«7 أكتوبر إقليمي» هذه المرة… «الوصي» الأردني يطلق «التحذير الأشد» مع اقتراب رمضان
هل يُمنع المسلمون من الصلاة في «الأقصى» خلال الشهر الكريم؟
عمان ـ «القدس العربي»: ثنائية شهر رمضان الوشيك والمسجد الأقصى أو شهر رمضان والوصاية الأردنية على الأوقاف والمقدسات، تطرق الأبواب بقوة هذه الأيام، في وقت تحاول فيه وزارة الأوقاف الأردنية الانشغال بترتيبات موسمية معتادة.
ما يرشح من القدس يؤشر إلى أن أزمة حادة جداً قد تكون في طريقها مجدداً بين عمان وتل أبيب، وفكرتها أن كل الترتيبات التي يناقشها الفرقاء الإسرائيليون اليوم بخصوص ترتيبات شهر رمضان في الحرم المقدسي الشريف تتم أولاً بدون أي تشاور من أي صنف مع طاقم الأوقاف الأردني. وثانياً، بات واضحاً للأردنيين بأن هذه الترتيبات الإسرائيلية مرفوضة جملة وتفصيلاً، حتى في الجزء الذي يحاول الادعاء بمرونته واعتداله وفقاً لما لاحظه مبكراً القطب البرلماني خليل عطية، وهو يجدد عبر «القدس العربي» مطالبة الحكومة بالانتباه والحذر والتصرف والاشتباك دفاعاً عن عروبة القدس.
ما يطرحه الآن في السياق خصم الأردن الأبرز والأول في هرم حكومة تل أبيب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ليس مرفوضاً فقط بالمواصفة الأردنية، بل هو اختراق أساسي إذا ما طبقه بمنع أبناء الضفة الغربية من الصلاة في المسجد الأقصى في شهر رمضان ينسف حتى بقايا منظومة الاتصال بين عمان وتل أبيب، وإن كان تحت عنوان المساعدات لأهالي قطاع غزة.
بوادر أزمة جديدة
بوصلة بن غفير تتجه لافتعال أزمة جديدة تتراكم على أزمات أخرى. لكن عنوانها هذه المرة استفزاز جديد إلى درجة غير معقولة ومضمونه، ومحتواه دوماً تهديد الوصاية الأردنية، لا بل صناعة أزمة دينية الطابع، الأمر الذي حذرت منه الخارجية الأردنية مؤخراً في كل اتصالاتها، مع التركيز على أن تصعيد بن غفير المتوقع عشية رمضان في القدس مساس بثابت أردني من 3 ثوابت صنفت علناً بالخط الأحمر، وبالتأكيد درب نحو المزيد من التأزيم وتوسع الصراع حتى بمعناه العسكري.
هل يُمنع المسلمون من الصلاة في «الأقصى» خلال الشهر الكريم؟
لذلك، يقرن الأردنيون اليوم في أدبياتهم وخطاباتهم كل الإطار الدبلوماسي المتحرك باعتبارات قرب حلول شهر رمضان، وقد كان الملك عبد الله الثاني شخصياً واضحاً في هذا الأمر على هامش جولته الأخيرة للولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وكان وزير الخارجية أيمن الصفدي، يسترسل أيضاً في التحذير فيما قيل للأوروبيين والأمريكيين خلف الستار، بأن المساس بالمسجد الأقصى ومنع حقوق الصلاة فيه وزيارته هو الجوهر الذي استخدمته كتائب المقاومة الفلسطينية في تبرير ما حصل يوم 7 أكتوبر، وعلى المسؤولين الغربيين الاستنتاج ما الذي تعنيه، بعدما حصل في غزة، إعادة عقارب الساعة الإسرائيلية إلى المربع الأول، لكن مع حراك ديني إقليمي.
ليس سراً أن ما يخشاه الأردن إجراءات تعسفية في القدس والمسجد الأقصى عشية شهر رمضان تلهب المشاعر الدينية عند المسلمين، وتعيد التذكير بأن الشوارع العربية والإسلامية في التداعيات ستسهر يومياً في الشوارع إذا ما سمح لليمين الإسرائيلي بمنع المسلمين من أداء الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، خلافاً لأن القراءة الأردنية تشير إلى أن ما يخطط لفعله بن غفير وزمرته سيعزز القوى المتطرفة في المنطقة ويضع ذخيرة ما بين يدي ما يسمى محور المقاومة والإيرانية منها في الصدارة.
لا أحد يعلم بعد ما إذا كانت تحذيرات الكواليس الأردنية تؤتي ثمارها، فالانطباع في غرفة القرار الأردنية العميقة حتى اللحظة هو ذلك الذي يشير إلى الرئيس جو بايدن، وهو اللاعب الرئيسي في المشهد «لم يعد يسمع» وأن من حوله ومن في الكونغرس خارج التأثير والتغطية، خوفاً من تأثير نتنياهو ورفاقه في اليمين على مسار الانتخابات الرئاسية.
في المقابل، واضح للمؤسسة الأردنية بأنها لا تستطيع التعايش ولا التكيف في ظل أحداث غزة والإقليم لأسباب أمنية وليس سياسية فقط، مع أي ترتيب في المسجد الأقصى يمنع الصلاة فيه في شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يعني أن الأردن يرفض وسيرفض ليس فقط وصفة بن غفير، ولكن أيضاً تلك الوصفة التي تريد تقمص ثوب الاعتدال من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وهي تقترح منع المواطنين الفلسطينيين دون سن 45 عاماً من الصلاة في الأقصى في رمضان. وكلاهما مرفوض أردنياً، وبالنسبة لعمان فالأجهزة الأمنية الإسرائيلية وهي تحاول تأسيس مقاربة أقل تطرفاً من مواصفة بن غفير، تذهب في مسار عدائي جداً يمس بأحد أبرز الخطوط الحمراء.
التحدي… كبير
يعكس المزاج الأردني اليوم حالة شديدة من اليقين بالعبث الإسرائيلي، لأن عمان لم تعد تثق بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية ومقترحاتها، بل باتت تشعر بصفة عامة بأن وزراء اليمين المتطرف الذين وصفهم رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب بـ «بلطجية حكام تل أبيب» يلتهمون يومياً بقايا الدولة العميقة في الكيان خلافاً لأن بعض المستويات في عمان لا تريد أن تشتري الرواية التي تقول بأن حكومة نتنياهو المنتخبة تسيطر حقاً وفعلاً على المنظومتين العسكرية والأمنية؛ لأن تلك مصيبة تقوض مفاهيم الشراكة الثنائية التي تمترست منذ أكثر من 30 عاماً. بهذا المعنى، وحتى وفقاً لما سمعته «القدس العربي» من أبو الراغب وغيره من كبار الساسة، فالتحدي كبير.
وبالمعنى نفسه، يمكن القول إن ما تفرضه وصفات الإسرائيليين اليوم بخصوص المسجد الأقصى وترتيبات رمضان يعيد تذكير دوائر القرار الأردنية بصفة إجرائية وعملية الآن بأن الاسترسال في إدارة توازنات مع الإسرائيليين من أجل الحفاظ على بعض المصالح مثل لوجستيات المساعدات ومنع التهجير والتنظير له وأيضاً مثل ضمان استمرار واردات الغاز، قد لا يكون منتجاً أو مفيداً في النهاية إذا ما أصر اليمين الإسرائيلي على التسبب بجرح عميق للدور الأردني في القدس، وصناعة أزمة دينية جديدة عشية شهر رمضان المبارك.
بالمنطق السياسي الفيزيائي، يلمح بعض الموظفين الأردنيين إلى أن يد الوصاية والأوقاف يغفل الإسرائيلي أنها يمكن أن تشتبك بمعادلة مختلفة حصراً مع المناخ المقاوم لحراك نضالي عند شباب القدس عندما يتعلق الأمر بالحرم والمسجد الأقصى، في وصفة لم تجربها بعد لا إسرائيل ولا جدران العلاقة الأردنية – الإسرائيلية أو ما تبقى منها.