اراء و مقالات

الأردن فلسطينياً في «المربع الصفري»: نراقب الضفة والقدس وسط سيناريوهات الصدام العسكري إقليمياً

«كل خيارات الدولة مفتوحة» إزاء مسار الأحداث في المنطقة

عمان ـ «القدس العربي»: «كل الخيارات مفتوحة للدولة الأردنية». تلك عبارة يصبح لها مدلول سياسي عميق أكثر عندما تتصدر في الخطاب المرجعي تحديداً ما تيسر من مضمون رسالة أشارت لها تقارير الإعلام المحلي بعد ظهر أمس الثلاثاء على هامش لقاء استضافه القصر الملكي لمسؤولي أذرع الإعلام الرسمي لنخبة من الصحافيين والكتاب، في توقيت حرج للغاية تستعد فيه البلاد ومعها العباد لانتخابات نيابية مهمة يفترض أن تنظم تحت إيقاع سيناريوهات الصدام العسكري إقليمياً.
تعيد تلك العبارة مربع النقاش الحيوي الأردني الأول إلى المستوى الصفري، ويصبح مضمونها في غاية الأهمية بعدما نقلتها صحيفة عمون الإلكترونية، أبرز صحف الشبكة في المملكة، لأنها ترتبط ضمناً بالتدحرجات الحادة في القضية الفلسطينية. المضمون نفسه يصبح أبعد وأعمق عندما يقترن خطاب كل الخيارات المفتوحة أمام الدولة الأردنية بعبارة أخرى يفهم منها أن أولوية الأردن محسومة لأنه يراقب من كثب الضفة الغربية والقدس.
تلك مؤشرات تجاوزت السياق الترميزي، ولا بد من فهمها في إطار تحليل عميق للرؤية القيادية الأردنية وحالة التموقع إزاء مسار تطورات الأحداث ليس بالمعنى السياسي فقط لأن الثوابت الملكية معلنة وفي الاشتباك مع تصورات اليمين الإسرائيلي، ولكن لأن المؤسسة المرجعية سعت بوضوح لوضع بعض النقاط على الأحرف وللإجابة عن بعض تساؤلات الشارع القلقة على أمل أن يدرك أركان السمفونية في الإعلام الرسمي جوهر الرسالة والموقف والأولويات المصلحية.
عملياً، القول ضمناً إن كل الخيارات مفتوحة، يعني عدم وجود يقين حتى اللحظة على الأقل بشأن نهايات الصراع الحالي المندلع الذي بدأ في غزة، لكنه بفعل إصرار اليمين الإسرائيلي على جرائمه امتد وتوسع للإقليم.
قد لا يعني ذلك الكثير إلا بحجم التمسك باستراتيجية الثوابت المعلنة، وقد لا يعني الكثير إلا إذا علم المراقبون والخبراء بأن اللحظة التي اغتالت فيها إسرائيل القائدين اللبناني فؤاد شكر والفلسطيني إسماعيل هنية، كانت لحظة عصيبة وانتهت بغضب وانزعاج عارم في المؤسسة المرجعية الأردنية، تكرست معه قناعة بأن اليمين الإسرائيلي يلاعب بالجميع.
ما توحي به إشارات لقاء الأمس الحيوي هو عدم وجود يقين سياسي من أي صنف لا مع الأمريكيين ولا مع الإسرائيليين، ما يعني ضمناً بأن الأردن مضطر للاحتراز ولإبقاء الخيارات مفتوحة في الرد والاشتباك وفي التعاطي مع ما وصفه وزير الخارجية أيمن الصفدي عندما ناقشته «القدس العربي» بنظام الإشغال بالمصالح الأساسية والطوارئ.

«كل خيارات الدولة مفتوحة» إزاء مسار الأحداث في المنطقة

لعل تلك الخلاصة يمكن الانتباه لها عندما يتعلق الأمر بالتتابع الزمني في التوقيت، فقاعدة أو سيناريو بقاء الخيارات مفتوحة أعقب طرق الأردن لنافذة إيران بهدف الاطلاع والاستكشاف عبر الزيارة المثيرة التي قام بها الوزير الصفدي لطهران منذ أسبوعين وأعقبها سلسلة طويلة من التصريحات والبيانات الرسمية التي تطرح فكرة الحياد السيادي الأردني في حال اندلاع صدام عسكري بين إسرائيل وإيران.
العنصر الأكثر إثارة يتمثل الآن في أن النخبة الرسمية والبيروقراطية الأردنية أقرب إلى ما قاله يوما لـ «القدس العربي» رئيس الديوان الملكي الأسبق الخبير الدكتور جواد العناني، عندما اقترح بأن الإدارة الأمريكية الحالية ضعيفة، واليمين الإسرائيلي يتلاعب بها، والحلفاء والأصدقاء في المنطقة مرهقون ويدفعون الثمن.
لذلك، فالقول بأن الخيارات مفتوحة هو مؤشر على أن عمان لا تتوقع شيئاً محدداً، وليس في ذهنها سيناريو معطيات ثابت، وحكومتها على الأرجح تتعامل مع الأحداث بنظام القطعة والتقسيط ضمن ركنين في الثوابت: الأول هو مصالح الدولة الأردنية التي تتطلب بقاء كل الخيارات مفتوحة، والثاني دعم وإسناد الحق الفلسطيني، لا بل حل الدولتين أيضاً إن جاز التعبير، الأمر الذي يتطلب تذكير الأردنيين جميعاً بأن مجساتهم ودولتهم ومراجعهم تراقب من كثب وبحرص دقيق الأوضاع في القدس والضفة الغربية.
وما يخص الضفة الغربية والقدس، بات واضحاً أن كل الاحتمالات واردة، وأن المؤسسة الأردنية تشعر بمخاطر تلك الاحتمالات. لذا، تراقب وتضع في ذهنها سيناريو الخيارات المفتوحة، التي كان على رأسها ـ وفقاً لمقال شهير قبل أشهر للعناني تحديداً ـ سيناريو الصدام حتى العسكري مع إسرائيل في حال اختراق خطين من خطوط حمراء ثلاثة، أهمها القدس والدور الأردني فيها، وبينها تهجير أهل وسكان الضفة الغربية في اتجاه الشرقية.
لا مجال للقول بعد الرسالة المرجعية التي طفت على السطح ظهر الثلاثاء، بأن الأردن في مسألة التهجير والقدس برسم أو بصدد احتمالية التحدث بلهجتين. وعليه، المراقبة من كثب للوضع في القدس والضفة ثم القول ببقاء كل الخيارات مفتوحة أمام الدولة، يعني الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، لا بل قد يعني الاشتباك أكثر مع الإسرائيليين إذا أصروا على العبث بالطبق الأردني هنا.
تلك طبعاً على الأرجح، رسالة طمأنة للرأي العام المحلي. وثمة رسالة موازية للأصدقاء والحلفاء بصرف النظر عن هويتهم، تلوح بجدية الأردن في ملف الثوابت وليس بتهديد أي طرف وبصيغة تنسجم مع ما قاله رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز، عندما تحدث لـ«القدس العربي» مؤخراً وهو يطرح معادلة قواعد الاشتباك، مشيراً إلى أن الأردن بمؤسساته وقيادته، لا يسمح بالاعتداء عليه، وبالتأكيد سيدافع عن نفسه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading