الأردن: بمناسبة مرور «عام على التحديث»… من يدافع عن «الرؤية الملكية»؟
عمان- «القدس العربي»: عملية التحفيز التي تكفل بها عضو مجلس الأعيان الدكتور مصطفى الحمارنة منذ انعقاد اجتماعات “اللجنة القانونية”، تكفلت عملياً بـ”بقية المشهد”.
منصات التواصل المحلية تعج بالمقالات والتعليقات التي تتحدث عن “كتلة معارضة متناغمة” تخرج عن المألوف في مجلس الأعيان وتعمل على تشريح نصوص قانون جديد أقرته الحكومة وأرسله النواب وتسبب بأزمة نقاش عاصف.
الدكتور الحمارنة كان عملياً “الأسبق والأجرأ” في التشخيص الوطني العام وهو يؤسس لـ “موقف نقدي وموضوعي” لقانون الجرائم الإلكترونية المستجد الذي بات يعتقد على نطاق لا يستهان به أنه “قد يجرف” معه الحكومة الحالية في لحظة ما. حمارنة – وقد قالت “القدس العربي” ذلك في تقرير سابق لها- أول من وصف القانون الجديد بأنه “كوميستير”، وهو الاسم الشعبي للعبة الاختفاء المفضلة للأطفال. لاحقاً، طور عضو مجلس الأعيان المتميز بـ “الجدية” والثبات عندما يتعلق الأمر بالمسألة الديمقراطية، موقفه إزاء القانون بمداخلة عميقة تحت قبة البرلمان حذرت من الاسترسال في مفارقة استمرار نفوذ ممثلي ورموز التيارات المحافظة في مرحلة “التحول الديموقراطي”.
الحمارنة نفسه وفي تقرير استراتيجي سابق أشرف عليه، برزت خلاصة تتحدث عن “أطول مرحلة انتقال نحو الديمقراطية”. لكن الأهم أن مفارقة الحمارنة حفزت أعضاء في مجلس الأعيان وصل عددهم إلى “9” وهو رقم كبير بالمناسبة، لنقد قانون الحكومة وتشريحه برؤية نقدية حتى إن لم تكن معارضة. وتلك المقايسة أفرزت ما سمّاه عضو المجلس جميل النمري لاحقاً بـ”اللون التقدمي” الحريص على برنامج التحديث في الوقت الذي بدأت فيه استعدادات حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة بالإعداد لخلوة خبراء وقطاعات خاصة بمناسبة “مرور العام على التحديث”. احتار المراقبون بتسمية ووصف الكتلة المعارضة أو المناكفة التي ظهرت فجأة ودون سابق إنذار في عمق مجلس الأعيان حتى وصلت تعليقات بالجملة بالتشكيك على أساس “تبادل الأدوار”، علماً بأن المسألة قد لا تتعدى اختبار بعض النخب المؤمنة بالديمقراطية والتحديث في مجلس الملك لانحيازها الطبيعي للواجب الذي تفترضه، وهو “التذكير بالتحديث والرؤية الملكية”.
المعنى هنا أن الأعيان الـ 9 ليسوا معارضين في الواقع، ولا يمكن حسابهم فقط على أي جبهة يسارية بقدر ما يمكن حسابهم على “الأكثر تمسكاً بمضمون حقيقي للولاء”، ومعسكره وعنوانه العلني هو مواجهة تشريع جديد ذرائعي يمس بالسوء مباشرة برنامج التحديث الملكي، كما يبلغ “القدس العربي” في كل نقاشاته الحقوقي البارز عاصم العمري.
تحرش
لذلك، التحرش باللون المتباين في مجلس الأعيان ومحاولة النيل منه على أساس “تيار الموالاة الحقيقي” أو على أساس “صبغة يسارية”، يصبح أقرب إلى “شغب داخل معسكر الولاء الكلاسيكي” بعدما أخفق تماماً أمام مركز القرار والشارع في تبرير قانون معدل للجريمة الإلكترونية.
