الجيش والأمن في أعلى هرم «ثقة الأردنيين»: هل تستعيد «وزارة حسان» بالتدريج رضى الرأي العام؟

عمان- «القدس العربي»: زار رئيس مجلس الوزراء الأردني الدكتور جعفر حسان، بصورة مفاجئة، أحد المستشفيات العامة في مدينة مأدبا جنوبي العاصمة عمان، ثم شوهد في مدرسة في ذات المنطقة ضمن وصلاته وجولاته الميدانية، في الوقت الذي أعلن فيه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أرقام استطلاعه الجديد عن الحكومة، ومقدار الرضا الشعبي عنها.
واحدة من أهم ما تقوله أرقام الاستطلاع هي تلك الجزئية التي تشير إلى ارتفاع من 65 % بعد 100 يوم على تشكيل الحكومة إلى 74 % بنسبة المواطنين الذين يتصورون بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، في الوقت الذي شمل فيه الاستطلاع سؤالاً خاصاً بالمؤسستين العسكرية والأمنية، عبر فيه 99 % من المشاركين في العينة الوطنية عن ثقتهم بالمؤسستين عموماً، بما يفوق نسبة الثقة التي حظيت بها الحكومة.
الانطباع في منطقة قريبة من رئاسة الوزراء هو ذلك الذي يشير إلى أن ارتفاع نسبة الرضا العام عن الحكومة بالقرب من مرور 9 أشهر على تشكيلها قد يكون سببه المباشر سلسلة إجراءات اقتصادية وإدارية الطابع اتخذتها في الملف الاقتصادي تحديداً والبيروقراطي، خلافاً لتركيز الحكومة ورئيسها على ما يسميه الدكتور حسان بالعمل الميداني.
يراهن المقربون من رئيس الوزراء على أن الزيارات الميدانية المفاجئة التي تتم غالباً في الصباح الباكر، هي الأساس في توفير الغطاء المرجعي في دعم الحكومة، وأيضاً في ارتفاع نسبة الرضا الشعبي عن أدائها.
لا توجد في الواقع أداة محددة لقياس مثل هذه المقاربة، لكن الفكرة التي يراها رئيس الحكومة أساسية في التباين العام، تبدو مرتبطة بسيناريو الزيارات الميدانية.
وبصرف النظر عن الجانب الدعائي والشعبي بسبب ترتيبات الزيارات الميدانية، يمكن القول إنها جوهر أداء الحكومة برمتها، مع أن وزراء حكومة حسان إلى حد ملموس لا يقلدونه في مربع ومساحة العمل الميداني.
سمعت «القدس العربي» مباشرة من بعض الوزراء شكوى وتذمراً من ضعف إنتاجية التركيز على العمل الميداني بسبب الإرهاق الذي تشكله لوزراء وأصحاب قرار لا يملكون النفقات المالية المطلوبة للالتزام بما يضطر رئيس الحكومة للوعد به أثناء التواصل الميداني المباشر مع الجمهور ومع موظفي القطاع العام.
أثناء الاشتباك في الميدان، تصدر إشارات بتوسعة مشاريع أو مستشفيات أو بإعداد المزيد من صفوف المدارس. ولأغراض الحفاظ على صورة الحكومة لدى الرأي العام، تنتهي الزيارات الميدانية بإطلاق المزيد من الوعود، برأي بعض الوزراء المخضرمين، ومن الصنف الذي يمكن القول بأن تنفيذه صعب جداً أو معقد، وأحياناً غير ممكن.
وجهة نظر بعض وزراء الخدمات أن العمل الميداني مفيد أكثر عندما تعالج المشكلة الرئيسية والأساسية، وهي توفير التمويل للاتجاهات والمشاريع التي تنتج عن العمل المباشر في الميدان.
بعض الوزراء يشعرون عموماً بعدم الارتياح للجانب الدعائي والإعلامي في جزئية الزيارات الميدانية، ليس فقط بسبب عدم وجود ما يكفي من ميزانيات مالية، بل لأن تلك الزيارات تظهر الوزراء والأمناء العامين أحياناً في مستوى «التقصير»، أو أنهم لا يسيرون في رعاية ملفاتهم ومؤسساتهم المحلية في الأطراف بنفس السرعة النشطة لرئيس الوزراء، الذي يعتبر بدوره زاهداً كبيراً ليس في أضواء الإعلام فقط، ولكن في التحدث عن القضايا والملفات السياسية الكبيرة.
لاحظ أعضاء بارزون في البرلمان مؤخراً، أن المواجهة القانونية والوطنية مع التيارات الإسلامية ترك فيها الميكروفون لمجلس النواب وتغيبت الحكومة.
وإعتبر النائب النشط عبد الناصر الخصاونة، أن النواب يراقبون المشهد، مشيراً في نقاش مع «القدس العربي» إلى أن الحكومة ينبغي أن تنتبه أكثر لبعض العناصر في المشهد السياسي العام.
وفي رأي رموز ورواد في القطاع الخاص تحديداً، لا تحظى الزيارات الميدانية التي يقوم بها رئيس الوزراء، بالتقدير اللازم بعد؛ لأن تعديل بعض التعليمات الإدارية هنا وهناك والتركيز على زيارات ميدانية، هي عناصر -في رأي بعض كبار لاعبي القطاع الخاص- إعلامية في المقام الأول، ولا تعالج جوهر المشكلات، مثل العبء الضريبي المتزايد، وانعكاس تقلبات التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، وأيضاً مثل شذوذ بعض الوزارات عن الخط والاتجاه الاقتصادي المعلن من الحكومة، خلافاً لمشكلات شحن ولوجستيات النقل وتحديداً المائية، والتداعيات التي تجري في العراق ولبنان وسوريا.
وبالرغم من تحفظات عدد قليل من الوزراء وبعض لاعبي القطاع الخاص على تخصيص مساحة كبيرة وقتياً لما يسمى بالعمل الميداني، فإن الأوساط المقربة من رئاسة الوزراء ترى القيمة المضافة التي تنجزها الحكومة الحالية وسط استعصاء بعض الملفات لأسباب سياسية وإقليمية خارجة عن إرادة البلاد، تتمحور وتنحصر في استعادة ثقة المواطن بالحد الأدنى في القطاع العام وخدماته.
وجهة النظر تلك هي التي تحكم المطبخ الاقتصادي في حكومة حسان، ويتحمس لها رئيسها. لكن الحكومة تعلم مسبقاً بأن إرضاء الجميع عملياً مهمة لن تكتمل ولا يمكن إنجازها، ما يدفع رئيس الوزراء للرد على عواصف الإصرار على وجود تعديل وزاري بتسريب هنا أو هناك، ينفي التذكير بالتعديل الوزاري لا بل لا يقر في هذه المرحلة على الأقل بالحاجة إليه رغم كل عملية التنظير التي تحاول إلزام حسان بالتعاطي مع استحقاق تعديل وزاري.