اراء و مقالات

الأردن: في انتظار الخطوة التالية والتوقعات حمالة أوجه

الفارق بين معارضين خارجيين يثيرون زوبعة من المتابعة والرهانات وبين معارضين داخليين علنيين أجندتهم فقط الإصلاح، هو فارق يحتاج للتأمل السياسي الآن.

عمان-»القدس العربي»: طبيعي الافتراض بأن الكشف عن تفاصيل الفتة الأمنية الأخيرة في الأردن ستكون له تداعيات سياسية ووطنية مهمة ومثيرة وعلى أكثر من صعيد.
وطبيعي الافتراض أيضا بأن الانتهاء من مرحلة التحقيق الأمني ثم القضائي لا بد ان تعقبها عملية سياسية يأمل السياسي والمراقب الناشط مروان الفاعوري بان تكون إصلاحية في هذه المرة وتدفع باتجاه تغيير قواعد الاشتباك واللعب وبصورة تعيد تنميط العلاقة بين الدولة والمواطنين.
ما يؤشر عليه الفاعوري وهو يتحدث مع «القدس العربي» بحضور بعض الشخصيات مجددا يبقى في المجال الحيوي للافتراض، حيث أنه لا أحد بعد استيعاب مرحلة الصدمة والألم وما سمي بوأد الفتنة في مستوى النخب الرسمية يتحدث للأردنيين اليوم عن تلك الدروس التي تم هضمها حتى الآن.
الجميع في عمان بهذا المعنى يسأل عن الخطوة التالية وما الذي ينبغي ان يحصل أو يتفاعل وعلى أي أساس.
لكن التوقعات أيضا حمالة أوجه، فالدولة من القمة للقاعدة عبرت عن الصدمة، ونتائج التحقيق في النيابة ستؤدي إلى مفاجآت من العيار الثقيل على الأرجح وإن كان مستوى التحكم والسيطرة يحتاج مجددا لعملية ضبط إعدادات دقيقة.
لسبب أو لآخر الفارق بين معارضين خارجيين ينشرون كل أنواع الغسيل والتضليل ويثيرون زوبعة من المتابعة والرهانات وبين معارضين داخليين علنيين أجندتهم فقط الإصلاح هو فارق يحتاج للتأمل السياسي الآن.
يرحب رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات وعلى هامش تواصل مع «القدس العربي» بما يسميه الاحتواء والصلابة ويحاول زرع الثقة عبر تفعيل دور مجلس النواب.
لكن هل يكفي ذلك؟
في هوامش الفارق نفسه تساؤلات من النوع المتدحرج تحاول رصد كيفية تعامل أكبر جماعة سياسية معارضة ومتمكنة في البلاد تمثل الحركة الإسلامية التي لجأت إلى تفعيل ماكينة المراقبة بعد الأحداث الأخيرة والإعلان عن الفتنة ولم تصدر عنها ولو كلمة واحدة يمكن ان تفسر في سياق الانتهازية السياسية لا بل خطاب يكرر التحذير ويطالب بوحدة المجتمع والدولة ويدعم المؤسسة الملكية ويساهم في استقرار خريطة الحزبية.
لسبب أو لآخر يحب كثيرون الاسترسال في المزاودة على الإخوان المسلمين تحديدا. وقد فعل ذلك مؤخرا رئيس الديوان الملكي الأسبق فايز طراونة خلال إطلالة متلفزة للدفاع عن الدولة خلال الفتنة.
لكن في المنعطفات وأوقات المحن والفتن لجأ الإسلاميون إلى خطاب مقتضب متوازن يتمسك بالجملة الإصلاحية.
يميل الفاعوري وآخرون إلى تأمل هذه المفارقات وينصح بالعودة إلى نسيج المجتمع ووقف التأزيم مع أبناء البلد من أصحاب الرأي الوطني المستقل سواء كانوا إسلاميين أو غير ذلك كخطوة نشطة لاستعادة التعافي بعد الصدمة إياها.
يمكن هنا وببساطة استذكار ذلك المشهد الذي شوهد فيه قادة الحركة الإخوانية في موجة أو بعد موجة الربيع العربي الأولى في حالة تواصل ودية مع القصر الملكي وأركانه.
ويمكن استعادة ذلك المشهد الترحيبي الحار بقيادي إسلامي معتدل هو الشيخ حمزة منصور تحديدا وسط أجواء انفتاحية ومرنة بدأت مع مداعبة ربطة عنقه آنذاك ثم معانقته ورفاقه قياسا بالمشهد الحالي حيث عدد ممن تنطبق عليهم صفة «الابن الضال» من موظفي وأبناء الدولة سابقا الذين تحولوا إلى ميكروفونات معارضة في الخارج تبث بصفة يومية ضد الدولة والنظام وبصيغة يتابعها عشرات الآلاف من الفضوليين في الداخل.
أي نوع من المعارضة تختار الأجهزة الرسمية التعاطي معه في المرحلة اللاحقة وسط تلك التفاعلات النشطة؟
في إطار التداعيات المتدحرجة ينبغي ان تجيب المؤسسة على مثل هذا السؤال الآن خصوصا وان البنية التقليدية وحصريا العشائرية التي تعتبر نواة وصلب الدولة والنظام «تتصدع» في بعض المناطق الآن لا بل تترنح في أماكن أخرى.
المفارقة الأهم هنا أوضح من أي امكانية لإنكارها بعد الأحداث الأخيرة، فمن خسروا الانتخابات التي تهندست مؤخرا غاضبون وليسوا مع السلطة ومن فازوا فيها مطعون بمستقبلهم السياسي وامكاناتهم بسيطة ولا أحد يتوقع منهم دورا كبيرا في الدفاع عن خيارات الدولة الآن على الأقل.
في المقابل 6 فقط من المسؤولين السابقين استهلكتهم الكاميرات وهم يكررون الكلام عن كلاسيكيات الولاء ولم تظهر في منابر الإعلام الرسمي أبدا أي نخب جديدة مقنعة أو محترفة تتولى الدفاع عن الرواية الحكومية للأحداث، فيما غاب الحرس القديم أو الديناصورات كما وصفتهم الصحافة سابقا وتعامل عدد كبير من رجال الدولة والمثقفين الحردانين مع مسار الأحداث على قاعدة «عرس عند الجيران».
كل ذلك ينبغي ان يعني شيئا وفي حالة عدم تأمله والتوقف عنده يمكن التنبؤ بمجموعة فتن ومحطات انفلات لاحقا.
ربطة عنق الشيخ حمزة منصور متاحة بالمعنى السياسي الرمزي طبعا لمن يريدون علاجا للمشهد الداخلي، أما مسألة الابن الضال في الخارج فتلك تبقى مجرد تفصيلة سكتت السلطات عنها عدة سنوات لأسباب تبدو غامضة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى