الأردن: «المحاصصة والولاء» أبعد قليلاً والمواصفة الأهم «التزام مسار التحديث الثلاثي»
عمان – «القدس العربي»: ملاحظتان مهمتان لا يمكن تجاهلهما عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع “مستجدات” ترتيبات المشهد السياسي والاقتصادي الأردني الداخلي، خصوصاً عندما تصدران عن القيادة العليا في الدولة وعلى أساس تأكيد تجاوز مشروع التحديث الثلاثي لمرحلة حتى الاستفسار عن طبيعة “الغطاء السياسي” لصالح “منهجية الإجراء والتنفيذ”.
إصلاح اقتصادي
الملاحظة الأولى على لسان الملك عبد الله الثاني شخصياً تؤسس لحالة دعم إضافية ومعززة وغير مسبوقة في الواقع لبرنامج التحديث الثلاثي في مسارات الإصلاح الاقتصادي والإداري والسياسي، حيث توجيهات وجهاً لوجه للحكومة ولرئيس الوزراء بشر الخصاونة تقضي بأن تنفيذ البرنامج المتوافق عليه مستمر. والأهم أن هذا التنفيذ والبرنامج لن يتغيرا بتغير المسؤولين.
وهنا تبرز العبارة التي يقول فيها القصر الملكي في السياق المرجعي للجميع بأن ما تقرر في تحديث مساري المنظومة السياسية والتحفيز الاقتصادي وما قد يتقرر لاحقاً في مسار الإصلاح الإداري أصبح عابراً للحكومات بعد الآن. وهي مسألة سبق أن أشارت لها مرات عدة “القدس العربي” وهي تنقل عن مصادر مطلعة ومعنية بالتفاصيل بأن قطار التحديثات، حتى وإن رغبت بعض أطياف المعارضة أو أوساط التشكيك عدم تسميتها بإصلاحات بلا رجعة.
رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات موسى المعايطة كان قد أكد أهمية المشاركة في حديث سابق لـ “القدس العربي”، معتبراً أن من يريد السباحة لا يخشى البلل بعد الآن أو قد يتبلل. وهي إشارة إلى أن الطرفين في الشارع والنخب من جهة، وفي الدولة والقرار من جهة أخرى يعلمان اليوم بأن المسألة تجاوزت الإرادة والغطاء السياسي بدلالة أن الملك شخصياً يحرص مساء السبت على حضور جزء من لقاء تفاعلي يقام لأول مرة في إطار رفع أو السعي لرفع جاهزية الحكومة. والأطقم التنفيذية للتعامل مع مسارات التحديث حيث حضر الملك شخصياً وأصدر توجيهات وتأكيدات من بينها – وهنا تبرز الملاحظة الثانية المهمة – أنه “لا تراجع” عن مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وأن هذا المشروع الثلاثي شامل للدولة للسنوات المقبلة على الرغم من كل المشككين. ويعني ذلك أن الإدارة المرجعية في الدولة تسمع وتصغي للأصوات التي تزرع التشكيك في نوايا الإصلاح الحقيقي وفي عمق الإرادة السياسية. والاعتقاد هنا جائز ومن باب التحليل السياسي بأن الرسالة المرجعية الجديدة التي ترصد وجود حالة التشكيك، وتتحدث عنها ومعها عبر التأكيد على عدم التراجع هي تلك الرسالة التي لا توجه بالواقع للمشككين فقط بقدر ما توجه أيضاً، وبالتوازي إلى الأجهزة التنفيذية والنخب البيروقراطية في أجهزة ومؤسسات الحكومة والدولة التي يمكن أن تعيق العمل في الجانب التنفيذي.
ثمة دلالة توفرت، حيث قالها الملك بوضوح وبشكل مباشر وبصيغة تخص المسؤولين التنفيذيين عندما أشار إلى أن تقييم أداء التنفيذيين بعد الآن سيكون بموجب الالتزام بتنفيذ البرنامج التحديثي الثلاثي. وتلك قاعدة كانت قد قيلت وبقيت في إطار الكتمان خلف الستارة والكواليس وضمن توقعات بعض الساسة المتحمسين لمسار التحديث سواء في المنظومة السياسية أو في التمكين الاقتصادي، لكنها اليوم تقال وبوضوح ومن الآخر وبلهجة وحرص القصر الملكي مباشرة، بمعنى أن حرص القيادة على حضور الاجتماع التفاعلي مؤشر ليس على دعم وبقاء واستمرار حكومة الرئيس بشر الخصاونة الحالية فقط بالمدلول السياسي بقدر ما هي تذكير لمرة جديدة بأن الآراء التي تشكك بمسارات التحديث وصلت لمركز القرار، ويعلم عن تفاصيلها، لكنه -أي مركز القرار- يرد مباشرة عليها عبر التأكيد بأنه لا تراجع عن مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وأن مشروع الدولة للسنوات والعقود المقبلة هو هذا المشروع، ما يعني أن التصور المرجعي والملكي لمستقبل المؤسسات الأردنية برمتها بعد الآن قائم على المسار الثلاثي.
إرادة سياسية غير مسبوقة
وهو أمر يربطه بعض المختصين والخبراء بإرادة سياسية غير مسبوقة، هدفها بالنتيجة طمأنة الأردنيين على مستقبلهم وذلك عبر الربط ما بين الترتيبات المفترضة لمؤسسة ولاية العهد ومستقبل البلاد وما بين المسار الثلاثي. عملياً ومنطقياً، لا يوجد حتى اللحظة في قاموس التوجيهات العليا مفردات أقوى من تلك التي وردت أمس، وهي تقر بوجود مشككين. والرسالة يعتقد أنها لمن يمثلون الدولة والأجهزة والحكومة والسلطات التنفيذية كما هي للرأي العام والشارع، حيث إن تلك الرسالة تشير بوضوح إلى تطبيق قواعد لعب جديدة في المسألة السياسية والاقتصادية قوامها بعد الآن ليس المحاصصة، ولا حتى الولاء، لا بل دخل معهما أيضاً ولأول مرة في القاموس السياسي عند تشكيل الحكومات ومجموعات الحضور والنفوذ والمؤسسات والدوائر معيار جديد تماماً هو معيار تقييم الأداء بموجب الالتزام بتنفيذ برامج مسارات التحديث الثلاثية.
وهو معيار أعلن اليوم للمؤسسات قبل المواطنين، ويفترض المفترضون أنه سيواجه ببعض الخصومة من مجموعات “الأمر الواقع” و”مكاسب الامتيازات” وغيرهم، إلا أن الجميع مطالب بالتزامن بإعلان نواياه بخصوص القدرات الالتزامية بالمقابل وفي الاتجاه المعاكس.
والمادة التي يستند إليها المشككون بالعادة هي تلك التي تقلص من مساحة الحريات بالرغم من إطلاق الحريات الحزبية وحريات تشكيل الأحزاب، وتشير إلى تراجع حريات التعبير بين الحين والآخر وإلى حالة الدلال والأخطاء التي ترتكب في تركيب أحزاب جديدة.
تلك قد تكون ظواهر طبيعية جداً في عملية جديدة أطلقت بكل هذا التقييد المرجعي والغطاء السياسي، في رأي المعايطة وآخرين، لأن المطلوب هو تقبل الفكرة الثقافية والتأسيس لبيئة تقبل العمل الحزبي، ثم التطلع إلى الأمام وقلب صفحة الماضي، وهي مسألة تنطوي على بعض التدريج المنتج والمطلوب.
وهو تدرج يمكن تسويقه فقط إذا ما أظهرت المؤسسات الرسمية بعد الآن قدرتها على “التكيف” مع التحديث، وانشغلت على تقديم الأدلة اليومية على التزامها، بحيث تعالج الإشكالات الملموسة التي تنتج “التشكيك”.