اراء و مقالات

الأردن: إعاقة حلم ملك وشعبه

الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة تجعل رغيف الخبز في الصدارة، والناس لديها تقاليد راسخة ومستقرة منذ عقود، لكنها بدأت تترنح وتهتز مؤخرا بعنوان دولة تعتبر بالعادة هي الأقرب لتمثيل الهوية الوطنية والسياسية للشارع

لم يعد سرا وسط نخبة عمان السياسية ولا حتى وسط مراكز القرار فيها القول، بأن فاتورة هندسة الانتخابات الأخيرة وبطريقة مؤذية للدولة قبل غيرها رفع من الكلف التي يفترض أن تدفعها السلطة للرأي العام في المجال الحيوي للإصلاح السياسي.
يعلم الجميع في المشهد الأردني بأن الرغبة في الإصلاح السياسي والديمقراطية تحديدا قد تكون في آخر سلم الخيارات والأولويات بالنسبة للمواطن العادي والبسيط.
ثقافة المجتمع السائدة لا تهتم كثيرا بمسائل التحول والإنفتاح السياسي، والأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة تجعل رغيف الخبز في الصدارة، والناس لديها تقاليد راسخة ومستقرة منذ عقود، لكنها بدأت تترنح وتهتز مؤخرا بعنوان دولة تعتبر بالعادة هي الأقرب لتمثيل الهوية الوطنية والسياسية للشارع. تختل تحت وطأة الوضع الاقتصادي الصعب ثم الإصرار على المدارس التي تعبث بالانتخابات الكثير من قواعد اللعبة التي كانت راسخة ومع وجود وضع إقليمي متأزم واحتقانات بالجملة ناتجة عن التطرف والإرهاب والاحتلال الإسرائيلي.
إزداد التعقيد طبعا مع إرتفاع نسبة البطالة والفقر وأصبح تعقيدا فوق العادة مع تراجع ميكانيزمات الدولة الرعوية ثم الهفوات والمشكلات التي تضرب الأردنيين أو وجهت لهم ضربات مؤخرا في أعمق ما يقدسونه بعد مؤسستهم ودولتهم وهو بنية خدمات القطاع العام.
الحادث الذي حصل في مدينة السلط وأحد مستشفياتها قرع أجراس الإنذار والعبث بمعادلة الفساد جعله أفقيا والإرتجال بالأطنان ومتكرر يوميا على مستوى الطاقم الاقتصادي والخطط والأوراق توضع في متحف يعلوه الغبار، وفوق كل ذلك الأردن قيادة ودولة تحت الاستهداف من عدة أطراف في الخارج تتعامل معه كجغرافيا سياسية فقط او تؤمن بسياسة «الحافة «.
وسط هذه التعقيدات وفوقها هندست الانتخابات فأضرت بالجميع وخسرت مصداقية الدولة حتى انتهى الأمر بتشكيل لجنة عريضة وضخمة يفترض أن تتولى ملف الإصلاح السياسي وتحديث المنظومة مع أنها لجنة تتلمس إحتياجاتها بصعوبة الآن وأصبحت في ظل غياب الفصل والحسم والإجراء والهيبة مجالا حيويا لتجاذب وأحيانا صراع مراكز القوى والنفوذ بدلا من أن تصبح مساحة لإنتاج التوافق الوطني والأمل.

الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة تجعل رغيف الخبز في الصدارة، والناس لديها تقاليد راسخة ومستقرة منذ عقود، لكنها بدأت تترنح وتهتز مؤخرا بعنوان دولة تعتبر بالعادة هي الأقرب لتمثيل الهوية الوطنية والسياسية للشارع

يحتاج الأردنيون رسميا لاعتراف واضح بأن ما حصل في الانتخابات الأخيرة فاضح ومؤلم وكلفته عالية. يحتاج الرسميون الأردنيون بالمقابل لتوقف وتجميد سياسات وثقافة الانكار والإصرار على الأخطاء البصرية والبشرية، والأهم يحتاج الوطن برمته إلى مراجعة عميقة وجذرية وحقيقية لا بل صريحة، فقد كنا قبل سنوات نعيش كأردنيين في رفاه الجدل حول تشريعات وقوانين إصلاحية، لكن اليوم وبفعل سياسات التدخل الدائم في الانتخابات أصبحنا نعيش في حالة تحتاج إلى مصالحة وطنية.
كنا نتحدث عن المصارحة فقط وليس عن المصالحة، وكنا نتحدث قبل سنوات عن مواجهة الفساد وليس عن إنتشاره أفقيا، وكنا نقول بأن أزمة الأدوات هي الأساس، واليوم نقول بأننا نمارس أنماطا من الفهلوة السياسية عندما نتوقع نتائج مختلفة عبر قيادة أدوات الأزمة لمشروع معالجة الازمة.
الوضع مربك وآن أوان التحدث مع أنفسنا بصراحة وفي ظل ثوابتنا وإحتياجاتنا. بدون مزاودة نقولها وبكلمتين للسيد سمير الرفاعي وصحبه في اللجنة الملكية، الجميع شركاء بتلك الثوابت والاحتياجات. وبدون التباس أقول الإصلاح الحقيقي اليوم هو وضع نصوص ثابتة ليس في قانون الانتخاب فقط ولكن في قوانين العقوبات أيضا تؤدي إلى «تجريم» أي محاولة للعبث في الانتخابات ومن قبل أي موظف عام.
دون ذلك الحديث عن نظام انتخابي جديد لن يعني شيئا لأن مشكلة الأردنيين مع ما يحصل في غرف العمليات التي تقود الانتخابات وليس مع التشريعات التي تدار بموجبها فقط، وأقل تقدير للمبادرة الملكية الإصلاحية النبيلة هو تحصين النزاهة الانتخابية الآن بعقوبات غليظة إضافة إلى تثبيت تقسيمات الدوائر الانتخابية بالنص القانوني والتفكير بآلية مختلفة لإدارة الانتخابات والإشراف عليها.
نضم صوتنا للأصوات الجريئة الداعية في إجتماعات الإصلاح إلى منهجية المواطنة الأفقية وإلى تلك الاصوات التي تعلن بأنه آن الأوان لرفع القبضة البوليسية عن العمل الحزبي وآن الأوان لتسجيل الأحزاب فقط بدلا من ترخيصها، وآن الأوان لتوفير ضمانات مشتركة بين كل أطراف العملية وعلى أساس الشراكة بين الدولة والموطن ليس فقط في كلفة الإصلاح ولكن أيضا في احتياجات ثوابت الدولة مهما كانت.
بصراحة ومن الآخر نريد أن ندفع مرة واحدة وإلى الأبد أي احتمالات بعد الآن لأي تدخل في عملية انتخابية من أي نوع وتحت أي ظرف، وعلينا أن ندفن في الأثناء أيضا كل تلك المعلبات الكلاسيكية التي أنتجت وبرمجت من أجل إعاقة الإصلاح الحقيقي، فلا أحد يريد النبش بأوراق الماضي ويمكن حقا إنتاج وإنجاز صفقة شاملة تتطلع للمستقبل وتحرس فيها المنظومة البيروقراطية والأمنية والسياسية حلم الملك وشعبه بدلا من إعاقتهما.
بإختصار دون ذلك قد تتوالى الصدمات التي هزت الجميع إبتداء من الأكسجين وانتهاء بحراكات العشائر مرورا بصدمة الفتنة وما تعنيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى