اراء و مقالات

الأردن: النواب بعد دعابة الـ «6 أصوات»: الإسلاميون مجدداً… «أخطاء» وانكماش أم «إقصاء»؟

عمان ـ «القدس العربي»: قد لا تقود المقاربة التي اتجهت إليها كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني بعد ما خسرت معركتها الانتخابية الأولى يوم انعقاد الدورة البرلمانية، إلى أي «مكان سياسي محدد» وهي تسعى لتحريك رأي عام داخل المجلس ضد النائب أندريه الحواري تحديداً بعد الجدل المثار بخصوص «تعليق هامس» أدلى به الأخير.
منطقياً، لا مكاسب سياسية أو «تعويضية» من أي صنف يمكن أن تنتج عن السعي لما سماه الناطق باسم الكتلة النائب الشاب ينال فريحات، بـ «خيارات مفتوحة» بخصوص الزميل الحواري، أحد قادة الجبهة الوسطية التي تشكلت وأبعدت الإسلاميين عن مواقع الصف الأول في مؤسسة النواب، الإثنين الماضي.
الحواري عضو يكتسب المزيد من الخبرة في العمل البرلماني. ومن غير المنتظر أن تتخلى عنه جبهة الوسط إذا قرر الإسلاميون «محاسبته قانونياً»؛ بمعنى تحويله إلى «لجنة ضبط السلوك» خصوصاً في بدايات الدورة الأولى التي لم تبدأ بعد، مع أن الإسلاميين وغيرهم يمكنهم «معاتبة» الحواري أو مطالبته بتوضيح بصيغة اعتذار.
الاشتباك الذي صعد للسطح الإعلامي، يخص عبارة «هامسة» أقرب إلى «مزحة شخصية» التقطتها وسجلتها كاميرا هاتف بعد نتائج التصويت في معركة انتخابات رئاسة البرلمان، حيث يقول الإسلاميون إن النائب الحواري وصف 6 نواب صوتوا لصالح المرشح صالح العرموطي بأنهم «خون» مع أن الأخير ينفي ذلك.
عملياً، عبارة الحواري المنقولة التي ألهبت حماسة نواب جبهة العمل الإسلامي «ليست مهمة» وقد لا تنطوي على إساءة مقصودة لأنها باختصار أقرب إلى «دعابة» بلا معنى يلقيها شخص في أذن آخر بدون مدلول سياسي.

«مزحة شخصية»

الحواري وهو برلماني وسطي ديناميكي، لم يقل ما نقل عنه في جلسة نظامية ولا في بيان رسمي، والمسألة أقرب إلى سوء حظ أو تفسير بسبب التقاط كاميرا هاتفية للمشهد الذي يجب على التيار الإسلامي ولأسباب متعددة تجنب المبالغة فيه.
كلام فريحات عن «خيارات مفتوحة» بعد ظهور «أداء متردد» للكتلة عموماً، ينطوي على قدر مرصود من المبالغة في معركة هامشية وجانبية من الطراز الذي لا يجب أن تهتم به المعارضة المنهجية، خصوصاً في بدايات الموسم البرلماني.
كتلة التيار الإسلامي اطلعت مثل غيرها من الجمهور الأردني، على فيديو يتضمن عبارة سريعة قالها الحواري لزميل يقف في جانبه تتحدث عن 6 من النواب الذين صوتوا للعرموطي باعتبارهم خانوا الاتفاق بين ائتلاف الأحزاب الوسطية.

كانت في كل حال تلك عبارة ساخرة. وتحويل نائب بحجم الحواري إلى «اللجنة القانونية» ثم إدانته، يحتاج لوعاء تصويتي، واضح تماماً الآن أن التيار الإسلامي لا يستطيع تأمينه، وهو الأمر الذي يؤشر على أن أولويات الكتلة التي حظيت بنصف مليون صوت من الأردنيين في الانتخابات ينبغي أن تتجه -أولاً- إلى «مراجعة ما حصل مع العرموطي» وثانياً رفع السقف التحالفي من 6 نواب إلى 16 على الأقل استعداداً لـ «ثلث تشريعي» يعيد التوازن في الأسابيع المقبلة.
افتعال معركة مع الحواري لا يعتبر بمثابة خطوة منتجة في الوقت الذي فاتت فيه فرصة التوافق على مناصب الصف الأول وسجلت فيه من جهة طيف واسع من أعضاء البرلمان الجدد ملاحظات سياسية ونظامية وسلوكية على طريقة أداء زملائهم في التيار الإسلامي.
ثمة منابر نقلت عن الحواري نفيه لواقعة تلك الهمسة التي ألهبت أجواء البرلمان وإشارته إلى أنه قصد «الإخوان» وليس «الخون» لكن الكتلة الإسلامية اتجهت للتلويح بأنها ستلجأ إلى تقديم شكوى نظامية تحت القبة ضد الزميل الذي جرح وخدش وأساء لسمعة 6 زملاء.
في المقابل، يخشى حريصون على حضور منصف وناضج للإسلاميين والمعارضة في سلطة التشريع أن يؤدي التركيز الشديد على واقعة الهمسة والحواري إلى التأشير على «إفلاس سياسي» لا يتوقعه الرأي العام من الإسلاميين. والفريحات ورفاقه يفترض أنهم قادرون على الانشغال مرحلياً بإعادة ترتيب أوراق الكتلة مع طيف أوسع من أعضاء البرلمان على حساب سيناريو «استعداء المزيد من الخصوم» ودفع الآخرين للتخندق ضد التيار.

خسروا «تكتيكياً»

في كل حال، الإسلاميون خسروا تكتيكياً معركة انتخابات رئاسة مجلس النواب، وظهرت تباينات في ترشيح رموزهم في الكتلة لمواقع في المكتب الدائم، وأحدهم أثار الاستغراب عندما خاطب الأمين العام للمجلس خلال جلسة منعقدة طالباً إضافة لقب «المهندس» على اسمه في السجلات الرسمية وعند المناداة.
بدا واضحاً من نتائج الانتخابات الخاصة برئاسة المجلس والمكتب الدائم، أن الوفد المفاوض باسم كتلة الأغلبية المعارضة في البرلمان لم يتمكن من إنتاج الكثير في التسويات والتفاهمات مع بقية أعضاء المجلس، خصوصاً المستقلين، كما أخفق في قراءة تفاصيل المشهد.
في المقابل، الجهات الرسمية التي تخاصِم الإسلاميين أو ترتاب فيهم أو تخطط لتحجيمهم وتقليم بعض أظافرهم، وجدت حليفاً قوياً تحت قبة البرلمان بائتلاف الأحزاب الوسطية، فيما بعض الأخطاء التكتيكية عند نواب الكتلة راكمت مراقبة الجميع لما يصدر عن الإسلاميين قبل غيرهم.
رئيس الكتلة العرموطي، تحدث مبكراً لـ «القدس العربي» عن السعي لتوسيع نطاق الشراكة مع «جميع الزملاء» والبرلماني محمد عقل أبلغ كل من فاوضهم بأن الكتلة منفتحة على الجميع. رغم ذلك، برز «انكماش» في أداء الكتلة ليس من الصعب أن يتحول إلى «إقصاء» والبوصلة لا تبدو منضبطة على معيار سياسي عميق ينتبه له حتى أنصار الكتلة والحركة الإسلامية.
وهذا ملف ينبغي أن تنشغل به الكتلة الآن على أمل إعادة التوازن، خصوصاً مع توفير فرصة في تجاوز الحساسيات التي ظهرت خلال يوم انعقاد الدورة البرلمانية وانتخابات رئاسة المجلس والمكتب الدائم. هل تستطيع عناصر الكتلة الاستدارة سياسياً والاستدراك؟
سؤال افتراضي، لكن الإجابة «يجب على الكتلة أن تستطيع»؛ لأن المرحلة التالية في الخطة التي يسهر عليها الخصوم تحت قبة البرلمان تتمثل في إقناع الجميع بأن التيار الإسلامي استفز النواب والسلطات، ولا بد من «الاسترسال في عزله» عن اللجان أيضاً.
ذلك في حد ذاته يعبر عن خسائر مرصودة سياسياً، لكنه في الواقع يبقى التيار الإسلامي في دائرة المعارضة الوطنية «المنفردة» بخطف أضواء الأقلية التي تتعرض للظلم والإقصاء، ما يخدش الروح التوافقية التي ظهرت في التوجيهات المرجعية لمجلس النواب بالسعي إلى خدمة التحديث السياسي والحرص على مصالح الدولة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading