الأردن: عشرات الشخصيات تدعو لـ«خفض التطبيع»… وإقامة علاقة مع المقاومة
عمان – «القدس العربي»: كان عدد من الشخصيات السياسية الأردنية الرفيعة ضمن الأسماء التي وقعت على ما سُمي في عمان أمس بـ»وثيقة النداء الفلسطيني» بخصوص المقاومة، وتطورات الأحداث في قطاع غزة قرينة إضافية على نمطية جديدة في التفكير بمدارس النخب الأردنية، خصوصاً أن معركة طوفان الأقصى تواصل تقديم أدلتها وقرائنها بصفة يومية على أن الحالة التي استقر عليها وجدانياً السياسي الأردني في الماضي القريب اعتباراً من عام 1994 تبدلت أو تغيرت بناء على معطيات ووقائع جديدة في الميدان.
وجود أسماء معروفة وطنياً من بينها ثلاثة رؤساء وزراء سابقين موقعين على وثيقة توجه نداء يطالب بفتح البلدان العربية والإسلامية أمام فصائل المقاومة والاعتراف بها ودعمها، وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، دليل إضافي على أن الأردن في النمط السياسي النخبوي على الأقل يتبدل ويتغير، وأن فرصة الاحتفاظ بالحسابات القديمة إسرائيلياً وفلسطينياً بات المهمة الأصعب حتى برأي السياسي مروان الفاعوري.
وقعت على وثيقة النداء التي أثارت ضجيجاً جيداً أمس في عدة عواصم عربية أسماء أردنية مثيرة، من بينها رؤساء الوزراء السابقون أحمد عبيدات وعبد الكريم الكباريتي وطاهر المصري، مع أنها وثيقة تدعو صراحة زعماء الدول الإسلامية والعربية للاعتراف بحركات المقاومة وإقامة علاقات مباشرة مع مكوناتها، خصوصاً حماس والجهاد الاسلامي.
وفي الوقت الذي كان فيه عبيدات أول سياسي أردني رفيع المستوى يربط فوراً بعد أيام قليلة من 7 تشرين الأول/أكتوبر بين مصالح الأردن الأساسية والمقاومة في قطاع غزة، يمكن القول إن ورود اسم سياسي اعتزل الأضواء تماماً لكنه من أهم عناصر طبقة رجال الدولة مثل عبد الكريم الكباريتي، يعدّ ملاحظة تستحق التأمل خلافاً لأن المخضرم طاهر المصري أيضاً من الشخصيات التي تشتبك مع التفاصيل منذ سبعة أعوام، وتحذر من نتائج وتداعيات مشروع اليمين الإسرائيلي في تصفية القضية الفلسطينية.
مبكراً، قال الكباريتي إن العملية الإبداعية للمقاومة في 7 أكتوبر تعوض عن الفشل العربي والخذلان الدولي. ومبكراً قال المصري عدة مرات وبحضور «القدس العربي» إن ما يفكر به اليمين بخصوص حسم الصراع في القضية الفلسطينية يضر بالأردن أو على حساب الأردن. وثيقة النداء تطالب بصراحة ووضوح صلب استضافة المقاومة واحترام كل مكونات الشعب الفلسطيني، لا بل تأسيس شبكة أمان عربية وإسلامية ووطنية داخلية فلسطينية لفصائل المقاومة قفزة باتجاه تنميط جديد على الأقل في الخطاب السياسي لدول معسكر الاعتدال.
توقيع وثيقة
أردنياً، وقعت أيضاً على الوثيقة نفسها وبالعشرات شخصيات وازنة، من بينها القطب البرلماني البارز خليل عطية، ووزير التعليم العالي الأسبق صاحب أكثر الصالونات السياسية شهرة وعمقاً الدكتور أمين محمود، والسياسي الدكتور ممدوح العبادي، والوزير السابق الدكتور محمد الحلايقة وغيرهم. الأفضلية العددية والرقمية في تواقيع الوثيقة بعدما راجعتها «القدس العربي» لصالح «الطبقة الأردنية»… ذلك يظهر مركزية تأثر الساحة الأردنية بمعطيات معركة طوفان الأقصى.
هذا الاتجاه في نمطية التفكير ليس جديداً؛ فالساحة الأردنية لم تعد تسمع لأي صوت يدعو للتعقل والتوازن وللسلام أو المفاوضات أو التطبيع، كما لاحظ الحلايقة وهو يتحدث مع «القدس العربي»، مشيراً إلى أن صوت الضمير بالنسبة للشعب الأردني ومؤسساته وتعبيره اليوم هو صوت الشعب الفلسطيني والصوت الداعي لمواجهة قتلة الأطفال والمجرمين في الحرب الذين يستهدفون شعبنا وأطفالنا ونساءنا في قطاع غزة.
الحلايقة بطبيعة الحال، أحد أبرز الداعين دوماً لمقاربة وطنية جديدة تستلهم أردنياً وفي إطار المصلحة المباشرة ما هو أهم من دروس وعظات في الحرب الدموية التي يشنها العدو الإسرائيلي على الأهل ليس في قطاع غزة فحسب، بل في الضفة الغربية المحتلة أيضاً وبهدف واضح هو تهجيرهم، وفقاً لما أشار له -حسب وسائل الإعلام وتسريباتها- رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في اجتماعه الأخير بأقطاب حزب الليكود.
مواجهة التهجير
الأردن في مواجهة التهجير ليس من العناوين البارزة الآن؛ لأن عمان السياسية والأمنية والبيروقراطية تجاوزت إظهار القلق من مخاطر اليمين الإسرائيلي والتهجير، سواء في غزة أو الضفة، باتجاه الاشتباك ليس مع الحملة الإسرائيلية العسكرية الشرسة لا بل الموصوفة أردنياً بأنها همجية فقط، ولكن أيضاً مع تفاصيل وحيثيات بناء مستقبل أو أرضية فلسطينية بصورة تضمن ولو الحد الأدنى من المصالح الأردنية، الأمر الذي يعني أن الأردن يتحرك انطلاقاً من شعوره بالخطر الشديد اليوم، وأن تصرفات إسرائيل هي الأكثر فتكاً بالمصالح الأردنية. وهو عملياً وإسرائيلياً، ما يعبر عنه زحام أكثر من 40 إلى 50 شخصية أردنية بارزة، من بينها الكباريتي وعبيدات والمصري، وقعت على نداء شبكة الأمان لصالح المقاومة المشار إليه والداعي إلى وحدة الصف الفلسطيني وتجميع الشتات والتركيز على حرمان الخصم والعدو الإسرائيلي من الأفضلية في هذه المعركة الوجودية.
التغيرات والتبدلات وسط النخبة الأردنية على الأقل أصبحت أكبر بكثير من أي فرضية لتجاهلها أو إنكارها، وصوت الدعوة إلى السلام طبعاً يخفت إلى أضيق حدود الدنيا، خلافاً لأن صوت التطبيع والبقاء في حالة غير ممانعة للعدو هو الأخفض إطلاقاً ليس فقط في الشارع هذه المرة، ولكن أيضاً داخل مؤسسات القرار التنفيذية والإجرائية التي تغرق اليوم في حسابات إعادة بناء المشهد الفلسطيني الداخلي تجنباً لحلقات الشر اللاحقة بعد انتهاء الحرب في غزة.