ذلك الاتجاه الذي يمثل الأغلبية في الأعيان والنواب في الحكومة مغتاظ تماماً الآن من بروز “لون سياسي” في مجلس الأعيان يدافع بوفاء وبجدية عن “الرؤية الملكية في التحديث” بعدما قالت نصوص القانون الجديد بكل اللهجات إنها بصدد “إعاقتها”.
المعارضون للاتجاه المشاغل في مجلس الأعيان ينبغي لهم البحث عن “تهمة أخرى” لزملائهم تصلح للصمود وتجاوز المعلبات المعتادة مثل “المعارضة ضد الولاء” أو “أغلبية اللون اليساري” أو حتى مثل “التيار المدني يتحرك ضد الدولة”. تلك ليست أكثر من “فقاعة تحرشات” قد لا تصلح في فهم واستيعاب الفكرة الأهم التي برزت على هامش نقاشات “معدل الجرائم الإلكترونية”، وهي أن الأعيان المصوتين في الرأي ضد المشروع موالون حقيقيون ومخلصون لفكرة استقطابهم أصلاً في مجلس الملك على أساس الوفاء والانحياز لمشروع تحديث المنظومة.
حاول النمري إبلاغ الرأي العام ضمناً بذلك بمقال توضيحي نشره لاحقاً لبروز ما سمّاه “كتلة متناغمة” في صحيفة عمون الإلكترونية، التي نشرت بدورها عدة تقارير. بالمناسبة المثيرة، أحدها ينتقد والاخر يتحدث بصيغة “عين على الشارع وأخرى على السلطة”، فيما الوقائع بحكم التلاوين داخل الأعضاء التسعة في الأعيان تشير إلى أن العين قد تكون ليس على الشعبويات، بل على “حماية النظام من مغامرات رموزه المكلفين بالتحديث انحيازاً للولاء”، ولعل أوضح من قال بذلك بصورة ذكية العين الحمارنة.
الأهم وبصرف النظر عن النتائج، أن مجلس الأعيان وفي جملته النقاشية المهنية، سجل هدفاً في مرمى ما ينبغي أن تكون عليه المجالس، فقد ظهرت “جملة الأعيان المهنية” منتجة مقابل حملة شعبية بدأت تتهم مجلس النواب المنتخب وتطالب برحيله. ولا يمكن الاستهانة بالجملة الناصحة التي تقدم بها الوزير الأسبق بسام حدادين، ولا المعترضة المتسائلة لنظيره خالد الكلالده، ولا بمداخلة شخصية مقدرة من العين الشيخ طلال صيتان الماضي، ولا حتى بالموقف العلني لأربعة أعيان آخرين. وطبعاً، لا يمكن الاستهانة بالقدرة التي تمتع بها العين المسيس خالد رمضان وهو ينقل الحكومة وبعبارة واحدة تقريباً إلى مستوى “الاتهام ثم الدفاع عن النفس” عندما ضرب على وتر التذكير بالمثلث الذهبي، حيث “العرش والجيش والشعب”.
مزاودة
تقصد رمضان رفض أي مزاودة على مجلس الأعيان، ولفت النظر إلى أن الخط المحرم هو الثلاثي فقط، وما دون ذلك يقع في باب “اجتهادات السلطات” ويمكن مناقشته أو رفضه. وانتهت مناورة رمضان الهادفة العميقة إلى اضطرار الحكومة للتمسك والتبرير وتأكيد المؤكد.
ووفي الخلاصة، أنتج 9 أعيان في الأردن قبل يومين، واحدة من المناورات الذكية اللافتة التي ساهمت قليلاً في “تنويع المشهد” والإيحاء ببعض الأمل عند الناس، وحاولت “هز الغربال” للتذكير بمشروع ومشروعية “التحديث الملكي”. طبعاً، ذلك منتج لا يعجب كثيرين، مع أن المسألة في عمق “الولاء” المنتج المتباين مع “الأعمى المسموم”. وباختصار… أبدع اللون التقدمي بين أعيان الأردن، وقد يدفع الثمن لاحقاً بكل حال.