الأردن: استحقاق أيلول… إجراء «تقييم موضوعي» لتحضيرات عامين من التحديث… فهل تنجح؟
خيط «سمير» على «جدار الانتخابات»
عمان ـ «القدس العربي»: خيط رفيع فيما يبدو يفصل زمنياً وسياسياً بين التصريح المثير لرئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي بعنوان «وقف التحدث عن التحديث الآن» وبين ما يلمح له رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي وهو يتحدث لـ «القدس العربي» عن ضمانات صارمة وحازمة بنزاهة الانتخابات.
ضمناً، ما يمكن القول إن ما يريد الرفاعي التأشير عليه هو صيغة تفيد بتوقف «الكلام» عن التحديث السياسي، وتدشين مرحلة «ممارسته» حيث العنوان الانتخابي وشيك، وهو «أداة التحديث» ومحطته الأولى تنفيذياً.
خيط سمير الرفاعي هنا أقرب إلى «حائط التحديث»؛ بمعنى بدء محطات العمل التنفيذي.
وما يلمح الصفدي بدوره بالتوازي، أن نزاهة الانتخابات مسألة «حسمت» من وجهة نظره، وإن كانت لم تحسم بعد من جهة أطراف متعددة في المجتمع تتربص بالتحديث والانتخابات معاً من باب «التشكيك».
انطباع المراقبين حتى الآن في أوساط القرار السياسي الأردني هو أًن ضمانة إجراءات الحياد والنزاهة في العملية الانتخابية تقررت على المستوى المرجعي وسط تعليمات صارمة جداً للمؤسسات من الصنف الذي يكون تجاهله مكلفاً للغاية، لا بل وسط توجيهات مباشرة لغرف العمليات، كما يردد البعض.
ليس سراً في السياق أن «حديث النزاهة» افتراضياً، يطال 3 مراحل هي أساسية في العملية الانتخابية، ولا بد من إظهار أكبر قدر ممكن من الحياد المهني عند إدارتها بعملية إجرائية شفافة ونزيهة ونظيفة للغاية، وهي المهمة التي يبدو أن طاقم مفوضي الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات هو الذي كلف بها. صباح يوم الاقتراع وفي تمام الساعة السابعة صباحاً، تبدأ المرحلة الأولى بتمكين المواطنين من «التصويت» بكل يسر وبدون تدخل أو توجيه.
لاحقاً، تبدأ الخطوة الثانية المهمة، وهي مهمة اللجان المشرفة، تتعلق بفرز الأصوات، وثالثاً جمع هذه الأصوات وحسابها وسط حالة مراقبة اجتماعية وحقوقية وحرياتية على أن واجب مؤسسات الدولة هو تيسير الإجراءات في الفرز وجمع الأصوات قبل أن تظهر اللحظات الأخيرة، وهي إعلان الفائزين بالانتخابات.
الفكرة هنا أن هذه الإجراءات الثلاثة ينبغي أن تتميز بأقصى ما يمكن الوصول إليه من متطلبات النزاهة ونظافة العملية الانتخابية. بمعنى أن الأخطاء التي كانت تحصل في مشهد مسرحي في الماضي ممنوعة ومحظورة.
خيط «سمير» على «جدار الانتخابات»
يبدو ـ وفقاً للصفدي وغيره من اللاعبين الأساسيين – أن التوجيهات هنا واضحة حتى لغرف العمليات وخلايا الظل والمتابعة، التي تتابع تحضير نسخة تعد في غاية الأهمية للانتخابات النيابية، ليس فقط لأنها أول انتخابات تجري بموجب قانوني الأحزاب والانتخابات الجديدين، ولكن لأنها نسخة انتخابية من المرجح أنها تشكل محور الرحى في تقييم مستوى وأداء وإنتاجية مسار التحديث السياسي للمنظومة برمته، حيث وثائق مرجعية حظيت بالأضواء الخضراء، وحيث صرح الرفاعي الذي ترأس لجنة ملكية عريضة لهذا الغرض، بأن جميع وجهات النظر في الدولة، في الشارع وفي شرائح المجتمع وفي القوى السياسية، أخذت بالاعتبار عند إقرار وثيقة تحديث المنظومة السياسية، لأن الرفاعي عملياً يؤشر على أن «الجانب التنفيذي» مؤسساتياً ليس اختصاص اللجنة ولا يدخل في مسؤولياتها، ما يبرر «الصمت قليلاً».
ما يقصده الرفاعي هنا على الأرجح هو أنه لا حجة أو ذريعة لأحد داخل الدولة أو خارجها في الزعم بأن وجهة نظره تجاهلها مسار التوافق والتوفيق. لعلها رسالة تصبح تحذيرية بالمعنى المباشر، سواء على الصعيد الاجتماعي حيث حراك المال السياسي وشراء الأصوات، أو على الصعيد الإجرائي البيروقراطي.
تلك على نحو أو آخر رسالة تحذير، لكنها منقولة على لسان الرفاعي، إن جاز التعبير، قبل الدخول في حالة الصمت التحديثي؛ لأن الصمت الانتخابي بموجب القانون سيطرق الأبواب، ولأن الانتخابات الأولى في عهد تحديث المنظومة السياسية يفترض أن تظهر ما حصل عندما فتح الباب على مصراعيه لتنظيم الحياة الحزبية ودعمها أملاً في إنجاح بقية الخطوات.
الصفدي من المتحمسين هنا للقول إن عملية الانتخابات فيها ضمانات غير مسبوقة وحاسمة وصارمة هذه المرة بالنزاهة. لكن الساحة في المقابل، فيها ملاحظات متراكمة للإسلاميين والحراكيين ولغيرهم من نشطاء الشارع وللشرائح المتضررة من صعود الأحزاب السياسية بدلاً من مراكز «الثقل المحافظة» الكلاسيكية. يحتاج كل هؤلاء إلى «اختبار جدي وصارم» هذا هو دور انتخابات أيلول تقريباً، التي تختبر في طريقها جزئياً مسألة في غاية الأهمية، هي «استجابة المؤسسات البيروقراطية» لمسار التحديث والرؤية قبل أو مع الناس.
لذلك، يهمس مسؤول بارز مؤخراً في أذن «القدس العربي» قائلاً إن وظيفة الانتخابات المقبلة أهم وأخطر بكثير مما يعتقده كثيرون، مستعملاً صيغة مثل شعبي دارج هو «اللي في الطنجرة بتطلعه المغرفة».
بكل حال، ما يؤشر عليه الصفدي هو أن التوجهات المرجعية واضحة تماماً في هذا السياق. وما يؤشر عليه مراقبون كثر قد يكون من بينهم الأمين العام لحزب الميثاق الوسطي الأضخم الدكتور محمد المومني، وأيضاً عضو مجلس الأعيان، هو أن القوى السياسية وكذلك ما يسميه وزير البلاط الأسبق مروان المعشر بـ «قوى الأمر الواقع» توفرت لها جميعاً «فرصة منصفة وناضجة» طوال أسابيع في إطار «التنافس الشرعي والأخلاقي» لـ «التأثير بمسار الانتخابات» ما لا يبرر أي اعتبارات تدخلية خارج القانون.
المقصود هنا ـ بتقييم المومني ـ هو أن الأحزاب والقوى السياسية حصلت على فرصة متوازنة قبل بدء إجراءات جوهرية في العملية الانتخابية. في المقابل، حصلت المؤسسات الرسمية والبيروقراطية على فرصة منصفة لممارسة خياراتها في التأثير قبل الوصول إلى «يوم الصناديق».
لذلك، يعيد مومني التنبيه إلى النص التجريمي في القانون بخصوص «أي تدخل من موظف عمومي» ويعتبره نصاً ضامناً ومقصوداً أن يكون كذلك.
هنا حصراً يمكن بناء سيناريو يتتبع مقاصد ما أعلنه الرفاعي في ضوء ما يؤمن به الصفدي والمومني وآخرون، بعنوان أن مركز القرار يريد حقاً انتخابات على شكل «مغرفة» بمعنى أنها تعكس «الوقائع والحقائق» على الأرض، ما يجعل «عدم التدخل وكذلك تغييب الهندسة» عن المراحل المتأخرة على الأقل «مطلباً ملحاً واحتياجاً أساسياً» لمسار التحديث أولاً، ولدوائر صنع القرار -ثانياً- وليس للشارع فقط.
وعليه، فقاعدة المشاركة والحياد والنزاهة واجبة لجميع الأطراف؛ لأن انتخابات أيلول المقبل وظيفتها إجراء «تقييم حاد وموضوعي» لتحضيرات عامين من التحديث.