الأردن: النقد لـ«الحليف الأمريكي» وصل إلى الذروة وسفيرة «الشاورما» منزعجة
«نجومية» حماس «تنمو بقوة» في الشارع
عمان ـ «القدس العربي»: يمكن ببساطة عند مراقبة مسار النقاشات بين الأردنيين هذه الأيام رصد حالة يتلبس بها الفرقاء في سلطة الحكومة وفي الشارع تحت عنوان كيفية التعامل برشد مع حراكات شعبية محتجة، لا بل متفاعلة وبحدية مع أحداث غزة. فثمة حالة تضامن غير مسبوقة مع المقاومة الفلسطينية.
وثمة مبايعات اجتماعية وعشائرية لقادة المقاومة في غزة وتحديداً الميدانيين العسكريين في حركة حماس التي وصفها وزير الخارجية أيمن صفدي بـ«فكرة لا تموت».
تلك عملياً مؤشرات على «تحولات» في المجتمع تفاعلاً مع معركة طوفان الأقصى من الصنف الذي يدخل في باب «الأمن السياسي» وفي إطار حسابات معقدة اندفاعاً في اتجاه ما وصفه السياسي المخضرم طاهر المصري أمام «القدس العربي» أمس الأول بـ«سياسية التوازن والتوزين» للحفاظ على المصالح الأساسية للأردن.
مؤخراً، أقسم وزير العمل الأردني الأسبق معن القطامين في مدينة السلط مع نخبة من وجهاء المدينة بما سمّاه بـ «يمين الولاء» لمصالح الأردن والشعب الفلسطيني ومناصرة المقاومة الفلسطينية.
ورغم أن خطوة قطامين دعائية ويمكن للمسؤولين الرسميين وصفها بـ «الشعبوية» فإن مثل تلك المبادرات في عمق المجتمع أصبحت «أكثر من ظاهرة عامة» حيث الروابط والجمعيات والمجالس العشائرية والبلدية في حالة نشاط غير مسبوقة تستثمر فيها تلك المساحة المتعلقة بتأييد عارم وسط الشارع الأردني للمقاومة الفلسطينية، وتحديداً لحركة حماس، حيث تقسم أمام الميكروفون والجماهير أيمان التضامن ويتم تأدية يمين الولاء والمناصرة.
وبدا لكثير من الأطراف أن حركة حماس التي لا تقيم معها السلطات الرسمية أي صنف من الاتصال والتواصل والرعاية خلافاً لتبادل المعلومات عبر قناة ضيقة وصغيرة بين الحين والآخر، تصعد بقوة بالفضاء وتحظى بالنجومية في صدارة مشهد الشارع. وهو أمر يمكن القول بكل حال إنه لا يرضي السلطات الرسمية، لا بل لا يعبر عن الخط السياسي الأردني المألوف والكلاسيكي الذي «تطيح به» وتدفعه للترنح الآن العمليات الإسرائيلية الوحشية ضد أهالي قطاع غزة.
«نجومية» حماس «تنمو بقوة» في الشارع
تناقضات المسألة الفلسطينية تفرض اليوم إيقاعاً صاخباً في العمق الاجتماعي الأردني في تموضع مستجد يعتقد بأن السلطات الرسمية لم تختبره سابقاً، وإن كان يثير نقاشات ساخنة من كل الأوزان والأصناف في تعبير طبيعي برأي السياسي الخبير مروان فاعوري، عن الموجة التي تؤسس لها الإجراميات الإسرائيلية وهي تجازف بمصالح حتى دول الجوار.
النقاشات في الشارع الأردني وصلت إلى مراحل حرجة إلى حد ما تحت عنوان البحث عن صيغة مشتركة لبقاء الشارع عموماً في حالة حراك مناصرة للمقاومة الفلسطينية جراء القصف العدواني الإسرائيلي الوحشي، وفي الوقت نفسه بقاء هذه المناصرات ضمن معادلة سياسية يرى رئيس مجلس الأعيان مثلاً فيصل الفايز، أنها لا ينبغي أن تعود على مصالح الدولة الأردنية بانعكاسات سلبية.
النقد تجاه الإدارة الأمريكية تحديداً ودورها وقواعدها العسكرية في الساحة الأردنية، وصل إلى زوايا حرجة للغاية اضطر حتى السفيرة الأمريكية الجديدة النشطة في العاصمة عمان، يائيل لمبرت، إلى تقليص اتصالاتها وتطبيق بروتوكولات أمنية مع طاقمها الدبلوماسي الأساسي بصورة غير متوقعة، وفي توقيت تسلمت فيه السفيرة – التي امتدحت الشاورما مرتين علناً للتقرب من المجتمع الأردني – مهامها للتو.
يبحث الأمريكيون على مستوى طاقم السفارة عن الأسباب التي تدفع الشارع الأردني للإصرار على التظاهر أمام مقر السفارة. ويعلم الدبلوماسيون في مقر السفارة بعمان العاصمة، أن مزاج الشارع الأردني هو مؤشر حيوي وأساسي على مزاج الشارع العربي في مسألة الثمن والكلفة تدفعها الآن الطواقم الأمريكية جراء الغطاء المتوفر للعدوان الإسرائيلي، ولاحقاً جراء مراوغة كل مطالب الأردن ومصر وغيرهما تحت عنوان وقف إطلاق النار في غزة ووقف القصف وإدخال المساعدات بكميات كبيرة.
النقد كبير وسط الأردنيين للإدارة الأمريكية. وفي مجالسات ومهامسات مع البرلمانيين، توقع وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي عدة مرات، أن يبدأ الأمريكيون لاحقاً عندما تهدأ الأمور ـ إذا هدأت ـ بتوجيه اللوم للمسؤولين الأردنيين، لا بل إن بعض المقربين جداً من الطريقة الأمريكية في التفكير وسط النخبة الأردنية يعتقدون بأن بعض المؤسسات والشخصيات الرسمية هي التي دفعت الشارع الأردني أحياناً للتعبير بصخب ضد الولايات المتحدة الصديقة والحليفة الأساسية للبلاد، بدلاً من التركيز فقط على العدوان الإسرائيلي.
يحمّل خبراء ومراقبون أحياناً وزير الخارجية الحالي أيمن الصفدي مسؤولية الإدلاء بتصريحات حادة وخشنة ساهمت في تأجيج مشاعر الشارع الأردني.
لكن مثل هذه الاتهامات لا يحفل بها الوزير الذي يلتزم تماماً بالخطوط والثوابت المرجعية، في الوقت الذي يصر فيه على أن الأردن لا يتحدث بخصوص حقوق الشعب الفلسطيني والعدوان على أهل غزة بلهجتين داخل الغرف وخارج الغرف، خلافاً لأن مثل هذه الاتهامات تعكس «الغيرة» أحياناً وتبدو «جاهلة» بالمساحة التي خصصت للدبلوماسية وطاقمها للتحرك.
في المقابل، يقر دبلوماسيون أمريكيون في عمان بأن رصيد حركة حماس المحلي ينمو ويزداد بصيغة تعرض العلاقات التحالفية بين الأردن والولايات المتحدة لمخاطر «الضغط الشعبي» اليوم، خصوصاً على الجزئية المرتبطة بوجود قواعد عسكرية أمريكية في الأراضي الأردنية.