الأردن: نقابات ونخب وكتل في البرلمان تعترض على «حل البلديات وإقصاء المنتخبين»
الوزير المختص: حلها جزء من مسارات «التحديث السياسي»

عمان ـ «القدس العربي»: «احتواء الجدل» حصراً هو ما يسعى إليه الوزير المختص بشؤون الإدارة المحلية في مجلس الوزراء الأردني وليد المصري، بواسطة الظهور المتكرر إعلامياً وسط ضجيج أعقب قرار حل البلديات على أمل تخفيف حدة «ردود فعل الشارع». مال الوزير المصري خلال 4 أيام فقط، إلى التقدم بـ «تطمينات» عنوانها الأبرز أن قرارات حل البلديات جزء من خطة الالتزام بمسارات التحديث السياسي، مع أن الانطباع العام مخالف لذلك.
وانتقل الوزير عندما تعلق الأمر بجزئية «تعيين رؤساء البلديات الكبرى»، من صيغة «الحكومة لم تقرر بعد» قبل نحو 3 أسابيع إلى صيغة تقول «الحكومة تميل إلى انتخاب هؤلاء بدلاً من تعيينهم».
أغلب التقدير أن الصيغة الثانية مردها أن مسألة «استبدال الانتخاب بالتعيين في بلديات كبرى» قد لا تعبر مرجعياً، ما دفع مطبخ الحكومة لإعادة حساباتها قليلاً.
وشملت تطمينات المصري، الذي وجد نفسه وسط عاصفة جدل، عملياً، أمام التزام جديد يرجح إجراء الانتخابات البلدية الصيف المقبل، مع أن إجراءات الحكومة الأخيرة بددت الانطباعات بأن تلك الانتخابات ستجري.
الأهم أن الوزير عاد ليشرح عبر فضائية المملكة بأن المسار البلدي المقرر قد لا ينتهي بإنهاء تجربة «اللامركزية ومجالس المحافظات» دون أن يبلغ الرأي العام كيف ومتى ولماذا؟ والأكثر أهمية دون إيضاح سبب حل تلك المجالس ما دامت ستبقى.
الاستفسار الجوهري
وهو ذاته الاستفسار الجوهري الذي تميزت به مذكرة تقدم بها القطب البرلماني خميس عطية، باسم كتلة حزبي «إرادة» و«الوطني الإسلامي» في جملة اعتراضية على الأسباب الموجبة غير المقنعة لإجراءات الحكومة الأخيرة، علماً بأن عطية أبلغ «القدس العربي» بأن المشهد برمته لم يكن واضحاً، وبأن الإنصاف في توفير فرص متساوية للجميع في الانتخابات البلدية المقبلة هو الجوهر.
مذكرة عطية سبقت الجميع في التعبير عن علامات الاستغراب. والأسئلة المقلقة، وأهمها سبب تغييب مجالس منتخبة، تمثل إرادة المواطنين قبل إنضاج قانون الإدارة المحلية الجديد، واعتبر عطية أن الخطوة إلى الوراء في الإصلاح السياسي والإداري.
واضح أن الوزير المصري قيد الضغط، وكل الآراء النقدية الحادة تنشر حالياً مع صورته، رغم أن رئيس الدكتور جعفر حسان يميل إلى تصنيفه بأنه الوزير الأكثر إرهاقاً وانغماساً في ملفات وزارته، ما يوحي ضمناً بأن كل ما يصدر عن وزارة الحكم المحلي من تصورات ورؤى وقرارات، إنما تمثل الحكومة ورئيسها ومجلس الوزراء في الواقع، وليس الوزير المصري الذي يتعرض الآن لقصف عنيف ولا تساعده بقية مؤسسات الحكومة المتضامنة.
الوزير المختص: حلها جزء من مسارات «التحديث السياسي»
وفي الواقع، تراوحت ردود الفعل على قرار «حل البلديات» بين «تساؤلات وملاحظات» إلى «استنكارات وموجات غضب»، أعقبت حصراً ليس قرار حل البلديات بل «تشكيلات اللجان» التي قرر المصري تعيينها من دون «معايير واضحة».
كل اعتبارات «المحاصصة» التي ولد مسار التحديث السياسي أصلاً لإخراجها من المعادلة روعيت في اختيارات اللجان التي ستحظى على المستوى الفردي بـ «مقاعد مجانية» في مجالس البلديات لفترة قد تطول عن عام كامل، ما يعني امتيازات ومكاسب يمكن توظيفها بصورة غير عادلة في أول انتخابات بلدية مقبلة.
عملياً، ضربت معادلة البلديات الحكومية الأخيرة العديد من الأطر القيمية والمستقرة، وأهمها أنها ساهمت في التشكيك بالتزامات التحديث السياسي وتحاول الإعلاء من شأن منهجية «التعيين» على حساب «حقوق التمثيل الانتخابي». وفي الأثناء، تسببت بموجة أسئلة سياسية مرتابة: هل يوجد في نوايا الحكومة ما لم يعلن؟ هل كان حل البلديات على هذا النحو بعد مزاعم «تنفيذ حوارات» لم يعلم بها الرأي العام، خلفيته سياسية؟ هل ترتبط المسألة بأجندة إقصاء الإسلاميين؟ هل تقود الترتيبات في حيثياتها الغامضة مجدداً إلى مشروع «الأقاليم» الشهير؟ وماذا عن مسائل مفترضة مرتبطة بالإقليم قادمة وفي الطريق؟
بعض تلك الأسئلة «ظالمة»، وقد تكون خارج النص والسيناريو الحكومي، لكن كلها أسئلة مطروحة وتملك شرعية الطرح ثم النقاش بسبب إما «ضعف أو تأخر» شروحات الحكومة، والأهم بسبب عدم إعلان أي معايير اعتمدتها الحكومة وهي «تنتقي وتختار» أعضاء لجان يتولون المجالس التي تم حلها.
قبل الغرق في التكهنات، يمكن التأشير على أن المشهد الاجتماعي والسياسي عموماً بقي متقبلاً لخطة الحكومة في الملف البلدي، لكن تركيبة الأشخاص الذين اختيروا في عضوية لجان ما بعد حل مجالس منتخبة هي التي أثارت الارتياب وسلطت حجماً إضافياً من الأضواء على «وزير محدد» في الحكومة وبطريقة غير عادلة.
«استحالة إرضاء الجميع»
هنا حصراً، هوجمت الخطة ووزيرها بقسوة في غضون 48 ساعة؛ لأن المحاصصة كانت معياراً مستقلاً، لكنه يصطدم دوماً بمعادلة «استحالة إرضاء الجميع».
نقيب الصحافيين طارق المومني، كان أول من انتقد تشكيلات الوزير المصري علناً، لأنها «أقصت» النقابة والجسم الصحافي.
لاحقاً، عضو البرلمان الأسبق محمود طيطي، هاجم أيضاً التشكيلات لأنها نتجت عن تجاهل واضح لتهميش فئات فاعلة في المجتمع الأردني.. سأل الطيطي: تقصير أم تمييز؟
سؤال الطيطي المنقول عبر صحيفة الشريط الإلكترونية، وحده كفيل ليوحي بأن تعيينات المصري أسست للانطباع بأن أحد المكونات الاجتماعية الكبرى في المملكة تم تجاهلها؛ لأن الوزير الأسبق صبري اربيحات كتب يتساءل عن الحكمة من قول الوزير بأن رؤساء البلديات الذين تم تعيينهم تقرر أن يكونوا من خارج مجتمعاتها.
وفي الواقع، هوجمت تعيينات البلديات بغلاظة على منصات التواصل، وخلت من الألوان الحزبية، وهوجمت عبر وسائل الإعلام، فيما ينتظر الجميع كلمة بعض المذكرات البرلمانية في سياق ملف فتحته الحكومة، لكن يصعب عليها إغلاقه بسبب الإصرار البيروقراطي على أن «الشعب لا يعرف مصلحته»، والحكومة أدرى بتلك المصالح ولديها سلطة اختيار من تريد في عضوية لجان تدير مواقع تعتبر، اجتماعياً، الجسر الأساسي ليس فقط نحو انتخابات البلديات، بل نحو المقاعد ألبرلمانية أيضاً.
المعنى هنا أن الحكومة تقرر التدخل المباشر في «خيارات الأردنيين» وتمارس الوصاية عليها، لا بل تحدد لهم بقرارات وإجراءات تبدو «بريئة وإدارية فقط» من هم القادة والمفاتيح والزعماء لاحقاً، فيما مسار التحديث السياسي لا يقول إطلاقاً بكل ذلك، ولا الأدبيات الديمقراطية.