اراء و مقالات

برلمان الأردن يدفع كلفة «الاستعجال»

عمان – «القدس العربي»: تواصلت تداعيات الأزمة التي نتجت عن مشاجرات وجلسات صاخبة في البرلمان الأردني صباح الاثنين حتى فجر الأربعاء، ووسط تفاعلات وأحداث دراماتيكية تتجه في جزء منها إلى مسارات جهوية وإصدار بيانات من أنصار النواب وأقربائهم وبعض تجمعات عشائرهم.
حتى فجر الأربعاء، سهرت كل المواقع الرسمية ودوائر القرار الأردنية في محاولة لتوفير ملاذ أو مخرج للأزمة التي تفجرت وتخللها تبادل اتهامات وشتائم في جلسة الثلاثاء. وتبين الحيثيات التي تم رصدها بعد المشاجرات تحت قبة البرلمان بأن الأزمة نتجت بطبيعتها عن الإصرار المؤسساتي على التسريع بعرض التعديلات الدستورية وإنجازها قبل عطلة نهاية العام. وهو إصرار من جانب الحكومة لا أحد يستطيع تفسيره حتى الآن.
وتبين الحيثيات التي تداولتها اجتماعات لإجراء مصالحات ووساطات بين النواب المتشاجرين بأن اللجنة القانونية في مجلس النواب حرصت فيما ما يبدو على إقرار التعديلات الدستورية قبل نهاية العام وبأسرع وقت ممكن، فيما حرصت رئاسة مجلس النواب ممثلة بالنائب المخضرم عبد الكريم الدغمي، على تحديد جدول أعمال جلسة تبدأ الثلاثاء وتستمر الأربعاء، وتنتهي الخميس في آخر توقيت محتمل.
يبدو أن هذه الترتيبات المتسارعة وضعت أعضاء مجلس النواب بصورة المزاج الحاد وبحالة قوامها الاتجاه السريع نحو تعديلات دستورية جوهرية وعميقة، لا بل استثنائية الأهمية، وتتخذ طابعاً تاريخياً ومفصلياً، ولكن بسقف زمني متسارع وقصير وبثلاثة أيام قد لا تكفي لمناقشة التفاصيل. وبسبب عبء السقف الزمني، دخل النواب لجلسة الثلاثاء أصلاً وهم في مزاج حاد، ولديهم شعور بأن اللجنة القانونية تسارع في تفصيل النصوص وطلب دعمهم لها والتصويت عليها، ولاحظ مراقبون خبثاء بأن عدد أعضاء الجلسة التي انعقدت بلغ 104 أعضاء من أصل 130 نائباً.

رقم لا يكفي

وهو رقم لا يكفي إطلاقاً لتدشين جلسة سريعة، لأن التصويت في نصوص الدستور يحتاج إلى أغلبية الثلثين وعبر المناداة، وهي عملية تصويتية مرهقة جداً وتحتاج إلى وقت كثير، فيما لا يجوز طرح نقاط النظام تحت عنوان إيقاف النقاش عندما يتعلق الأمر بتعديل دستوري، بمعنى أن النائب الذي يريد التحدث ينبغي له أن يتحدث مهما طال الوقت. لذلك اندفع الدغمي لتحديد جلسة الثلاثاء منتصف الأسبوع، مع أن عملية التسريع في إقرار تعديلات دستورية عميقة ومثيرة للانقسام وأدت إلى خلافات وتباينات وتجاذبات لم تكن مبررة لا سياسياً ولا تشريعياً، عملياً.
أخطاء في اختيار العبارات ساهمت في تأزيم وتوتير الأجواء.
تابعت بطبيعة الحال وسائل الإعلام المحلية والخارجية وفي بعض الأحيان العالمية وشبكات التلفزة، الأحداث المؤسفة تحت قبة البرلمان الأردني.
لكن في اللحظة التي انتهت فيها تلك الأحداث، بدأت عملية التوسط وإجراء تسويات أملاً في تجنب خيار وسيناريو حل البرلمان، وثانياً إنجاز المطلوب في العودة لإقرار التعديلات الدستورية، وبالتالي أصبح مجلس النواب الآن في حالة غير مسبوقة قوامها احتقانات جهوية الطابع في كثير من الأحيان، وعدد من النواب مارس اعتداء لفظياً أو جسدياً على زملاء له، وسلسلة طويلة من الحردانين والزعلانين والغاضبين أو الملاحظين على أداء رئيس المجلس وأداء رئيس اللجنة القانونية عبد المنعم العودات.
بمعنى أو بآخر، الأجواء مفخخة تماماً بين النواب بالمستوى الفردي، وفجأة إزاء تلك المشاحنات الحادة اختفى تأثير الكتل البرلمانية، مما قد أطاح بمشروع العودة للاجتماع وتأجيله إلى الأحد المقبل.
لكن الأمر قد ينطوي على مجازفة مجدداً؛ فغالبية النواب وسط انطباع بأن عقد جلسة في سياق الجو المشحون حالياً قد يكون مغامرة جديدة، خصوصاً مع عدم توفر الوقت الكافي لاحتواء التجاذبات والخلافات ولإجراء المصالحات بطابعها الشخصي والبرلماني، وأحياناً الجهوي والعشائري بين النواب المشتبك بعضهم مع بعض.

تعقيدات

وهي مسألة تأخذها السلطات في الحساب، وقد ينتج عنها تعقيدات خارج الحسابات الآنية أو المزيد من الاحتقان، خصوصاً أن قيادة مجلس النواب والوسطاء وضغوطات المؤسسات الرسمية مجتمعة، قد لا تفلح بإزالة الاحتقان والغضب الشخصي بين النواب. وقدمت إلى لجنة السلوك ثماني شكاوى حتى الآن، وذلك أن النواب يحاولون تجنب سيناريو التصعيد مع الدولة عبر الإيحاء بأنهم بصدد اتخاذ إجراءات قانونية في الإطار الداخلي وفي البيت العائلي لسلطة التشريع.
كما وضعت على المحك أيضاً مجمل عملية التعديلات الدستورية، التي تثير أساساً وأصلاً العديد من مؤشرات الاحتقان وحالة استقطاب حادة ونادرة.
لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت قد توفرت بعد ليلة المصارعة، كما سمّتها وسائل الإعلام، والملاكمة تحت قبة البرلمان الأردني، وكيف يمكن للأطراف المختلفة توفير صيغة للتوافق وعودة النواب وإجراء مصالحات خصوصاً في ظل وجود شكاوى.

الحراك الشعبي؟

تحصل تلك المستجدات فيما تبرز مؤشرات لعودة الحراك الشعبي في مدينتين على الأقل قبل يومين من الجمعة المقبلة، حيث بيانات حركية تستثمر في حالة التأزيم والتفخيخ البرلمانية في محافظة المفرق شرقي البلاد، وأيضاً في مدينة السلط غربي العاصمة عمان.
وهو نبأ غير سار للسلطات وسط حالة احتقان اقتصادي اكتملت بحالة تفسخ مؤسسي نادرة -على حد تعبير سياسيين كبار- اعترت المؤسسات، وهي حالة تفسُّخ تجلت في الأحداث الأخيرة يوم الثلاثاء تحت قبة البرلمان. وفي حالة عدم استدراكها واحتوائها وبسرعة، قد تؤدي إلى انتقال فيروس الاحتقان والتفسخ إلى الشرائح الاجتماعية وإلى الواجهات الجهوية والمناطقية وأحياناً العشائرية التي يمثلها النواب المتضاربون.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى