اراء و مقالات

«نيران صديقة» في «التأجيج» والسلطتان في «تلاوم»

عمان – «القدس العربي»: لماذا قرر مجلس النواب توجيه رسالة للقصر الملكي الأردني يتحدث فيها عن موقف لجانه ومكتبه الدائم ومن مجمل الأحداث الأخيرة التي ذهبت باتجاهات حرجة ومنزلقة تحت يافطة الاحتجاج على رفع أسعار المحروقات؟
سؤال سياسي بامتياز تطرحه الرسالة التي وجهها مجلس النواب بعد ظهر الثلاثاء إلى المقام الملكي، وتضمنت التأكيد على الوقوف خلف أجهزة الدولة ضد الإرهاب الأسود وأجنداته. وكان مجلس النواب بطبيعة الحال قد أصدر عدة بيانات وتصريحات، لكن في الرسالة الموجهة للقصر الثلاثاء، أبلغ المجلس مستعملاً عبارة تقول “نأى المجلس بنفسه عن أي ممارسات شعبوية”.
بعد تلك العبارة، استعراض لدور مجلس النواب في مسار النقاش العام، حيث شكلت مع الوزراء لجنة مشتركة للبحث عن مخارج للأزمة تنطلق من الحوار. وأغلب التقدير سياسياً وإعلامياً هنا أن محاولة مجلس النواب استعمال صيغة النأي بالنفس على الطريقة اللبنانية الشهيرة، رد ضمني على تقييمات ما من المرجح أنها جالت في الكواليس على المستوى النخبوي.

لفت النظر

بمعنى آخر، قررت قيادة مجلس النواب لفت النظر إلى أنها ليست معنية بتلك الاتهامات التي تردد بعضها عند النخب وفي الشارع أو حتى عند بعض الأوساط في السلطة التنفيذية، بعنوان دور محتمل لأعضاء في مجلس النواب في صناعة المشهد الذي تأزم مؤخراً وانزلق نحو زوايا أمنية مقلقة لاحقاً، كان لمجلس النواب بصورة ملموسة دور في احتوائها أيضاً.
الانطباع قوي هنا بأن جلسة صاخبة لمجلس النواب الأردني هي الوحيدة التي انعقدت قبل نحو أسبوعين على الأقل في معيار الاستفهام الحكومي العميق، متهمة ضمناً بتأزيم ملف أسعار المحروقات. وهي جلسة مشهودة تقول مصادر برلمانية إن المجال فتح فيها لقصف الحكومة وانتقادها بشدة خارج جدول الأعمال المقرر لها، وسط حالة صدمة ومفاجأة لأوساط مجلس الوزراء آنذاك، وبعد اتفاق ضمني على ألّا يناقش ملف أسعار المحروقات على الأقل في تلك الجلسة، تفاعلاً مع أجندة مواقيت حكومية لها علاقة بمفاوضات مع البنك الدولي وبأولويات اقتصادية ومالية.
في تلك الجلسة الصاخبة، خطب بعض النواب بقسوة ضد الحكومة طوال 4 ساعات، وتحدث نحو 51 نائباً في إطار اتهامي للسلطة التنفيذية، ممارسين حقهم بالتأكيد، ووسط دهشة الوزراء المعنيين، والانطباع تشكل خارج البرلمان هنا بأن قصف النواب العشوائي في تلك الجلسة قد يكون ساهم في تأطير وتأجيج احتجاجات كانت بسيطة ويمكن احتواؤها مبكراً لسائقي قطاع النقل والشاحنات قبل تدحرج الأزمة المعروفة وتحولها إلى أزمة أمنية.
ليس سراً أن الحكومة تحتفظ بذاكرة سيئة وسلبية عن دور بعض النواب في تحفيز الحراك والاحتجاج. وليس سراً أن ذلك قيل خلف ستارة المؤسسات السيادية. وليس سراً أيضاً أن فكرة النواب كانت استعادة جزء من هيبة مجلسهم عبر التفريغ السيكولوجي والإعلامي وإظهار بعض المواقف الشعبية دون تقصد تدحرج الأزمة شعبياً ودون تقصد إحراج الحكومة أصلاً. لكن الحكومة لا يبدو أنها مقتنعة بتبريرات النواب هنا.
وليس سراً بالتوازي، أن بعض الأوساط في الحكومة طرحت أسئلة حرجة عن خلفيات التحريك وبعض المداخلات الغرائزية للنواب في جلسة يبدو أن لها دوراً ولو ضمنياً أو بسيطاً في مسار الأحداث، وشهدت ما سمّاه أحد المخضرمين بنيران صديقة، أطلقت من عناصر نيابية محسوبة على الولاء، لكن تلقفها حراكيون في الشارع بقسوة وبطريقة تأجيجية.

