أهل غزة و«العلم الأردني»: بعد فشل «شيطنة المقاومة»… تسلل «دموع الجحود والنكران»… أين ومتى ولماذا؟

عمان ـ «القدس العربي»: لا تتوفر قرائن في الجزء المتعلق بـ «دور الأردن» التضامني ضد الجريمة مع أهل غزة تبرر «تشنج» بعض الأقلام المحلية تحت عناوين «النكران والجحود».
فرغ الجميع من مهرجان «شيطنة المقاومة والإسلاميين» قبل ابتكار «لطمية إعلامية وسياسية» لا يمكن تبريرها تحاول التعليق على سؤال طرحه علناً بعض نشطاء وقادة التيار الإسلامي وغيرهم، بحثاً عن «مصالح المملكة» عن أسرار وأسباب «غياب الحكومة الأردنية» الرسمي عن «طاولة مفاوضات وقف إطلاق النار».
المسألة باختصار وبكل بساطة، أن عمان لها حساباتها حقاً، فهي تحضر وتغيب بموجب تخطيط استراتيجي يخصها، ولا تتصرف ولا ينبغي أن تتصرف رسمياً ودبلوماسياً إلا بحرص، وبصفتها تمثل «خياراً للدولة» في التفاصيل.
أغلقت عمان الباب مبكراً على أي دور لها في ملعب «الوساطة» لأسباب يمكن استنتاج معظمها. ومبكراً، قررت إغلاق النوافذ أمام فصائل المقاومة الفلسطينية والبقاء فقط خلف ما يسمى بـ «الشرعية الفلسطينية» وبصرف النظر عن حجم التأثير الحقيقي الفاعل لتلك «الشرعية» الغائبة بدورها عن كل تفاصيل المشهد في غزة حرباً وسلماً.
«حسابات متقاطعة»
هنا لا بد من الانتباه للوقائع: الغياب عن الوساطة والفصائل ليس سياسة جديدة حتى وفقاً للرأي الذي سمعته «القدس العربي» مباشرة من القيادي السياسي في حركة حماس «الأردني» خالد مشعل، وهو شأن لا علاقة له بـ «7 أكتوبر» حصراً، ونتيجته معروفة ومفهومة دوماً لجميع المشتبكين، وستكون وأبرز الملامح «الغياب عن الطاولة».
تلك مسألة «حسابات متقاطعة» رغم قناعة بعض دوائر القرار الرسمية اليوم في عمان أن السلطة في أضعف أحوالها.
رغم ذلك، تم التعامل بيروقراطياً وسياسياً وأمنياً فقط مع «مؤسسة الشرعية الفلسطينية».
حرصت فصائل المقاومة عموماً طوال الوقت على تجنب التعاطي مع الأردن باعتباره «ساحة» وكل محاولات «تهريب السلاح» غربي النهر قام بها أردنيون متطوعون يخضعون للمحاكمة بدون مرجعية فصائلية. وطوال الوقت، بقي مشعل ورفاقه يقولون باحترام «مصالح الأردن وثوابته ودوره وحساباته». وهو ما سمعته مراراً وتكراراً قيادات أردنية بارزة مباشرة من قيادات حماس، فيما لاحظ الجميع بأن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف تجنب توجيه الشكر للأردن، مع أن رئيسه دونالد ترامب خص الأردن بالتقدير مع دول المنطقة، ومع أن حركة حماس في بيانها الرسمي الأخير تقدمت بالشكر والثناء أيضاً على دور الأردن في مساعدة وإغاثة أهل قطاع غزة.
لا ينكر جهود الأردن سياسياً وإغاثياً إلا «جاحد» لكن المؤسسة لا تنتظر الإقرار العلني بما تقره الوقائع وينسجم مع السياسات والثوابت، الأمر الذي يجعل الحديث عن «الجحود والنكران» مجرد «أسطوانة» جديدة مشروخة تفتقد للمبررات، ولا علاقة لها إلا بالسهر فقط على إنتاج «لطميات تحريضية» تبحث بهوس عن «وظيفة جديدة» بعدما تكرست القناعة العملية بأن «المقاومة» التي شتمها البعض في الإعلام الرسمي الأردني مراراً وتكراراً «أفلتت» أو تفلت من الكمين الأمريكي والإسرائيلي، وهي في طريقها لتحقيق «إنجاز» سيكون إنكاره ـ في رأي الناشط السياسي الشيخ محمد خلف الحديد، كما يناقش مع «القدس العربي» ـ يمثل الجلوس على «قمة الجحود» والنكران لمصالح الشعب الأردني، وليس العكس.
الشيخ الحديد ليس وحده في تلك المساحة التي افترضت بأن ما تقدمه المقاومة من أداء وحضور هو في «صلب الأمن القومي الأردني».
«نكران وجحود»
وهي مساحة يتشارك فيها حتى الخبير الاستراتيجي المتقاعد نضال أبو زيد، الذي أكد مرتين في حوارات مع «القدس العربي» بأن النظام الرسمي العربي «العاجز» عليه أن يترك من يستطيع الإنجاز دون تدخل سلبي؛ لأن المواجهة الدائرة في غزة «تخص أمن الجميع ومستقبلهم» حتماً.
الشريحة التي وصفها القيادي في الحركة الإسلامية الشيخ مراد عضايلة، مؤخراً، بـ «هؤلاء الذين تسلموا إعلامنا لعامين» لا تخطط للتقاعد من السياق التحريضي رغم انشغال الكون ـ وليس الشارع الأردني فقط ـ بما جرى وسيجري لاحقاً في شرم الشيخ.
لذلك أسطوانة «النكران والجحود» الفلسطيني والشعبي الأردني تعزف الآن بعدما سقطت وظيفة «أسطوانة المقاومة التي ورطت الأمة» تماماً كما حصل في الماضي عند اختراع جزئية «المندسين» لإعاقة الإصلاح. وهو عزف في إقليم مضطرب من الصعب انتقاد نجومه أو التشكيك بدوافعهم ونواياهم، لأنه «خارج السياق» تماماً، حيث لا أحد إطلاقاً في المشهد الفلسطيني لا من إطارات الشرعية ولا من سياقات «الفصائل والمقاومة» ينكر عملياً الموقف والاشتباك والتضامن الأردني.
ثمة أدلة متراكمة على ذلك، أهمها أن حركة حماس مؤخراً وبعد جولة مفاوضات شرم الشيخ الأولى هي التي شكرت في بيان رسمي «القيادة الأردنية» مع أن المؤسسة في عمان لا تنتظر شكراً لا من حماس ولا من غيرها. وأشرطة الفيديو التي يسجلها أهل غزة جهاراً نهاراً وهم يجلسون تحت «علم الأردن» دليل إضافي معاكس لـ«أكذوية الجحود» وكذلك صور الملك عبد الله الثاني المرفوعة وسط النازحين والجوعى في عمق قطاع غزة مع تقارير الإعلام الإسرائيلي المتشدد التي تقر وتعترف بأن «الأردن بقي الأكثر إزعاجاً» منذ عامين لإسرائيل.
يفترض الجميع أن الأردن في المنح والحجب والحضور والغياب تحركه مصالحه وثوابته وليس الرغبة في الظهور الإعلامي أو صرف عبارات وأناشيد الشكر والامتنان، وإن كان بعض الإعلام الرسمي المحلي لا يلتقط ما هو جوهري في المسألة.
دور الأردن لا أحد يدانيه في الإغاثة إطلاقاً. وموقف قياداته ووزير خارجيته في الاشتباك المباشر منفرداً حتى قياساً بالسلطة الفلسطينية مع «سردية اليمين الإسرائيلي» في كل المحافل الإقليمية وفي ملف غزة حصراً ـ لا مجال لأي مزايدة عليه.
أهداف «خبيثة»
فقط السردية الأردنية هي التي تتحدى اليمين الإسرائيلي، وهي تصر على عدم الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس. وما استثمر به الأردن رسمياً من عامين هو ثقله وتاريخه ومكانته الدولية، فيما تحرشات الإعلام الإسرائيلي اليميني المتشدد تؤكد ذلك.
في السردية والإغاثة تحديداً، يمكن الافتراض بأن «نسبة النجاحات والاختراقات الأردنية» هي محصلة للغياب عن «طاولة الوساطة المباشرة».
ومقادير «التسلل» نحو وقف هنا أو هناك لإطلاق النار وإرسال المساعدات وصمود الأونروا، قد يكون ـ نقول قد ـ ثمرة يستفيد منها الشعب الفلسطيني تنتج عن «الترفع عن المزاحمة» في توفير بعض الأحضان للمقاومة، أو السعي لعدم تحويل فصائلها إلى «ورقة سياسية» تقرر عمان أنها لا تحتاجها بحكم الواقع الجيوسياسي الذي تحدث عنه لـ «القدس العربي» الجنرال قاصد محمود، حيث أكثر من 300 كيلومتر من الحدود المتلامسة مع «فلسطين ووجعها».
لذلك كله، لا أحد ينكر «الأردن ودوره» وعلى جهة ما التدخل لمنع الاسترسال في «لطمية جديدة» مخترعة لا جذر لها في عمق المجتمع، قد تصبح أهدافها لاحقاً «خبيثة».