اراء و مقالات

إعلام «أردني»: طلاسم مكارثية

ترفع أعلام فلسطين تعبيرا عن مظلومية الشعب الفلسطيني اليوم في كل ساحات عواصم العالم… والاستثناء الوحيد هو بعض العواصم العربية

يحتار المراقب وهو يحاول فهم المغازي والدلالات والأهداف التي تسعى للوصول إليها بعض الآراء والنصوص التي يحاول فرضها على أكتاف الأردنيين بعض «المتسرعين» باسم السلطة والولاء واحتكار الانتماء.
عند جولة في بعض المقالات لابد من الاستفسار: ما هي القيمة المضافة للوطن التي يمكن أن تنتج عند الابتهاج بعدم رفع علم فلسطيني واحد خلال إحدى الوقفات المنددة بالعدوان في عمان.
كيف يقود رفع علم فلسطين في أقرب بلد للشعب الفلسطيني بالجغرافيا والهوية القومية إلى المساس بمصالح الدولة الأردنية؟
سنمنح جائزة ذهبية لكل من يجيب على مثل هذا السؤال، مع الانتباه إلى أن أعلام فلسطين تعبيرا عن مظلومية الشعب الفلسطيني ترفع اليوم في كل ساحات عواصم العالم من أمستردام إلى باريس ولندن ومن كوالالمبور إلى لاهور والاستثناء الوحيد هو بعض العواصم العربية.
تزدحم المفارقات: أحدهم يفترض فيه أن ما يريده الشعب الأردني حصرا ليس حظر التيار الإسلامي فقط، لكن مشاهدة رقاب رموزه وقادته معلقة على المشانق.
مجتهد آخر تفتقت قريحته عن ما يلي: لا يوجد ما يمنع من إيداع كل الشعب الأردني في السجن باستثناء من يكتب مطالبا بذلك.
كيف تعبر وتتسلل مثل هذه التوصيفات بدون أدنى فلترة في أجهزة الحكومة يصطادها ويتابعها أو يمنعها ويردعها من شاء.
بعض التعليقات وردود الأفعال وبصراحة المقابلات والنصوص تثير الحيرة والارتباك لا بل تزاود من باب تزويق وتسويق الكراهية على الموجة المكارثية الشهيرة التي طالبت يوما بإعدام مفكر شيوعي لأنه ابتسم فقط أمام الكاميرا.
قرأت العبارة التالية في صحيفة رسمية: «الشعب الأردني لن يسكت بعد الآن على من ينتقد كتابه ورموزه المدافعين عنه»…عبارة ليست أكثر من طلاسم مكارثية لا معنى لها ولا يمكن إمساكها.
اقتراح آخر أكثر جرأة في مقال ينتقد الدولة والحكومة لأنها لم تتخذ بعد إجراءات حقيقية ضد بعض الشرائح وعند تفصيل تلك الشرائح المقترحة يكتشف الطفل في الصف الابتدائي أن الرجل يتحدث عن 60 في المئة من الشعب الأردني على الأقل.

ترفع أعلام فلسطين تعبيرا عن مظلومية الشعب الفلسطيني اليوم في كل ساحات عواصم العالم… والاستثناء الوحيد هو بعض العواصم العربية

ما تعودنا عليه وألفناه كأردنيين في دور الحضانة قبل المدرسة من قيم لها علاقة بالتسامح والمرونة والاعتدال تغيب عن مسار الإعلام السريع أو «الصريع».
وعلى مطبخ ما في جهة ما أن يتدخل ليس لحماية الشعب الأردني من رموز ترويج الكراهية والعنصرية. ولكن أقله لحماية النظام والدولة من هؤلاء المتحدثين باسمهما، وذلك أضعف الإيمان لأن المواطن الأردني عفوي وتلقائي ومباشر وصادق، ويعيد تعريف الرجل أو المتحدث أيا كان من نظرة في عينيه أو من أول كلمتين في سطر افتتاحي لملحمة وطنية مزعومة.
طبعا من حق الأردنيين أن يدافعوا عن وطنهم ومن ينكر ذلك جاحد أو موتور في الحد الأدنى.
لكن من حق الأردنيين في المقابل أن يفهموا إزاء ما يرتكب من جرائم عبر وسائل الإعلام الرسمي معرفة من الذي يتحدث حقا باسم الدولة معهم حتى يناقشه المواطنون ويصلوا معا الى نتيجة.
المعايير اختلطت على أكثر من صعيد مؤخرا والحملة ضد الإسلاميين لم تعد قانونية أو حتى ممثلة للمعيار القانوني الدقيق في نهج الدولة حيث تستمر الشيطنة ودون أي مبرر.
أحد الموثوقين همس في أذني مؤخرا: كيف أصبح فجأة إظهار الدعم لمقاومة الشعب الفلسطيني تهمة منسوبة للجرائم الإلكترونية في الأردن؟
سؤال كبير ومقلق والأصح أن يبدأ بلماذا؟ وليس كيف؟ لأن قانون الجرائم الإلكترونية تحديدا مساحة مرنة ومطاطة، يمكن اصطياد صاحب أي قلم أو رأي فيها وفي أي وقت.
الانقضاض على الرأي الآخر ليس سلوكا نحو درب فيه حكمة لا بل الإصرار على هذه الانقضاضات على كل من له رأي مستقل أو مختلف مع الرأي الحكومي أو الرسمي سلوك لا يشبه الأردن وينتهي بتقديم خدمات دعائية مجانية لكل من يعارض أو يتجاوز حدود الاختلاف في الرأي فتطاله ذراع القانون.
الأصل أن توضع الآراء المتشنجة المختلة بين مسارين كما يحصل مع الباص السريع في عمان حتى لا يتحول التحدث باسم الموقف الرسمي الى عملية تطوعية غير مدروسة تشبه إدخال الفيل إلى حقل جرار.
الباص السريع إذا خرج عن مساره يتسبب بحوادث سير ويدهس مواطنين ومركبات، والحكمة تقتضي أن يسهر رجال الأمن في الشوارع على التزام تلك الحافلة بالمسار.
دون ذلك سيتحول الموضوع إلى سهرة وناسة لا معنى لها، وتعم الفوضى ويصبح التلاوم والتخوين وتبادل الاتهام فرصة موازية لزيادة رقعة الاحتقان وصولا لا سمح الله إلى المساس بسلم وأمن المجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading