصب التأثير والإدارة.
الحادثة التي عرضها النسور في حلقة حوار على تقنية «بودكاست» كانت أقرب إلى «دردشة» تضمنت الكشف عن معلومة يعرف الجميع أنها ليست جديدة، وفكرتها أن مسؤولا أمنيا بارزا في الماضي وهو حصرا الجنرال محمد الذهبي اتصل بالنسور لمنعه من الترشح لانتخابات برلمانية.
في البودكاست الشهير الذي استضافه الدكتور محمد أبو رمان كان الأخير يبتسم أمام الكاميرا فيما يسترسل النسور في شرح ما حصل معه رغم انه يحمل سلسلة من الألقاب والإرادات الملكية التي لم تمنع الجنرال من تهديده بترسيبه والتدخل ضده إذا ما خاض الانتخابات ورفض الامتثال.
النسور في الواقع وفي البودكاست الذي أثار عاصفة جدل، كان يروي حادثة ما حصلت معه ويعلم الجميع أنها حصلت مع كثيرين غيره في الماضي علما بأنه بعدها بسنوات أصبح رئيسا للوزراء، بل أحد أطول الرؤساء عمرا. وأصل القصة مجرد سرد ذكريات لطيفة أو طريفة ينبغي أن لا يبنى عليها القول في اتهام النسور بأنه يدمر مصداقية نزاهة الانتخابات فقط لأنه أشار لواقعة ما حصلت قبل نحو 20 عاما. صحيح أن الجمهور لم يسبق له الاعتياد على شفافية ومصارحات السياسيين القدامى، لكن صحيح في المقابل أن نزاهة الانتخابات إذا أصبحت بحكم مسار التحديث السياسي منذ عامين قيمة أساسية وإستراتيجية، لن يؤثر عليها لا حديث النسور ولا تعليق العشرات من الذين ردوا عليه أو اتهموه.
والسبب أن استعادة مصداقية الانتخابات ونزاهتها في ذهن اليقين الشعبي تحتاج لما هو أكثر وأكبر وأعمق من انتخابات نزيهة تحصل لمرة واحدة فقط، حيث الإجماع والتوافق على مستويات عالية من النزاهة في انتخابات عام 2024 الأخيرة.
الضجة ضد النسور وما كشفه قد لا تكون مبررة إلا في سياق رغبة بعض الساسة في إثارة الجدل وجذب الأضواء أحيانا أو السعي لتصفية حسابات، أو حتى في سياق رغبة قاعدة عريضة من الجمهور في الاسترسال بالتسلية الإلكترونية على حساب طبقة السياسيين والنخبة أو على حساب روايات تنتمي للماضي وتظهر شغف المعلقين الإلكترونيين بالكيدية والتسلية بسمعة السياسيين.
لا يوجد في المشهد عموما من ينكر حصول تدخلات في الانتخابات في الماضي، لا بل في الساحة اليوم من يزعم أن الانتخابات الأخيرة حصل تدخل فيها لصالح التيار الإسلامي.
يعني ذلك أن ملف نزاهة الانتخابات مفتوح على الجدل والنقاش بين الأردنيين في كل الأحوال وإرضاء الجميع أفقيا مهمة صعبة ومعقدة، لكن اللافت أن ما أثاره النسور دفع باتجاه ردود فعل غاضبة وسلسلة لا تنتهي من التعليقات والتقارير.
لا بل دفع باتجاه قرار للإسلامي البارز والوزير السابق الدكتور بسام العموش في الدخول على الخط لإثبات «وجهة نظر ما» حيث سجل العموش فيديو يشهد الله فيه على محادثة جمعته مع النسور عندما كان الثاني نائبا لرئيس الوزراء فاتصل بالعموش مقترحا عليه تجاهل قرار الحركة الإسلامية بمقاطعة الانتخابات والترشح لها.
الإثارة بلغت ذروتها في حديث العموش عندما نقل عن النسور قوله له «المال والنتيجة علينا».
الفكرة التي يريد العموش ايصالها هو أن النسور عندما كان في الوظيفة والقرار تصرف بنفس طريقة الجنرال مع النسور ذاته في موسم انتخابي مختلف.
تلك رسالة يريد ايصالها العموش لكنها أيضا قد لا تكون مهمة جدا لأن مقتضيات الوظيفة والمسؤولية المباشرة التي دفعت باتجاه منع النسور من الترشح قد تكون ذاتها التي دفعت النسور نفسه لعبارة المال والنتيجة علينا، فيما المطلوب لاستعادة مصداقية العملية الانتخابية التأسيس لتجريم قانوني لكل من يحاول التدخل بحكم وظيفته.
الأهم استخلاص العبرة السياسية من الروايتين.
والأساس هنا: التدخل في الانتخابات والمرشحين لها كان تقليدا يعلمه ويعرفه الجميع في مرحلة ما قبل مسار التحديث السياسي، وأن ضبط إيقاعات القدامى من السياسيين وأصحاب الألقاب قد يكون مهما لاستعادة الثقة بمصداقية ونزاهة الانتخابات مستقبلا.
وهو على الأرجح ما يمكن الافتراض أنه يمثل نوايا العموش على الأقل، علما بان النسور على الأرجح كان يروي طرفة ما وليس لهدف محدد وبصيغة لا تستوجب أولا كل الغبار والضجيج.
وتؤشر ثانيا – وهذا الأهم- على أن مهمة استعادة مصداقية العملية الانتخابية صعبة وطويلة وليست سهلة.