تساؤلات الحكومة

طرحت الحكومة تساؤلات في هذا المضمار، ورسالة النواب للملك تقول ضمنياً بأنها لم تحصل على الإجابات، كما تقول بأن العلاقة بين السلطتين تأثرت سلباً فيما يبدو في توقيت حساس، بإطلاق مداخلات حادة جداً واتهامية ضد الحكومة التي تستطيع بدورها اليوم الادعاء بأن كثافة النيران الصديقة هنا كانت جرعتها أكبر مما ينبغي، وساهمت في تأجيج الاحتقان وتلقفتها جهات حراكية واستثمرت فيها بقصد أو من دونه. ثمة من يقول اليوم داخل مطبخ الحكومة بأن الحاجة لم تكن ضرورية لإطلاق نيران صديقة أصلاً، وبأن الحكومة جاهزة وفوراً للاستقالة ودون استعراضات ميكروفونات النواب أو مذكرات حجب الثقة التي ظهرت ثم اختفت خلال ساعات فجر الجمعة الماضية، وبصيغة توحي بأن تجاذباً وخلافاً ما بين السلطتين وصلت فعالياته إلى مركز صناعة القرار، وتطلب بالنتيجة استدراك مجلس النواب وإعلانه النأي بنفسه عن الشعبويات حتى لا يساء تفسير سلوك النواب، ولا تستثمر بما قالوه أو فعلوه أوساط حكومية تتهم.
تلك على الأرجح هي خلفية رسالة النواب للملك عبد الله الثاني، بعنوان “النأي بالنفس عن الشعبويات”. لكن رسالة الحكومة مقابلها قيلت خلف الستائر والكواليس على الأرجح، والمطلوب في ظل الاستعداد التوقيتي الآن لمناقشة مشروع الميزانية والمضي قدماً نحو استعادة ولو جزء من التعافي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تجاوز مخلفات وتداعيات جلسة النيران الصديقة الشهيرة ودون ضمانات بأن ينجح الأمر.
تعكس رسالة نأي النفس أزمة صامتة بين السلطتين، والنواب يحاولون استباق مساحة الاتهام بشرح وتوضيح موقفهم، فيما تبتلع الحكومة التفاصيل وتعيد تفريغها بصمت شديد داخل مطبخ القرار، متجنبة الاشتباك مع النواب أو غيرهم.
لكن ذلك يعكس واقعين أساسيين الآن، وهما: أولاً، الكيمياء اختفت بالقطعة والتقسيط فجأة بين السلطتين والأسباب مجهولة. وثانياً، أن غياب تلك الكيمياء ساهم في تأجيج أزمة الإضراب الذي ذهب باتجاه أحداث دموية أمنياً لاحقاً.
والخلاصة هنا أن جرعة التحريك في مؤسسات الدولة والسلطة هي التي لم تكن محسوبة بدقة، مما استدعى أو قد يستدعي حالة تلاوم ما لاحقاً قد لا تحسمها، على الرغم من ميل كل الأطراف للهدوء الآن إلا صافرة مرجعية تعيد ترتيب الأوراق على أساس فكرة “خطوة – تنظيم”، وعلى الطريقة العسكرية إن كان ذلك متاحاً أصلاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading