اراء و مقالات

الأردن في معادلة «الشعب يريد إجراءات»… وبعد «بدعة ترامب»: اتصالات أعمق مع لندن وروبيو والأصدقاء

عمان- «القدس العربي»: ما يقال في بعض الأروقة الرسمية والسياسية والبيروقراطية الأردنية بعد عناوين الضجيج التي رسمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص تهجير مليون ونصف فلسطيني للأردن ومصر، هي «عبارات» أقرب إلى السخرية من هذا الطرح والحرص على إظهار عدم جديته دون إسقاط مخاطره وأهميته.
الفكرة هنا أن ترامب يقول هو ما يفكر به أو يخطر في ذهنه، وليس ما يخطط له في الواقع.
اجتهد كثير من الشخصيات الرسمية بعد 3 أيام عاصفة في البعد الشعبي تحديداً عند الأردنيين في توجيه بعض الشروحات والتفاصيل لترسيم حالة من الطمأنينة العامة التي تحيط بها تأكيدات تولاها أمام البرلمان وزير الخارجية أيمن الصفدي بعنوان الثوابت المألوفة الرافضة بصلابة لسيناريوهات التهجير، لا بل تقدم الصفدي خطوة إضافية باتجاه الالتزام العلني بإجراءات تتصدى لسيناريوهات التهجير.
اللهجة الصلبة لا بل الخشنة قليلاً التي استخدمها وزير الخارجية وسط أعضاء البرلمان، أصبحت محطة مركزية خلال 3 أيام في كل المتابعات الشعبية.
المعنى هنا، أن خطاب مسؤول الملف الدبلوماسي في الحكومة الأردنية يحاول باجتهاد تجاوز الرأي العام ويقوده لصالح خطاب الثوابت.
تلك مهمة منتجة في مقايسات المهارة الإعلامية تحديداً التي يتمتع بها وزير الخارجية، لكن ما يلاحظه مراقبون عميقون هو أن بقية أعضاء المجلس الوزاري الذين يديرون الشأن الداخلي والمحلي لم تصدر عنهم مداخلات علنية حتى بعد 3 أيام من تصريح سلم الطائرة الشهير للرئيس الأمريكي.
أين الوزراء أصحاب الاختصاص الذين تتطلب طبيعة مواقعهم مخاطبة الشعب؟ أين أذرع الإعلام الرسمي عن خطاب الثوابت وتحشيد الجمهور كما طالب علناً مراد العضايلة، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين؟
سؤالان يطرحهما الجمهور في الشارع بكثافة في إطار الهوس والشغف بصناعة وترسيم مشهدية وطنية شاملة توافقية ترد على الرئيس الأمريكي وطروحاته، ما يظهر تقدير الرأي العام لما قاله وزير الخارجية. ولكنه يتجاوز في موقفه الحالي وتموقعه ما يمكن قوله من جانب بقية أفراد الطاقم الوزاري؛ لأن المطلوب هو تدشين مرحلة «إجراءات» لا تقف عند حدود الإنشائيات، كما يطالب السياسي والبرلماني، الدكتور ممدوح العبادي.
الدعوة لإجراءات، تصدرت كل البيانات والمجالسات التي أنتجها صخب تصريح ترامب بين الأردنيين. وحتى اللحظة لم يلجأ المتداخلون إلى تعريف ما هي الإجراءات المطلوبة.
الخبير المهتم الدكتور سنان شقديح، يقترح: «ما يقوله ترامب على سذاجته ليس مجرد لغو سياسي، والمطلوب الوقوف ملياً عند محطتين: الأولى محطة قرار ترامب بسحب السفيرة الأمريكية في عمان دون تسمية بديل لها سريعاً، والأخرى محطة شمول الأردن بالقرار التنفيذي الذي يؤدي إلى تجميد المساعدات لمدة 3 أشهر». تلك إشكالات ينصح الدكتور شقديح بتأملها أكثر، ويتعامل معها الجمهور الأردني الاشتباكي عبر منصات التواصل باعتبارها أدوات هجومية من جهة ترامب تمهد للضغط على الأردن لقبول التهجير.
القراءة البيروقراطية الرسمية، بالمقابل، لا تصل إلى هذه الحدود. وتأخير وزير الخارجية للإدلاء ببيان نحو 24 ساعة على الأقل، قد يعني أن ما أثاره الرئيس الأمريكي من بلبلة وانفعال وسط الشارع الأردني ستحمله المؤسسة الأردنية إلى مستويات الغرف المغلقة قليلاً قبل الانطلاق نحو انطباعات غرائزية.
والمعنى هنا، وفقاً لما يشرحه الخبراء الرسميون، أن اقتراحات ترامب التهجيرية خطرة وحساسة، واستوجبت موقفاً معلناً بتوقيع وزير الخارجية، لكنها قد لا تشكل خطراً داهماً الآن، ليس لأن تلك الاقتراحات لم تطرح في لقاءات مغلقة بين الدول كما تقتضي الأعراف والتقاليد، ولكن أيضاً لأنها اقتراحات سبق طرحها عدة مرات ومنذ عام 1967 لأنها رفضت تماماً في كل مرة، ومؤسسات العمق الأمريكي تعلم ذلك جيداً.
في الشرح الرسمي خلف الستائر إشارات محددة تتعامل مع تصريحات ترامب وكأنها أقرب إلى صيغة الدعاية والإعلان بالرغم من عدم وجود تفسيرات من إدارته بعد لجزئية حجب المساعدات أو شمول المملكة بالحجب أو جزئية سحب السفيرة يائيل لمبرت قبل انتهاء ولايتها بـ 6 أشهر، لأن المساعدات ملف لدى الكونغرس وليس الرئيس في المحصلة.
تظهر الدولة الأردنية إطاراً من الصبر الاستراتيجي بهدف إجراء اتصالات أعمق، لكنها تركت الميكروفون بالتوازي ضد خطة ترامب لوزير الخارجية وبعده الشارع والقوى الحزبية، الأمر الذي يفترض الخبراء أنه يمهد لنقل الحوار لمستوى عميق أكثر تفهماً ورشداً، ليس مع إدارة الرئيس ترامب الحقيقية فقط ولكن مع مؤسسات الصديق الأوروبي المقرب من مؤسسات العمق الأمريكية.
لا ترى المؤسسات العميقة في عمان أن مصلحة الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي تتحقق، لا عبر التهجير ولا عبر التلويح به، خصوصاً وسط المجتمع الأردني الذي وصل إلى مستويات متقدمة من الحساسية في التعاطي مع ملف التهجير المرفوض بصورة جذرية خشنة جداً من كل مكونات مجتمع الأردني.
ثمة اتصالات خلف الستائر جرت مع لندن تحديداً خلال الساعات القليلة الماضية.
لاحقاً، تم الإعلان بعد ضجيج تصريح ترامب عن اتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني صاحب الثوابت الأساسية في القضية الفلسطينية، وبين وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو.
لم تعلن تفاصيل تلك الاتصالات لا مع روبيو ولا مع لندن ولا مع الأصدقاء الأوروبيين الذين قيل مبكراً إنهم ضيوف مع الأردن في مساحة المعاناة مقابل إدارة ترامب في السنوات الأربع المقبلة.
الدولة الأردنية بالإطار الشمولي، أبلغت الداخل والخارج بموقفها الرسمي. لكنها حتى اللحظة تسترسل في جملة تكتيكية اعتراضية متزنة ودبلوماسية بعيداً عن ضجيج الإعلام والرأي العام. بل الأهم: الوزراء الأساسيون في الحكومة الأردنية يتجنبون الإفتاء في الملف الذي أصبح جماهيرياً الآن وتدحرج تحسباً لعدم التسرع، وتجنب الانفعال مرحلياً على الأقل لإخلاء الساحة للفعل الدبلوماسي السياسي العميق.
الشارع الأردني دخل في حالة هوس بتصريحات ترامب الابتزازية. وبوصلة الشارع هنا تركت لها مساحة مرنة من التعبير عن المزاج الشعبي.
مرحلة الإجراءات لم تتضح بعد، لأنها لم تقرر بصفة تفصيلية على الأرجح بعد. والإعلام الرسمي لم يدخل بقرار واضح على معادلة تحشيد الجمهور والرأي العام.
المشهد برمته يوحي بأن الجميع، أردنياً على الأقل، بانتظار صافرة حاسمة على المستوى الأعمق بعد تقييم وفحص ما يوصف في الأروقة المغلقة بالبدعة أو الدعابة التي أطلقها ترامب كبالون اختبار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading