أين مشروع النهضة الأردني؟: ورش وخلايا في مؤسسة القصر الملكي ومبادرة «اقتصادية» بطعم الاشتباك السياسي
تبدو الصورة، عندما يتعلق الأمر بالملف الاقتصادي والمالي الأردني، أوضح الآن من أي وقت مضى. تقرر مؤسسة القصر الملكي الاشتباك مع التفاصيل وعقد ما يشبه ورش عمل صغيرة للخبراء والمختصين والمعنيين، وبتنظيم من رجالات القصر، ويفاجئ الملك عبد الله الثاني الاجتماع الأول بالحضور والإدلاء بتوجيه. ويتم الإعلان لاحقاً عن ورش وخلايا عمل صغيرة عدة ضمن سياق استراتيجي جديد من المرجح أن يتولاه الملك شخصياً ويشرف عليه، بعنوان «إطلاق مبادرة اقتصادية» مباشرة وأساسية.
تلك مبادرة غير معروفة بعد، ودخول طاقم الديوان الملكي على الخط يعني أن الاتجاه الاقتصادي الجديد مؤسس أولاً على معطيات «سياسية رفيعة المستوى» لها علاقة بالدوائر والتقييمات المرجعية.
ويعني ثانياً، أن خطط التحفيز الاقتصادي والنهضة الوطنية المعلنة سابقاً باسم وتوقيع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، بعد وقبل فشل برنامج «التصعيد الاقتصادي»، لم تعد هي المعتمدة في استنتاج يمكن أن يتسرع قليلاً وهو يقرأ التفاصيل والحيثيات التي أحاطت باجتماع الخلية الأول بحضور نخبة من ممثلي القطاع التجاري والاقتصادي.
الرسالة السياسية والبيروقراطية في الاجتماع الأول تبدو واضحة بالتوازي، فقد حضرت الحكومة ممثلة بنائب رئيس الوزراء ورئيس الطاقم الاقتصادي الدكتور رجائي المعشر. وهذا يعني أن الحكومة موجودة على الطاولة وباقية على الأقل لعدة أسابيع مقبلة، كما يعني أن الحديث عن مغادرة الدكتور المعشر للطاقم الاقتصادي مبكر ولم يعد شرطاً إذا تطورت المعطيات لاحقاً باتجاه أي صيغة للتعديل الوزاري.
غياب الرزاز، رئيس الحكومة، عن اجتماع الخلية الأولى ضمن فعاليات القصر الملكي الجديدة يبدو واضحاً أيضاً في الوقت الذي ينشغل فيه وزير التخطيط والتعاون الدولي بمفاوضات بلاده مع البنك الدولي في واشنطن؛ لإطلاع المحافظين على مسيرة الإصلاح الاقتصادي للمملكة تحت عنوان استبدال «الجباية الضريبية» بـ «التحفيز الاقتصادي»، كما قال شخصياً لـ «القدس العربي» في وقت سابق.
عملياً، أول من اقترح «تغيير الاتجاه والمسار الحالي» في التخطيط الاقتصادي نائب رئيس الوزراء الأسبق والخبير الدكتور محمد الحلايقة، الذي أبلغ «القدس العربي» مباشرة وعدة مرات، بأن البوصلة بوضوح من حيث النتائج والتقييمات ينبغي أن تخضع للتقييم، والمطلوب مراجعة تفصيلية للاتجاه، وافتراض أن الاتجاه المعاكس ينبغي أن يقرأ ويدرس الآن. بعيداً عن ما يقوله الحلايقة، من الواضح أن مؤسسة القرار المرجعي أدركت بأن اتجاهات حكومة الرزاز ليست في الموقع الأفضل والمنتج لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تعاني منها البلاد.
وإن خطوات جريئة في مجال التقييم ينبغي أن تتصدر الآن – وهذا الأهم – وقد يكون من بينها – حسب مسؤولين كبار – الاستدراك والعمل على مواجهة المعيقات والمشكلات في مجالات الاستثمار والانطلاق الفعلي، هذه المرة، لواقع التشبيك والشراكة بين القطاعين العام والخاص. ومنذ أسابيع يمنح العاهل الأردني الملف الاقتصادي أولوية واضحة في جميع حراكاته الخارجية والداخلية.
مؤخراً، لفت الملك شخصياً الأنظار وهو يتحدث في كلية قيادة الأركان عن الملف الاقتصادي وعن الشراكة بين القطاعين العام والخاص، خصوصاً أن الوزير العسعس يؤمن بأن تحفيز النمو الاقتصادي عنوانه الأعرض إقناع وتحفيز القطاع الخاص ومنحه فرصاً للاشتباك وتطوير الآليات الاقتصادية.
لكن وفقاً لما قاله رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق وتنبهت له الأوساط المعنية، فالرؤية الملكية لا تزال هادية وتنير الطريق وتمنح الجميع الأمل، لكن هناك إجراءات وزراء ومسؤولين في الاتجاه المعاكس للأمل بالمقياس الملكي.
ويبدو أن ملاحظة من هذا النوع دفعت المؤسسة الملكية للاشتباك وجمع أطراف العملية الاقتصادية في حوارات «صريحة» هذه المرة، ومكشوفة، وخالية من التنظير والمجاملات، وعنوانها كما فهم المشاركون في لقاءين على الأقل حتى الآن «الانطلاق بجدية والتوقف عن انتظار مساعدة الآخرين».
الانطلاق، في كل حال، يتطلب وجود خطة مقنعة بعيدة عن المسار المعتمد منذ سنوات، حسب الحلايقة. ويتطلب حكومة قادرة على الامتثال لتوجيهات الملك بخصوص تذليل المصاعب أمام المستثمرين، ومناخاً سياسياً آمناً، وإيماناً بالإصلاح الشامل، وأدوات أقدر على الالتزام، ومؤسسة أمنية وبيروقراطية لا تعمل في الاتجاه المعاكس، الأمر الذي يفسر رغبة الملك بحضور الاجتماع التقني الأول للخبراء والظهور راعياً له في رسالة تفترض بأن رأس الهرم معني بما سيبحث ويتقرر وعلى بقية المؤسسات الامتثال.
طبعاً الملك شخصياً كان قد اشتكى سابقاً من العقبات الناتجة عن الوزراء والبيروقراط وقطاع التجار والمستثمرين، وتذمر علناً وعشرات المرات من الإعاقات الناتجة عن القطاع العام وتعبيراته.
حتى الآن يمكن التحدث عن دخول علني واشتباك من مؤسسة القصر على تفاصيل مشروع اتجاه اقتصادي جديد اضطرت له الدولة الأردنية.
لكن لا يعرف بعد ما إذا كانت المبادرة التي تحظى بغطاء ملكي واضح الآن معروفة التفاصيل أو يمكنها الصمود وسط حالة الاستعصاء البيروقراطي، وإن كان حراك القصر هنا وسط مظاهر الانقسام والعجز والإخفاق في الحكومة يخصص مساحة للأمل يتمنى الحاج توفيق وغيره من فعاليات الاقتصاد، مثل البرلماني خير أبو صعليك وزميله خالد بكار، أن تكتمل بإجراءات تعلن نهاية مرحلة الأحاديث اللفظية وتبدأ فعلاً ورشة العمل.