الأردن بين «شياطين» إيران و«ملائكة» إسرائيل… وأخبث سؤال على ميكروفون «بي بي سي»
ممنوع التقاط الأنفاس والاسترخاء، ولو ليومين، دون وجود «شياطين» في الإقليم تستهدف «الأمة والوطن» أكثر بكثير من «مجانين تل أبيب»!
بالكاد أقفلنا صفحة «شيطنة» المقاومة الفلسطينية و«حماس» والإخوان، حتى عالجتنا كتائب التدخل الإعلامي السريع ذاتها بأسطوانة «تشيطن» إيران هذه المرة، ومعها «حزب الله» اللبناني، وكأن ملائكة إسرائيل فقط هي التي تحف بنا!
أحدهم وبعد مشاهدة برنامج حواري على شاشة فضائية «المملكة» همس في أذني: لا أفهم ما الذي يجري.. ساعات فقط فصلت بين لقاء قمة مع الرئيس الإيراني في نيويورك وبين ظهور وزير سابق ومسؤول حالي على شاشة «تبع الدولة» وتمولها الخزينة في وصلة «نهش» ضد إيران.
صاحبنا سألني بلهجة عادل إمام: «هو فين نص الدولة؟ أحط إيدي على النص ألاقيه فريرة»!
لا نُلام.. أذرع الإعلام الرسمي في اتجاه والدولة والموقف في اتجاه آخر. هذا فصام متواصل لا يقلل من أهميته من ظهر على شاشة «الحدث» ليعيد إحصاء وعرض عدد الجثث التي تسبب بها الحرس الثوري لـ»أهل السنة في سوريا والعراق».
ملائكة وشياطين
نحتاج حقا وفعلا لـ«توحيد النص»، ولو قليلا، على الأقل حتى يفهم شعبنا المبتلى بمسؤوليه ونخبه، ما هو المطلوب، فقد أوضحت لنا فضائية «رؤيا» للتو على شريطها الإخباري أن حزب «الميثاق» أبرز أحزاب الوسط والموالاة يطالب علنا بعودة «خدمة العلم».
إذا كان الإيراني ومحوره في فئة الشياطين، فماذا نفعل مع «ملائكة» تل أبيب، الذين يؤسسون – بغطاء أمريكي وتواطؤ غربي – لأبشع جرائم الإبادة في التاريخ البشري ويحفرون جدارا في قلوبنا وعلى خاصرتنا في الأغوار؟!
يمكن، ولو مؤقتا، ومن باب «درء الشر الأكبر» الاحتفاظ بملاحظاتنا على «المحور الإيراني»، لكنه اليوم ضرورة لمواجهة آلة الفتك الإسرائيلية الوحشية، التي لن تعود، وهي تقتل إلى سجلات الأحوال المدنية أو الأصول والمنابت لا في عمان ولا في لبنان.
مذيع سابق وزميل سمعنا صوته في شريط دعائي متلفز، وهو يتحدث على طريقة التلفزيون السوري بجهورية حربية عن «مخاطر أصحاب الرايات السوداء»، الذين سيهجمون على بلاد النشامى قريبا.
الرد المفحم على لسان سياسي خبير هو الدكتور ممدوح العبادي استضافته قناة «رؤيا» مساء السبت، وفي طريقة لتسجيل الحوار عاد إلى «العم غوغل» ليكتشف أن أصحاب العمائم السوداء، هم نسل سيدنا علي بن أبي طالب – رضوان الله عليه – بمعنى أنهم «عرب أقحاح».
وصلة الردح والشحن الطائفي زادت عن حدها قليلا مؤخرا في وسائل الإعلام الأردنية، وفي الأثناء كانت محطة «سي أن أن» بذاتها تتوقف عند عبارات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي خاطب الشعبين اللبناني والفلسطيني باللغة العربية، فيما بعض فضائيات العرب تتحدث بـ»الصهيونية»، وليس «العبرية» فقط.
هذا التحريض الخاص لعقول السذج والبسطاء، يمكن الاستغناء عنه، وللتذكير فقط ثمة تفاهمات أنجزت في طهران ونيويورك مع الإيرانيين ونتوقع كجمهور متلق من موظفي الحكومة الرسميين إظهار بعض الاحترام لها أو الاستقالة من وظائفهم.
«بي بي سي» والسؤال الأردني
وللتذكير أيضا نحيلكم للمشهد، الذي انتقته شبكة «بي بي سي» التلفزيونية، وهي تسأل أحد الساسة الأردنيين: لماذا يرقص شباب مدينة السلط ومنطقة الأغوار فوق حطام صاروخ تم إسقاطه؟!
لا تقلل منهجية شيطنة إيران و«حزب الله» من حقيقتين أردنيتين، هما الأساس الآن: أولا – الشعب برمته مع المقاومة، ويؤيد كل من يتحدى الكيان.
وثانيا- سقطت كل اعتبارات مرحلة ما بعد اتفاقية «وادي عربة» وثقافتها عند أحذية الأطفال الرضع، الذين قتلهم الإسرائيلي والأمريكي في خان يونس أو على أطراف أحياء صور.
أصدقاء إسرائيل الغربيون يعلمون بذلك، مع أن محطة «الغد» التلفزيونية بثت الحديث، الذي وجهه وزير الخارجية الأردني لنظيرته الألمانية عندما كرر على مسامعها «عليكم حماية إسرائيل من حكومتها».
لدي دليل بالصوت والصورة على ذلك «التبديل» في قناعات الأردنيين.
مذيعة «بي بي سي» سألت الدكتور جواد العناني: هل تعتقدون أن التعايش بعد الآن مع إسرائيل ممكن، بعد كل تلك الدماء في غزة، ثم في لبنان وفي الضفة؟
سؤال يعني الكثير، وبعيدا عن الإجابة الفصيحة، التي تقدم بها الضيف للمذيعة، يمكن الادعاء أن مقاصد السؤال «أخبث» بكثير من مجرد «تسجيل وقائع»، والبحث عن إجابة، وهي نفسها تلك المقاصد، التي عبر عنها ضيف على قناة «الجزيرة» سئل عن أسباب تحول المعركة إلى لبنان، فقال باختصار «إسرائيل تريد إعادة رسم خارطة الإقليم وإخضاع الجميع والسيطرة عليهم».
عليه يمكن الاستنتاج أن المذيعة البريطانية تطرح فعلا سؤالا خبيثا، يحاول التسويق لفكرة تقول إنه لا حلول سلام ولا تعايش بعد كل هذا الدم، وبالتالي ما يخطط له الغرب واضح، بعد توفير الغطاء للكيان المجرم ومحتواه العبارة التالية «بما أن التعايش غير ممكن، على أعداء إسرائيل الخضوع والغرب سيدعم هيمنتها»!
نعم نتفق مع التشخيص، وطبعا لا نوافق على الاستنتاج.
يبدو لي أنه لا مكان لإسرائيل، وسط أهل المنطقة بعد الآن، وعلى ركابها الرحيل.