الأردن: لماذا يتهكم الحرس القديم والمحافظ على «أحزاب المنظومة» ويحاول إعاقتها؟
الحملة المسمومة في بعض تفصيلاتها وهي تتهكم أو تحاول السخرية من الأحزاب القائمة تعكس القناعة بأن التوافق الذي قيل عن مخرجات لجنة تحديث المنظومة لا يبدو دقيقا أو صحيحا.
عمان ـ «القدس العربي»: ضمن إحدى الزوايا الحرجة يلتقط السياسي الأردني اليساري البارز بسام حدادين ما يمكن اعتباره جوهريا ولو نسبيا في سؤال أزمة التحديث السياسي في البلاد عندما يصل إلى الخلاصة التي تقول إن «نخبة القاعدة الاجتماعية والسياسية في الحكم تريد التشهير بالأحزاب السياسية».
اتهام ليس من السهل تبنيه إلا من شخصية إشكالية وجريئة مثل حدادين، خصوصا بعد ما لاحظ الجميع بأن من ينتقدون مسيرة الأحزاب السياسية الجديدة هم رموز الحرس القديم في الدولة أو مجموعات التيار المحافظ، كما لاحظ الجميع بالمقابل أن حدة نقد التيارات المحافظة للأحزاب السياسية زادت مع الاقتراب من يوم الاستحقاق الانتخابي وهو 10 أيلول/سبتمبر المقبل.
حدادين طبعا حاول التعليق على ما أثاره من نقاشات رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي وهو رمز اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، عندما حذر علنا مرتين من استعجال الأحزاب السياسية عشية الانتخابات البحث عن طموحات الحقائب الوزارية.
الرفاعي اعترض بصورة علنية على الذهاب بشكل متسرع باتجاه تشكيل حكومات أغلبية برلمانية الآن وحدادين في تعليقه استثنى الرفاعي لأن منطلقاته التي من الصعب التشكيك فيها بحكم العديد من الاعتبارات هي الحرص على رسوخ وتثبيت أركان ما قررته اللجنة الملكية.
بكل حال بالتوازي الارتفاع بمنسوب النقاش لا بل أحيانا الرسائل التي تحاول التهكم على الأحزاب السياسية الحالية عن بعد ملموس مؤخرا، مع أن لاعبا أساسيا في لجنة التحديث وهو رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات موسى المعايطة اقترح مبكرا عبر «القدس العربي» على الشخصيات التي تجلس في شقة طبقة رجال الدولة إصلاح عملية التحديث نفسها وتطويرها بالانضمام إلى تشكيل أحزاب سياسية.
وجهة نظر حدادين أن من يميلون إلى تشويه الأحزاب السياسية الآن هم يمثلون تلك الطبقة التي تخشى على نفوذها ومصالحها من السياسيين، ووجهة نظر المعايطة كانت بمعنى التأكيد بأن الانضمام للتجربة لتطويرها أفضل من إلقاء الحجارة عليها عن بعد.
حصلت طبعا بعض الأخطاء في التحضير وبرزت طموحات وأجندات. لكن ذلك لا يعني أن النقد المباشر للأحزاب ومن قبل رسميين أو متقاعدين سابقين تعبير عن جملة بريئة ليس فقط لأن خصوم التحديث السياسي هم أنفسهم خصوم الديمقراطية والإصلاح السياسي ويكررون هجومهم الآن ولكن لأن اليقين واضح بأن عملية منهجية خلف الستائر تجري لتغيير «التركيبة النخبوية».
ولأن محور وجوهر هذه العملية الآن بروز شخصيات جديدة في المجتمع على رافعة العمل الحزبي.
وجهة نظر القيادي البارز في حزب الميثاق أكبر أحزاب الوسط محمد الحجوج تقول: لا بد من إشعال الضوء والشموع والحرص كما قال الحجوج لـ«القدس العربي» مؤخرا على التشكيك بما يجري بدون مبرر تصنيفه انه سلبية وطنية ان لم تكن تعبيرا عن رغبة منهجية في إعاقة المسيرة.
الحجوج مثل غيره من كبار الشخصيات في حزب الميثاق يؤمن بأن مسار التحديث السياسي انطلق ويشكل فرصة للدولة والناس معا.
وقد سمعت «القدس العربي» تعبيرات إيجابية تنبذ السلبية من قيادات واجهة في حزب إرادة الوسطي أيضا فيما المفارقة أن حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض لا ينتقد ولا يسيء لبقية الأحزاب السياسية. ولا يشكك بها كما يفعل بعض حراس التيار المحافظ منطلقين من زوايا تحاول تضليل الجميع فكرتها أن الولاء الحقيقي يمكنه التشكيك بمسار تحديث المنظومة السياسية، وهي فكرة مضللة بكل حال مع أن المسيرة عليها بعض الملاحظات تهدف إلى إبراز تلك الانتهازية السياسية بمضمون يهاجم ما تقرر التوافق عليه وطنيا وملكيا انطلاقا من مزاعم الولاء المطلق.
ثمة ملاحظات بالجملة على الأحزاب السياسية الجديدة. وثمة ملاحظات بأكثر من الجملة على كل تبريرات منطق التدخل في بناء الأحزاب أو الانتخابات.
لكن تلك الملاحظات تبقى جزءا من منظومة تلقائية تنتج عن بناء مشهد جديد.
والواضح أن مستوى تفاعل الأحزاب الجديدة تحديدا وفي بعضها الناضج ينتهي بهواجس ومخاوف طبقات انتهازية لا تؤمن أصلا بالعمل الحزبي وتحتكر الحقائب والمناصب عبر الادعاء بأن الأحزاب ليست ناضجة ورموزها المتحركون هم اليوم خارج الكفاءة.
منطقيا يفترض بالصف الأول من طبقة رجال الدولة دعم الرؤية والمسار لا بل المساهمة في تعويض الفاقد من نضج العمل الحزبي بالانضمام والالتحاق والتأثير وتجنب ترك الساحة والمساحة لغير الناضجين افتراضيا فيما الحملة المسمومة في بعض تفصيلاتها وهي تتهكم أو تحاول السخرية من الأحزاب القائمة تعكس مجددا القناعة بأن التوافق الذي قيل للجميع عن مخرجات لجنة تحديث المنظومة لا يبدو دقيقا أو صحيحا.
تتأثر الأحزاب رغم الجملة المرجعية التي قالت إنها ستشكل المستقبل بصنفين من المحبطين والسلبين. الأول يمثل تلك الشريحة البيروقراطية الوظيفية التي تتحمس لهندسة الأحزاب الجديدة وفق منظور ضيق. والفئة الثانية تلك التي تشكل سياسيين محافظين أو متقاعدين لا يريدون المشاركة بالزراعة بقدر ما يشاغبون على المنتج فقط.
هذه المحنة المحلية واجب قيادات الأحزاب الوسطية تحديدا والمدنية التصدي لها وإثبات سوء الحسابات الانتهازية.