اراء و مقالات

الأردن: «دسترة» بطلان «نقابة المعلمين»… واسترسال في عملية «محو أثر الإخوان»

عمان ـ «القدس العربي»: التراتبية الزمنية مقصودة وملموسة في ملف تداعيات قرار حظر جمعية الإخوان المسلمين في الأردن. والأثر السياسي لتلك التراتبية ينطوي على رسائل سياسية حادة وواضحة، فكرتها تقليم كل أظافر الجمعية المحظورة وأثرها وتأثيرها الممتد في كل المساحات التي تغلغل الإسلام السياسي فيها طوال عقود.
آخر محطة في التصعيد القانوني والقضائي والإجرائي في الأزمة بين السلطات الأردنية والتيار الإسلامي عبرت عن ذاتها بعد ظهر الخميس في السابقة القضائية الدستورية النادرة والمفاجئة التي قررت «تقويض الجسم القانوني» لنقابة المعلمين التي طالما اتهم التيار الإسلامي- الإخواني تحديداً بالسيطرة عليها، لا بل بإخراجها عن مسارها «المهني».
المفاجأة المتزامنة فجرتها ظهر الخميس المحكمة الدستورية في الأردن، وهي أعلى هيئة مرجعية في مجال تثبيت ومراجعة ودسترة القوانين النافذة والمعمول بها.
والقرار الدستوري قال عملياً بإلغاء «الجسم القانوني» لنقابة المعلمين المتهمة ضمناً بأنها خضعت لـ «الأخونة» منذ ولادتها كجسم إصلاحي مستجد عام 2011 حيث قدرت المحكمة بالنص بأن القانون رقم 14 لعام 2011 والذي يحمل اسم نقابة المعلمين، أصبح باطلاً اعتباراً من صباح يوم قرار المحكمة الدستورية.

مسوغات القرار؟

خلافاً لتوقعات الشارع، لم تشرح المحكمة مسوغات قرارها الملزم عملياً للسلطة التنفيذية، ولم تقدم إفصاحات في الموجبات والتفسيرات، لكن دلالة القرار معروفة للجسم القانوني، وتعني أنه لا وجود بعد الآن لجسم اسمه «نقابة المعلمين».
عملياً، تقدر السلطات المختصة هنا بأنها ستعيد تنظيم جسم النقابة الأضخم في البلاد فيما كانت الحكومة قد وجهت الاستفسار أساساً للهيئة الدستورية بصيغة تشرح أولويتها السياسية، وهي – من زاوية الحكومة – مواصلة مشوار حظر الجماعة المثيرة للجدل وإنهاء الحالة التي علقت بها وزارة التربية والتعليم تحت عنوان «النقابة الأقوى في البلاد».
القاضي الدستوري المختص أكرم مساعدة، وحده وسط الجدل الذي تصاعد في عمان بعد القرار تقدم بمداخلة شارحة عبر صحيفة مدار الساعة. واستندت مداخلة المساعدة إلى فكرتين: الأولى أن «تنظيم قطاع المعلمين» عموماً ينبغي أن يعود إلى وزارة التربية كما كان طوال عقود. والثانية أن «أحد التيارات السياسية» استحكم في القطاع وأخرج النقابة عن مسارها المطلوب.
تلك على الأرجح شروحات «سياسية»، لكن الأسس والمعايير التي اعتمدت عليها المحكمة الدستورية في قرارها لم تشرح بعد، فيما علمت «القدس العربي» أن توضيحات مفصلة ستظهر لاحقاً لتحديد المكان الذي غادرت فيه «ممارسات النقابة» منطقة «ألشرعية الدستورية».
والفكرة أن هيئة دستورية عليا مرجعية لا تتأثر بالاعتبارات السياسية والشعبوية والإعلامية قررت بعد الاستفسار منها قانونياً أن القانون الذي ينظم ولادة جسم النقابة المعنية بالمعلمين أصبح باطلاً، ما يعني تلقائياً وقف أعمال نقابة المعلمين وإغلاق هيئاتها وانتخاباتها ومقراتها.
رصد هذا التطور بعد أقل من أسبوع على العبارة الجدلية التي أثارها الأمين العام لوزارة التربية والتعليم نواف العجارمة، عندما طالب علناً عبر تلفزيون الحكومة بالبحث عن «من تسبب بالحمل» وهو النقابة، حتى يتولى عملية «الولادة».
ورصد القرار الدستوري بعد نحو 3 أشهر من قرار إداري مستند إلى القضاء يقضي بحظر جمعية الإخوان المسلمين، ما يوحي سياسياً بأن «البنية الرسمية» على مستوى «الدولة» وليس الحكومة ماضية قدماً في خيارات الحظر وفي كل الزوايا والاحتمالات؛ لأن تلميحات القاضي المساعدة عملياً، تشير إلى دور التنظيم الإخواني في إخراج نقابة المعلمين عن مسارها، وبالنتيجة دوره في طي صفحة واحدة من أضخم النقابات المهنية في البلاد.

100 ألف معلم

النقابة في الواقع تمثل جسماً إدارياً في السلك التعليمي الرسمي وفي صلب «القطاع العام» مؤثر للغاية وجماهيري، ووزنه زاد عن أكثر من 100 ألف معلم على الأقل كان لهم بعد «تسييس النقابة أو أخونتها» أثر بالغ جداً في التسبب أولاً في ظاهرة الإضرابات والحراك التعليمي، وثانياً في توجيه نتائج انتخابات مجلس النواب الأخيرة، حيث مساهمة فعالة من جمهور النقابة في توفير أغلبية مقاعد في المجلس لصالح الحركة الإسلامية عبر دور أساسي وفاعل في معادلة «القوائم العامة».
ليس سراً أن قرار المحكمة الدستورية أعقب أيضاً مؤشرات تشدد في التطبيق الحرفي لاتجاه «حظر الجمعية الإخوانية» حيث منعت الاجتماعات واللقاءات والاعتصامات وأي تعبيرات لها صلة بالجماعة المحظورة. كما أعقب القرار الإعلان عن انتهاء «وجبة التحقيقات الأولى» في ملف «أموال الإخوان» وقرب إحالة أكثر من 11 قيادياً بينهم إلى المحكمة بتهمة جمع «أموال تبرعات» بصورة غير مشروعة، لا بل استخدامها أيضاً لاحقاً بصورة غير مشروعة.
وعليه، يصلح القول في الاستنتاج السياسي وخلاصته أن قرار «عدم دستورية النقابة وقانونها» هو في المنظور الوطني الرسمي العام مرحلياً خطوة أساسية في عملية صلبة فكرتها تفكيك شبكة الجماعة المحظورة و«محو سيرتها»، بحيث تصبح كل خيوطها وتأثيراتها «خارج الشرعية» حتى في نقابة المعلمين، كما حصل في انتخابات نقابات أخرى.
مصير النقابة هنا قد يواجهه حزب جبهة العمل الإسلامي على نفس المعايير والأسس إذا لم يمتثل لـ«الواقع القانوني» الجديد، مع العلم أن هيئات المعلمين التي ملأت البلاد ضجيجاً لأغراض سياسية في الماضي، لم يتضح موقفها من القرار القطعي الحاسم الذي يبطل «النقابة» ويلغي شرعيتها بوضوح شديد، بصرف النظر عن المسببات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading