الأردن: تحقيقات حول «مدفأة الشموسة» بعد تسببها في 10وفيات… والحكومة في المنطق «الدفاعي»: «الحادثة لن تمر»

عمان- «القدس العربي»: رد فعل مديرية المواصفات والمقاييس التابعة لوزارة الصناعة والتجارة الأردنية على الحادثة التي تتدحرج باسم «كارثة الشموسة» رد متأخر تماماً بالمعنى الزمني والبيروقراطي. وهذا التأخير قد لا يخدم تلك الإدارة المتخصصة بواجبها في مراقبة المواصفات والمقاييس للسلع والمنتجات التي يستخدمها المواطنون، ولا الوزارة باعتبارها صاحبة الولاية القانونية والدستورية وجهة الاختصاص التي تقود سياسة إدارة تقييم المنتجات وبيعها بالأسواق للأردنيين.
مع أن الاستدراك الذي تقدم به صباح أمس الأحد وزير الصناعة والتجارة، يعرب القضاة، أمام اجتماع مغلق للجنة الطاقة البرلمانية، مفيد ومنتج لكن منطلقه السياسي «الأساس الدفاعي». الوزير القضاة أبلغ النواب بأن «حادثة اختناق 10 مواطنين لن تمر مرور الكرام». وقبل تصريح الوزير، برز في المشهد رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان متوعداً بـ «تحقيق قضائي شفاف» وبمحاسبة «المقصرين والمتسببين».
موقف الحكومة العلني تأخر أكثر من 24 ساعة على قضية تتدحرج وسط الرأي العام، فيما عنصر المبادرة في المتابعة والإنقاذ والتصرف وجمع المنتج المشتبه به من الأسواق سجل لصالح جهة واحدة مبادرة وسبقت الوزارة وبقية المستويات البيروقراطية، وهي مديرية الأمن العام.
واضح أن «كارثة الشموسة» كما تسمى الآن في الإعلام المحلي وعبر منصات التواصل، تبدو في طريقها للتدحرج والانزلاق نحو ملف رأي عام جديد وأزمة سياسية مفخخة في حضن وزارة الرئيس حسان، التي خرجت للتو منتصرة من مواجهة الميزانية المالية مع البرلمان.
تكتيك التعليقات الحكومية الأولى «دفاعي» عبر التقدم إلى الأمام، بمعنى «التحقق إدارياً» مما حصل، والحرص على «تحقيق على مستوى النيابة لاحقاً»، لكنه تكتيك «لا يعالج» مجدداً مبادئ» المسؤولية الأدبية والسياسية»، وإن كانت الحادثة تحتاج إلى مزيد من الوقت.
قضية «مدفأة الشموسة» – وهو اسم تجاري بالمناسبة ليس أكثر- سرعان ما سيدخل على كل خطوطها مجلس النواب، بدلالة أن لجنة الطاقة في المجلس وبعد الإعلان عن وفاة 10 مواطنين جراء استخدام مدفأة توصف بأنها مدفأة الفقراء، سارعت للإعلان عن عقد اجتماع طارئ، فيما طالب نواب بصفة فردية الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق وتدخل السلطات القضائية.
الأزمة قابلة للتدحرج سياسياً وبرلمانياً. وسارع الجمهور فور الإعلان عن الوفيات الكبيرة لمقاربة تستذكر ما حصل قبل أكثر من عامين في كارثة الكحول في مدينة الزرقاء أيضاً، علماً بأن تحقيقات الكحول المسمومة لم تغلق بعد.
في كل حال، تدحرجت قضية مدافئ الغاز الصغيرة الجديدة التي لاقت رواجاً بين الأردنيين في المحافظات بسبب رخص سعرها، وتحولت إلى كارثة الآن، والمطلوب من الحكومة تحمل مسؤولياتها الأدبية في التعاطي معها قبل دخول التحقيقات بسبب تعدد الوفيات إلى مستوى السلطة القضائية.
المسؤولية في الإطار السياسي الأدبي تقع على عاتق وزير الصناعة والتجارة صاحب مقولة «لن تمر مرور الكرام»، ثم على عاتق مؤسسة المواصفات والمقاييس التي سارعت مساء السبت للإعلان عن أنها سيطرت على منتج المدفأة تلك، وأغلقت 3 مصانع برسم التحقيق.
تلك الإعلانات كلها لن تعفي الحكومة من مواجهة عاصفة من أسئلة البرلمان وتساؤلات الشارع، خصوصاً أن الموسم الشتوي الجديد يطرق الأبواب، وعدد حالات الوفاة كبير جداً، وانتهى في عمان وإن بدا في مدينة الزرقاء المكتظة.
القضية كانت قد بدأت مع إعلان وفاة أم و4 من أطفالها من جنسية عربية في بلدة صغيرة اسمها الهاشمية في محافظة الزرقاء بسبب تسرب غاز مدفأة. لاحقاً وفي اليوم نفسه تماماً، تم الإعلان عن وفاة 4 أشخاص في البلدة نفسه بعد أقل من 24 ساعة. وفيما الفرق والأطقم الأمنية تجمع منتج تلك المدفأة من الأسواق والمحلات التجارية وتفتح أبواب المصانع والمخازن المعنية، تم الإعلان عن وفاة جديدة تصادف أنها بنفس المدفأة في العاصمة عمان.
مدفأة الفقراء تلك تتحول إلى قضية رأي عام الآن تستوجب كل أنماط التحقيقات. ومديرية الأمن العام أعلنت جمع ما لا يقل عن 5000 حبة من تلك السلعة التي اتهمت بالتسبب مصنعياً بحالات تسرب الغاز، وهي ما زالت بالمناسبة قيد الاشتباه بانتظار التحقيق الفني.
القاتل الصامت هنا هو الغاز المتسرب، وعدد الوفيات المعلنة فقط في أسبوعين بسبب تسرب الغاز بلغ 13 حالة وفاة، عشر منها بسبب مدفأة الفقراء، وثلاثة أخرى جراء تسرب الغاز في منزل لأحد رجال الأعمال في إحدى الضواحي الراقية في العاصمة عمان، في ظرف آخر لم يعلن عن نتائج التحقيق فيه بعد.
قضية الشموسة تتدحرج، وقريباً ستجتمع لجنة الطاقة البرلمانية وستبدأ حالات الاستجواب للوزراء المختصين وتوجيه الأسئلة للحكومة. وحتماً ستدخل الجهات المعنية بالتحقيق القضائي على خطوط الاشتباك لتحدد المسؤول عن: ماذا في تلك الجريمة أو تلك الكارثة؟
لكن الواضح والمرجح حتى الآن أن تهمة التقصير في المتابعة إدارياً وبيروقراطياً، ثم التسبب بحالات وفاة، هي الأساس الذي تتحرك في مساراته اهتمامات الرأي العام الآن بانتظار نتائج التحقيقات في جذر المسألة وأصلها.
