الأردن: صراحة «معالي الوزير»
التحدث عن الثغرات والمشكلات أحيانا جزء فعال وأساسي في استراتيجية المواجهة

الاستمرار في سياسة تكنيس الغبار والتراب تحت السجادة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإدارة والعثرات والأخطاء في بلد مثل الأردن لا يليق لا بالحكومة الحالية وبرنامجها المعلن، ولا يليق بما يستحقه الشعب الأردني وبما يتطلبه الحرص على مصداقية مسار الإصلاح الإداري والتحديث السياسي.
نقول ذلك ليس دفاعا عن تصريحات جريئة، صدرت عن وزير عامل وفاعل في الحكومة حول الأوضاع الحقيقية والواقعية لجامعات البلاد والتي تتراجع بوضوح وبصيغة مقلقة من حيث الأداء والإنتاجية ومهنية بعض الخريجين، مع أن بعض الجامعات الحكومية كانت ولا تزال في المقدمة، عندما يتعلق الأمر بتخصصات محددة من بينها الطب والهندسة.
لم يخطئ الأستاذ الجامعي الفاضل الدكتور عزمي المحافظة عندما أشار بحكم موقعه كوزير اختصاص إلى بعض المشكلات في مسيرة الجامعات.
لا بل من أخطأ عمليا هم من يفضلون إنكار الوقائع ويطرحون شعارات من بينها الإساءة للمؤسسات في إطار رد الفعل على صراحة وزير يتطلب موقعه أن لا يتحدث بعيدا عن الوقائع والحقائق والمعلومات والبينات.
الصراحة في وزارة التعليم العالي تحديدا مطلوبة وبإلحاح بعيدا عن التسييس ومغازلة الكاميرات، وعندما تظهر بمناسبة محددة تخدم مصداقية وسمعة الحكومة وليس العكس، وتساهم في تقليص مساحات التشكيك التي يتذمر منها رئيس الوزراء وطاقمه ويهاجمها يوميا مئات الأردنيين باعتبارها مؤشرات سلبية وعدمية.
السلبية والعدمية والتشكيك أمراض اجتماعية أشبه بفيروسات، لا يمكن مقاومتها باستخدام الفلسفة الإدارية التي تحولت لقانون غير مكتوب بعنوان «نحن نخجل من التحدث عن مشاكلنا الحقيقية».
لا يمكن مواجهة التشكيك بمثل هذه الأقاويل التي يعلوها الغبار.
ولا يمكن مواجهة الرواية السلبية عن أداء المؤسسات والأجهزة والحكومات بتكنيس الغبار هنا وهناك وتحريكه تحت السجادة.
الأصل أن المكاشفة والمواجهة في قطاعات محددة، من بينها قطاعا التعليم والصحة حصرا يتوجب أن لا تخضعا لمقايسات ومقاربات التسييس وإخفاء الوقائع.
ما قاله الوزير عن انتحال وسرقة أبحاث علمية أو عن دفع المال لتصنيفات درس معروف لأولاد الكار، والسؤال المركزي هو: إذا كان وزير الاختصاص في ملف من هذا الصنف لا يستطيع قول ذلك في جلسة علمية خاصة فمن الذي يستطيع؟
التحدث عن الثغرات والمشكلات أحيانا جزء فعال وأساسي في استراتيجية المواجهة
لا يمكن التصدي للتشكيك باستهداف من يتحدثون بصراحة عن واقع الأمر والمشهد. صحيح أن واجب الوزير المحافظة قبل غيره وأكثر من غيره هو التصدي لتلك الإشكالات التي طرحها.
صحيح أيضا أن المكاشفة والمصارحة بين الناس لا تعفي الوزراء وكبار المسؤولين لا من دورهم ولا من حصتهم في الصمت والتواطؤ على أخطاء وعثرات.
لكن صحيح في المقابل أن التحدث عن الثغرات والمشكلات أحيانا جزء فعال وأساسي في استراتيجية المواجهة، والأصح أن المسؤول الجريء الميداني الذي لا يخشى الحقائق والوقائع ولا يزيف الحالة ويتجنب المكنسة والسجادة هو المؤهل أكثر من غيره لمواجهة المشكلات التي تلمسها واختبرها.
الخطوة الأولى في حل مشكلة هي حصرا الإقرار بحصولها ووجودها.
نزعم أن حكومة تقول إنها تؤمن بالتحديث السياسي والإصلاح الإداري الهيكلي يجب أن تغطي من يتحدث مع الشعب بصراحة.
حكومة واقعية تسامحت مبكرا بمبدأ الولاية العامة، ولا تزاحم أحدا فيها وتعلن جهارا نهارا أن أولويتها اقتصادية حصرا، ولا تتحدث كثيرا في الملفات السياسية، هي حكومة تريد أن تنجز في الواقع، وبالتالي يقع على كاهلها عبء الإقرار بالوقائع الإدارية كما هي حتى يبدأ مشوار الإنجاز.
صراحة أي وزير في المكاشفة العامة مكسب للدولة وللشعب، ومحاصرة أي مسؤول في أي لحظة لأنه تحدث بصراحة عن مشكلات مؤسسته استرسال في السحب من رصيد الدولة والنظام دون مبرر، وأول لبنة في الرد على التشكيك ورموزه تبدأ بإمساك الرواية الشعبية ولفت نظر الجمهور والشعب إلى أن كبار المسؤولين يريدون قلب الصفحة والصفح ولا يمكنهم ذلك طبعا بدون جرأة ومكاشفة ومصارحات.
أحسن الدكتور المحافظة القول برأينا وإصلاح الإشكال الذي تعاني منه الجامعات، يبدأ بما قاله وزيرها ولا مبرر لتلك الحملات المكارثية التي تحاول تكفير الناس أو تخوينهم أو تقليص مساحات وفرصهم، لأنهم يتحدثون ببساطة عن المشكلات.
المسؤولية الأخلاقية في العمل العام تبدأ بالتشكل من عند وجود مسؤول جريء قادر على تجنب إنكار الإشكالات حتى يستطيع معالجتها والوطنية الحقيقية تعني توفير مساحة مناورة لازمة وضرورية أمام الوزير أو المسؤول في قطاعات الخدمات العامة تحديدا.
وليس عيبا الإقرار بحصول تراجع في مستوى ومكانة مؤسسات التعليم العالي الأردنية، لا بل العيب كل العيب في الخطابات الإنشائية الديكورية التي تحاول الادعاء عكس ذلك.
تكنيس الغبار تحت السجادة لا يخدم وطنا ولا ينفع لا الناس ولا الدولة، والتراجع الإداري ملموس ويعيش معه المواطن الأردني يوميا وفي أغلب القطاعات دون طبعا تعميم ودون انتقاص من جهد الحكومات في الإعلاء من شأن الإصلاح الإداري.