الأردن «الاقتصادي»: محطات حرجة عشية «التعديل» لماذا «لا تجلب الاستثمارات»؟

عمان- «القدس العربي»: قد يبدأ درب الإصلاح الاقتصادي الهيكلي في المشهد الأردني من مراجعة اضطرارية لفكرة استفسارات وأسئلة غامضة يواجهها أحياناً المستثمرون وخصوصاً العرب والأجانب منهم، في بعض زوايا الهرم البيروقراطي.
سؤالان بالاختصاص يطرحان، ولكن بنعومة وبأسلوب باطني تحت عنوان الادعاء على الحرص على بعض المستثمرين.
السؤال الأول: هل فكرتم في هوية من سيترأس مجلس إدارة مشروعكم؟
السؤال الثاني: من هو المدير العام الذي تفكرون به لإدارة المشروع؟
سؤالان قد تجللهما «البراءة البيروقراطية». لكن السماح لموظفين في الجهاز البيروقراطي بطرح مثل هذه الأسئلة، يؤدي أو أدى في عدة حالات إلى عزوف واستنكاف استثماري؛ لأن الإيحاء هنا غير مريح لمن يرغب في الاستثمار.
رغم نعومة السؤال، توحي مقدمته بأن الموظفين من أبناء الاختصاص يريدون التدخل، وإذا ما طرح السؤال على مستويات وظيفية متقدمة فالإيحاء مباشر بأن القصة قد ترتبط بحسابات السائل المصلحية الشخصية في مرحلة ما بعد الوظيفة. الاستنتاجات قد تكون غير منصفة هنا، إلا أن المستوى الوظيفي المعني في جذب الاستثمارات حصراً، عليه التركيز على التسهيلات التي يقدمها بموجب القانون والتزامات الحكومة العلنية تجاه خطاب التكليف الملكي، بدلاً من الانشغال في طرح أسئلة تكون مروحة الإجابة عليها متعددة وحمالة أوجه.
ثمة من ينصح رئاسة الوزراء اليوم بأن تبدأ خطتها الاقتصادية في الإصلاح الهيكلي بتثقيف الموظفين الكبار والصغار الذين تتطلب واجباتهم مقابلة المستثمرين على نوعية الأسئلة والاستفسارات، حيث يمكن أن يظلم التوجه والحكومة معاً جراء استنتاجات إيحائية تغرد خارج سرب الخطة الموضوعة.
طبعاً، يحتاج التأشير على إجراء هنا إلى شجاعة وجرأة ليس سراً أنها موجودة إن استعملت لدى رئيس الوزراء الحالي والخبير الاقتصادي الدكتور جعفر حسان، الذي يرى الرؤية الاقتصادية المرجعية خطة الحكومة وأولويتها.
لا توجد أدلة ولا قرائن بعد أكثر من 220 يوماً على تشكيل الحكومة على حدوث فوارق مقنعة وملموسة في مجال مخاطبة الاستثمار أو جذبه، خصوصاً أن وزارة الاستثمار المختصة وضعت سقفاً رقمياً يتجاوز 4 مليارات على الأقل، فيما لا تقول الحكومة ما الذي أنجزته حتى الآن وصولاً إلى هذا السقف الرقمي.
لا أحد يعلم بعد كيف تعمل وزارة الاستثمار، خصوصاً بعد تقلب الأسماء الوزارية التي تولتها.
الطاقم الاقتصادي لحكومة حسان عموماً يتميز بالدقة والمصداقية والتواضع الإعلامي. مع ذلك، لم تعلن الحكومة بعد عن حصص الاستثمار التي جذبتها. والأهم أنها لم تعلن بعد استراتيجيات محددة على صعيد استغلال كفاءة الدور الإقليمي الأردني في جذب الاستثمارات المسيسة.
العلاقات الإقليمية مضطربة مع أكثر من طرف، وما يشير له المختصون هو أن انتظار الحصة من مشاريع إعادة الإعمار في غزة وسوريا تحديداً قد يطول وأصبح مضجراً، وقد يخلو من الضمانات؛ لأن الخبرات هي المطلوبة -برأي الخبير الاقتصادي البارز الدكتور جواد العناني- وهو يقترح في نقاش مع «القدس العربي» عدة مرات، مقاربات فعالة ومنتجة وأكثر ذكاء وجرأة قد تتطلب عباءات جديدة في مستوى التخطيط الاقتصادي. السؤال عن الذكاء والقدرة على المناورات والمفاوضات وإنتاج المكاسب الاقتصادية والاستثمارية قد يصل عند تحصيل إجابات إلى مناطق تبدو مضطربة أو لا يميل كبار المسؤولين لمناقشتها بصراحة، مثل آلية اختيار الوزراء بدون تثقيفهم وتأهيلهم، ومثل تقنيات وضع خطط إجرائية وتنفيذية منتجة لما يتقرر من سياسات، أو حتى مثل تلك الضوابط التي تمنع مسؤولاً وزارياً من استهداف الحرفيين والخبراء في مؤسسته لإثبات جدارته التي لا يمكن إثباتها في غياب الخبرات الفنية.
وزارة حسان اعتبرت مبكراً الملف الاقتصادي أولوياتها، وزهدت في منازعة المؤسسات الأخرى على الملفات السياسية، وفوجئت بحيثيات قد تكون مضللة أو لا تبدو منطقية عندما راجعت إجراءات في التمكين الاقتصادي لحكومات سابقة.
الطاقم الوزاري الاقتصادي يبذل جهداً مرصوداً، لكن رموزه وعناصره لا يتحركون بنفس السوية والتناغم المطلوب.
سؤال جذب الاستثمارات مهم أردنياً. وبعض الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية تميز بها الطاقم الوزاري الحالي، لكن المشكلات معقدة.
العلاقات الإقليمية متقلبة، والاحتفاء كان ضرورياً بعودة المساعدات الأمريكية بعدما حجبها الرئيس الأمريكي «الصديق»، مع أن ما عاد هو ما تقرر سابقاً بدون إضافات. وفكرة التفاوض مع إدارة الرئيس دونالد ترامب على تخفيض الرسوم الجمركية قد تنقل تلك الرسوم من 20 % إلى 10 %.
في الأثناء، أعلنت الحكومة عن استراتيجية وطنية لوقف الرهان على المساعدات الخارجية، لكن التفاصيل لم تتضح بعد.
ونجح رئيس الوزراء في جذب أو استدراج بعض الشركات الكبيرة في القطاع العام والخاص لمساعدة الخزينة في نفقات التعليم والصحة، الأمر الذي يظهر مستوى الأزمة المالية، كما يظهر وجود مساحات وقدرات على التصرف.
إزاء هذا الوضع الهيكلي والإقليمي المعقد، تبدو الحكومة في اتجاه معقول عندما يتعلق الأمر بالملف الاقتصادي. لكن في جزئية جذب الاستثمارات، لا يمكن التحدث بعد عن إنجازات حقيقية مرصودة، وهو أمر قد يؤخذ بالاعتبار إذا وصل رئيس الوزراء إلى منطقة يقر فيها بأن التعديل الوزاري واجب واستحقاق.