أصبع ترامب في «السمن الأردني» … هل يتهم «المنسف» بمعاداة السامية؟ وآخر «صرعة»: قصف اليمن بأموال مصر

الرئيس ما غيره دونالد ترامب «ارتاح قليلا» ولم يعد عاتبا أو غاضبا على الحكومة الأردنية، فجأة على طريقة «أبو عنتر» أيام بدايات مسلسل «صح النوم» في عهد المقولة التلفزيونية القديمة.. «هنا دمشق».
ترامب استثنى الأردن على نحو مفاجئ من قرار «تخفيض المساعدات».
المعلومة أوردتها فضائية «الجزيرة» في عمق تقريرها الإخباري، وأشارت لها محطة «سي إن إن» بوضوح، دون أن نعرف كمتلقين سلبيين المستجد أو ما حصل حتى ظلل ترامب شعبنا الصامد بحكمته المتأخرة.
في كل حال هو نبأ سعيد للأردنيين وقرار طيب، لكن عمقه خبيث، ولا يعني أن نترك مسارا أبلغنا به قبل شهرين رئيس الوزراء عبر شاشة تلفزيون الحكومة عندما قال «بدأنا بوضع خطة شاملة للاعتماد على النفس وتجاوز مسألة المساعدات».
وقتها لم يطلعنا تلفزيون الحكومة على أي تفاصيل. أحدهم من داخل الحكومة أبلغني عن «قرارات جدية» في ملف «توقف الاعتماد» على المساعدات الخارجية.
لكن محرر الجزيرة كان واضحا ومباشرا حينما قدم معلومة ترامب المستجدة بين ثنايا خبر يتحدث عن اعتقالات جديدة لبعض كوادر الحركة الإسلامية الأردنية.
ترامب يدس أصبعه
لا نخترع صاروخا ولا نصعد للقمر عندما نستنتج أن «شيخ الحارة» في البيت الأبيض «دس أصبعه في السمن»، ويحاول تشجيع حكومتنا الرشيدة على المضي قدما في مشوار إخراج الإسلام السياسي من المعادلة.
مشكلة السمن البلدي تتمحور حول أنه لا يتقبل، خصوصا عند إعداد طبق المنسف كثرة الطهاة، وبالتالي بالضرورة في حال عبث أي أصبع أمريكي تفسد الطبخة فورا ويتحول الطعم اللذيذ إلى «سوشي» مخلوط بهامبورغر.
هنا حصرا يمكن استحضار السفيرة يائيل لمبرت، التي لم تصمد سوى 4 أسابيع فقط بعد تعيين ترامب، فكانت أول سفيرة أمريكية تشطب من السجلات، بعدما تغزلت في عمان وعلى شاشة «سكاي نيوز» تحديدا بطبقين أشارت لهما بالاسم «الشاورما في رام الله والمنسف في عمان».
وما دام مايك روبيو قد رفض مصافحة وزير خارجيتنا أيمن الصفدي، ثم أصبح فجأة في موقع مستشار الأمن القومي، لن نبالغ ونحن نفترض أن الإدارة الحالية من فرط حماسها للعبث يمكنها تصنيف «المنسف الأردني» ضمن قوائم «معاداة السامية»، لأنه عمليا يخالف قواعد عتاة المستوطنين الإسرائيليين في خلط اللبن باللحم.
قد يحصل الأمر بعد البشرى التي زفها لنا وزير السياحة السابق مكرم القيسي وعلى شاشة «المملكة» أيضا إثر تصنيف المنسف في أرقى سجلات اليونسكو والتراث .
هندسة واشنطن
النبأ على نحو أو آخر عبرت عنه وسائل الإعلام الرسمي بصيغة «الأردن يتمكن من استعادة..إلخ» والهدف مرصود، وهو الإيحاء بأن طاقم الدبلوماسية الأردنية في واشنطن، ولاحقا وفدا وزاريا تمكنا من «إقناع» السيد الرئيس بالتراجع وتمرير مساعدات البلاد المرصودة.
أصغر قارئ أخبار في مدرسة ابتدائية أردنية يتابع تلفزيون «المملكة» يعلم أن الحكاية لا علاقة لها بكفاءة المفاوض المحلي التي غيرت معادلة ترامب فجأة.
نؤكد مجددا: نمتدح القرار ونصفق له. ونصادق على الرواية القائلة إن القرارات «السيادية والقانونية» الوطنية لا علاقة لها بأي ضغوط أو تدخلات أمريكية.
لكن الإشكال الأساسي يتمثل في أن الخضوع للهندسة التي يفرض شروطها ترامب في مسائل «صغيرة وبسيطة»، قد تقودنا إلى جبال من الأزمات لا قبل لنا بها عند تعويد الأمريكيين على الاستجابة الفعالة والنشطة لابتزازهم.
لا يوجد إنسان ولا سمكة ولا طائر ولا قطة في العالم سلم من شر قائد واشنطن الحالي، وها هو يخطط للعبور إلى البحر الأحمر بقطعه البحرية من قناة السويس مجانا لكي تقوم أسلحته بقصف أهلنا في اليمن على حساب الشعب المصري، ثم قصف الشعب الفلسطيني على حساب العرب!
علاقة غير متكافئة تشبه تماما علاقة غوار الطوشه بياسين بقوش المسكين عندما التهم الأول كيلوغراما كاملا من خيار صنف «أصابع البوبو»، على حساب «ياسينو»، وهو يتصور أنه حقق إنجازا كبيرا بالتمكن من التهام خيارة واحدة صغيرة التقطها في اللحظات الأخيرة من فك غوار، وأفلت وأكلها في زقاق.
نعم هي علاقة غير متكافئة وترامب يواصل الابتزاز على أصوله ولا يهتم لا بالأمن الوطني الأردني ولا الاستقرار، والأفضل لنا كأردنيين حقا التموقع والبحث عن إستراتيجيات ملاعبة بدلا من تقديم تسهيلات لن تقف عند حدود.
ترامب ومن معه سيطالبان بالمزيد لاحقا، وترقبوا الحلقة الجديدة من مسلسلات ترامب الأردنية: قبول فكرة التخلي عن الوصاية في القدس، ثم التعاون مع ضم الأغوار والاسترخاء في حضن «حسم الصراع وضم الضفة» لا بل مطالبة النشامى بتفعيل التهجير الناعم.
لا نمانع ضرب أي مكون يغني خارج سرب الدولة محليا ما دام يخالف القانون.
لكن نمانع في استسهال اللعبة مع ترامب والادعاء بأنها «تمطر مصالح»، كلما ابتسم في وجهنا أمام الكاميرات وغير في قرارات لم يكن أساسا ينبغي أن يتم تفعيلها لو كنا نعيد وزن الأمور.