اراء و مقالات

الأردن: تحذيرات من «استمرار» الرهان على إسرائيل «التي خسرت المعركة»

لماذا عدم التواصل مع «حماس»؟ متى تحذو عمان حذو موسكو وبكين؟

عمان ـ «القدس العربي»: يعود النقاش التجاذبي والجدل إلى أروقة النخب الأردنية ليس تحت عنوان العلاقة التي أصبحت محرمة رسمياً مع فصائل وأجنحة المقاومة الفلسطينية وخصوصاً حركة «حماس» ولكن عاد التحاور من زاوية وبوابة انخراط الحكومة الأردنية المحتمل في ترتيبات بعض الدول العربية التي تسعى بدورها بناء على سلسلة من التسريبات، إلى حرمان المقاومة الفلسطينية من أي مكاسب سياسية في معادلة غزة إذا ما تطورت الاتصالات والمفاوضات في اتجاه وقف العدوان أو صفقة طويلة الأمد.
ما يحصل في هذا المحور بدأ يثير النقاش ليس في أوساط التيار الإسلامي الأردني ولا حتى في أوساط بعض السياسيين العقلاء الكبار الذين يأخذون على حكومة بلادهم أنه لا مصلحة لها في الانخراط مجدداً في معادلة السلطة وحركة فتح فقط، خصوصاً بعدما تغيرت المعطيات والإعدادات في عمق المجتمع الأردني، وفقاً لملاحظة يقترح نشطاء عديدون من بينهم الإسلامي الدكتور رامي العياصرة، التوقف عندها ملياً واستلهام الدروس منها.
المسألة اليوم، في رأي العياصرة، لم تعد تتعلق بموقف من قيادات أو تيارات سواء كان سياسياً أو أمنياً، بقدر ما تتعلق بسيكولوجيا مخاطبة الشعب الأردني نفسه، وإظهار الاحترام لخياراته واتجاهاته ولو بالحد الأدنى الذي يمنع الاحتقان.
وهنا حصراً، يصر القطب البرلماني خليل عطية وهو يتحدث إلى «القدس العربي» مجدداً على أن واجب الحكومة يتمثل في احترام رغبة ومشاعر واتجاهات الشعب الأردني في التواصل مع المقاومة، لا بل التدخل أيضاً لحمايتها وحماية مكتسباتها على أساس أن مكتسبات المقاومة والشعب الفلسطيني اليوم تصب في مصالح الشعب الأردني بالضرورة.
ما اقترحه العياصرة يقترحه كثيرون بخصوص إضفاء طابع من التنويع السياسي على اتصالات الأردن الرسمية والحكومية بجميع ممثلي الطيف الفلسطيني في الأرض المحتلة، حيث ينبغي للمصالح الأردنية أن تجلس على الطاولة مع الجميع.
ولا يوجد في المقابل، ما يبرر بقاء المقاومة الفلسطينية ـ على حد تعبير القيادي في حركة «حماس» خالد مشعل ـ كورقة سياسية إقليمية في أحضان عدة دول مثل مصر وقطر، بدون أن يبقى الشقيق الأردني خارج هذه المعادلة.

لماذا عدم التواصل مع «حماس»؟ متى تحذو عمان حذو موسكو وبكين؟

وفي رأي المراقبين، فمن غير المنصف ألا تتحدث أو تحتضن عمان المقاومة كما تفعل بكين وموسكو، وإن كان من أجل تعزيز المصالحة الوطنية الحساسية، وهي الصيغة التي اقترحها رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب عندما تحدث لـ «القدس العربي» عن ضرورة ملحة لأن تجلس المقاومة والسلطة معاً، وأن يدعم الأردن التوصل إلى حالة وحدوية لمواجهة العد المركزي.
في كل حال، المحطة المستجدة في نقاشات الأردنيين اليوم هي تأثرهم بما تقوله أوساط المقاومة الفلسطينية عن إعادة التموقع الأردني الرسمي، بمعنى ليس فقط إبقاء الأبواب والنوافذ موصدة في وجه أي اتصال رسمي من أي صنف مع قيادة حركة «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية، بل الإصرار على ذلك، ثم وجود بعض القرائن والأدلة على تقبل الأردن الرسمي لفكرة التفاعل مع مشروع مريب جداً عنوانه منع المقاومة في قطاع غزة من تحقيق مكاسب سياسية، وهو أمر لا يستفيد منه إلا طرف واحد معلوم، هو الجانب الإسرائيلي.
تلك معادلة أشار إليها أيضاً وسطي وليبرالي وخبير اقتصادي هو الدكتور أنور الخفش، عبر «القدس العربي» عندما حذر من تلك السياسة الإجرائية التي تراهن فقط على الجانب الذي يخسر الحرب والمعركة استراتيجياً.
ما يقترحه هنا بجرأة ملموسة هو أن الكاسب الاستراتيجي من معركة طوفان الأقصى هو حركة حماس، ويقولها الخفش بكل وضوح رغم عدم وجود أي علاقة بينه وبين اللون السياسي الإسلامي: حركة حماس كسبت هذه المواجهة والمعركة بالمعنى الاستراتيجي، وإسرائيل خسرتها بالمعنى الاستراتيجي، ومن غير المفهوم في مربع القرار الرسمي الأردني أن ينتعش هؤلاء الذين يدعون إلى التكيف والرهان فقط على الطرف الخاسر.
ما يقوله الخفش وغيره اليوم بجرأة ملحوظة هو أن هذه السياسة ينبغي ألا يتوقع أحد أن تقود إلى نتائج معاكسة لتوقعات الخيبة، لا بل الحسابات الخاطئة.
طبعاً، لا يقدم كل المحذرين في هذا الاتجاه قرائن وأدلة قوية على أن حكومة عمان منخرطة في ترتيبات تفضلها القاهرة أو الإمارات مثلاً، وأغلب التقدير أن المسألة تخضع للتسييس هنا وهناك، لكن القصة لم يعد لها علاقة حصراً بإقفال الأبواب السياسية الرسمية أمام قيادات في حركة «حماس»، حتى إن الشيخ إسماعيل هنية، رئيس الحركة، بدا عاتباً جداً مؤخراً ويشعر بالمرارة لأنه لم يتلق أي اتصال تعزية باستشهاد أولاده وأحفاده السبعة من أي شخصية رسمية أردنية ولو من الباب الإنساني.
وتلك بحد ذاتها طبعاً رسالة، لأن شخصيات رسمية متعددة كانت تتواصل مع إسماعيل هنية وغيره بين الحين والآخر.
مجدداً، وفي الخلاصة، كلفة البقاء في حالة عزلة مع المقاومة شيء، وكلفه التفاعل مع توجهات لمنع مكاسبها شيء آخر تماماً، حتى لو كانت الذريعة هي أوهام عودة الربيع العربي ضد الأنظمة النشطة جداً الآن في سياق الضغط على المقاومة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى