ألغاز الأعياد: “سم” إسرائيلي لاغتيال المطران حنا ورسالة من الطبيب “القسوس” وأخرى بتوقيع عباس تغازل ملك الأردن
يمكن ببساطة ملاحظة السلطات الأردنية الرسمية وهي” لا تمانع ” ولا تعترض على تصريحات شخصية فلسطينية كبيرة من وزن الأب المطران عطا الله حنا التي تتهم إسرائيل بمحاولة اغتياله .
الأب حنا أحد أكثر الشخصيات الفلسطينية المحبوبة جدا في الأردن لكن على المستوى الشعبي وليس على المستوى الرسمي .
حضر الرجل مسموما إلى عمان وأعلن طبيبه الدكتور عبد الله البشير عن اكتشاف حالة تسمم .
وسارع المطران نفسه لاتهام مؤسسات إسرائيلية وهو في عمان بنثر مادة ملوثة في إطار مكتبه تسببت بحالة تسمم أدخلته أحدى المستشفيات الأردنية.
وفقا لرواية الأب حنا لما حصل معه كان المطلوب اغتياله أو قضاء بقية حياته مريضا فالرجل معارض شرس للأسقف الأرثودوكسي المتعاون مع إسرائيل ويعتبر من الشخصيات المثيرة للإشكال وسط النخبة الأردنية الرسمية .
بكل حال استقبل الأردنيون شعبيا المطران حنا وزاروه بالعشرات وصمتت الحكومة ولم تعلق على اتهامه لأطراف إسرائيلية بمحاولة اغتياله .
تل أبيب أيضا لم تعلق على الحدث الذي يبرز مجددا في ظل واحدة من أسوأ الأزمات على صعيد العلاقات بين الأردن وإسرائيل .
العاهل الأردني كان يستقبل في قصر الحسينية نخبة من قادة الطوائف في بلاده والأرض المحتلة، وتغيب المطران المريض عن هذا الاستقبال الرسمي .
اللافت للنظر أن مجلس الأعيان فقط – أي مجلس الملك – وبحكم اعتبارات غير سياسية هو الوحيد الذي زار المطران في مشفاه ممثلا بلجنة لا إطار سياسي لها و بطابع شخصي وهي لجنة الشئون الصحية في مجلس الأعيان .
واضح أن المبادرة في هذه الزيارة إنسانية وليست سياسية بنشاط ملموس من رئيس اللجنة طبيب القلب الشهير وأحد أبرز الشخصيات الوطنية والمسيحية الأردنية الدكتور يوسف القسوس .
حيث زار القسوس ورفاق له في مجلس الأعيان المطران حنا ونشر خبر عن هذه الزيارة .. تلك كانت رسالة من مجلس الملك فيها بعض الدلالات السياسية .
لكن زوار المطران المصنف شعبيا في الأردن باعتباره مناضل صلب وشرس من الشخصيات الأردنية كانوا بالعشرات والطبيب القسوس باعتداله وأسلوبه الهادئ المعتاد تكفل بتغطية رسالة سياسية رسمية صغيرة دون ضجيج ودون إحراج بنفس الوقت .
لكن الملموس إعلاميا على الأقل أن المطران الذي حاولت جهات إسرائيلية اغتياله بالسم لم يحظى بزيارة أي مسؤول رسمي أردني رفيع باستثناء وفد مجلس الأعيان برئاسة الطبيب القسوس أحد قامات الطب في الأردن .
صرح الأب مطران لزواره قائلا : بأن مادة غامضة نثرتها مؤسسة إسرائيلية بالقرب من مقره تسببت له بالألم والانهيار وفقا للمطران أن المادة التي استنشقها وتسببت بمرضه قبل إنقاذه في عمان ومساعدته لا تملكها إلا جهات من الاحتلال الإسرائيلي .
في الأثناء تلقى المطران اتصالا هاتفيا للاطمئنان والتضامن من الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ولم ترسل السلطة وفقا لما تداوله الزوار أي مبعوث رسمي للاطمئنان او التضامن .
وبمناسبة الأعياد المسيحية تفاعلت رسالة سياسية مختلطة مجددا بين الأردن والقيادة الفلسطينية فقد أرسل الملك عبد الله الثاني مندوبا عنه لحضور عشاء رسمي بالقداس تقيمه السلطة والرئيس محمود عباس في بيت لحم.
المندوب وهو وزير شئون رئاسة الوزراء سامي الداوود نقل تحيات الملك للقيادة والطوائف المسيحية الفلسطينية .
بالمقابل وجه عباس وهو يستقبل الداوود رسالة سياسية تحتاج للمزيد من التحليل والتعمق عندما تحدث عن ” شعب واحد في فلسطين والأردن بدولتين ” .
الرئيس عباس قال سياسيا أكثر من ذلك أمام الوزير الأردني مطلقا وصفا يستعمل لأول مرة في خطابه عن الملك عبد الله الثاني بعد الشكر والتقدير للدور الأردني مشيرا لأن الملك يحمي المقدسات ويكرس حياته لدعم القضية الفلسطينية .
هذا غزل من الوزن الرفيع وغير المسبوق ودون لقاء قمة أردني فلسطيني يستبق كل محاولات الضغط على الأردن والسلطة الفلسطينية من قبل اليمين في إسرائيل وشقيقه اليمين الإسرائيلي .
الغريب أن تعابير غير مستخدمة في الماضي نحتها الرئيس عباس ليس عن القيادة الأردنية فقط بل عن وحدة المصير بين شعب واحد في دولتين.
وهي عبارات استقبلت في عمان يوم عطلة الأعياد بالكثير من الجدل والاستفسار لأن الرئيس عباس ببساطة بقي لخمسة أيام في عمان الأسبوع الماضي وقام بعدة نشاطات لم يكن من بينها إطلاقا أي لقاء مع الملك، بل كان أبرزها عشاء في منزل الأمير علي بن الحسين تخلله نقاش في المستقبل والمصير الواحد والمواجهة.
عطلة الأعياد المسيحية شهدت الكثير من تبادل الرسائل الباطنية بين عمان ورام الله فيما الإسرائيلي يراقب ويتهمه المطران حنا وهو في العاصمة الأردنية بدس السم له بهدف اغتياله .