اراء و مقالات

الأردن: نتنياهو «افتعل» المعركة لإحباط «مبادرة تموز»… يتجه لضرب «العراق» ويعزف «الحرب الدينية»

عمان ـ «القدس العربي»: النقاش في مربع سيناريو «النأي بالنفس» الأردني إزاء المعركة الجوية الطاحنة بين إسرائيل وإيران، ينبغي له الامتناع عن مغادرة «سردية وطنية محكمة ومقنعة» إعلامياً على الأقل لا علاقة لها بمناخات منصات التواصل والتسريبات الإعلامية التي بدأت تكثر من طرح أسئلة يمكن الاستغناء عنها.
بدأت أوساط إعلامية محلية تميل إلى المزايدة والاتهام أكثر بكثير من تقديم رواية منطقية تساعد الدولة في خياراتها، الأمر الذي يساهم بدلاً من الارتهان مجدداً للاستراتيجي الآمن في لحظة إقليمية حرجة للغاية، في تراكم السرديات الضعيفة والهشة عبر البقاء في منطقة «سطح الحدث» وأسئلة ذلك السطح بدلاً من الغرق في تحليلات أعمق تحتفظ مراكز القرار في الواقع بمعظمها.
التركيز على ملف قواعد الاشتباك الجوي عملياً هو المثال الأبرز على نقاشات لا ضرورة لها أو يمكن الاستغناء عنها ما دامت تقررت بالمستوى السيادي، في الوقت الذي يمكن فيه بناء استنتاجات والوصول إلى خلاصات محددة في «التموقع الأردني» من «حرب نتنياهو الجديدة المفتعلة» ضد إيران ـ كما وصفت فعلاً في مقرات الإدارة العليا.
صيغة حرب مفتعلة يقترحها على أساس «ديني» هذه المرة طاقم حكام تل أبيب، لا تقود عند مراقبة أداء الإعلام الرسمي في عمان إلى أي روابط منتجة مع «الفهم المركزي» الذي يتم إبلاغه لسياسيين وإعلاميين خلف ستائر القرار.
لا علاقة منطقية بين الفهم القائل بأن نتنياهو «يجر المنطقة» إلى مربع «حرب دينية» وبين الخلاصة التي وردت تلميحياً حتى في بيانات رسمية أردنية تقول «إيران تحاول الزج بالأردن في حربها وأجندتها».
ولا علاقة منطقية بين الرسائل التي تصر على «تخويف الأردنيين «حصراً من «المشروع الإيراني» بعدما أخرج العراق من السكة، وبين «قناعة» مراكز القرار الأساسية في عمان بأن الخطوة التالية في مسلسل نتنياهو العدواني بعد «إخضاع إيران» هي حصراً «فتح معركة ضد العراق».
والأهم هو الاستنتاج المتأخر الذي يردده خبراء الطاقة والكهرباء الآن بعد انقطاع واردات الغاز الإسرائيلي، والقائل بأن حل أزمة كهرباء متوقعة إذا استمر التصعيد في «مشروع بتقنية صينية» سبق أن حاربته حكومتان على الأقل لأسباب سياسية.
المعنى هنا أن الولايات المتحدة تورط الأردن بصفقة غاز إسرائيلي ثم لا توفر ضمانات لتوريد الغاز في حالات الطوارئ، فيما المشروع بتقنية صينية الذي حاربته أمريكا في الأردن علناً قد يصبح قريباً «الحل الأفضل والأرخص» لإدامة إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي.
تلك المقايسة العمياء عملياً مؤشر إضافي على تناقضات لا يصلح تمريرها في السردية الأردنية في وقت «أزمة حرجة جداً» كما يراها اللاعب السياسي البارز الدكتور ممدوح العبادي، وهو يراقب الحيثيات في الإقليم.
والأهم سياسياً أن من يظهر حماسة ضارة أثناء رغبته في الدفاع عن موقف رسمي أو عملياتي أو سيادي لا يحتاج لأسناد عملياً، يسقط من حساباته ما يقال في الغرف المغلقة للقرار عن «الأسباب التي دفعت نتنياهو لافتعال المعركة العسكرية الحالية مع إيران»، والعنوان الأبرز هنا هو «إحباط المشروع العربي- الأوروبي في تموز المقبل بخصوص توسيع قاعدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية».
راهن الأردن كثيراً على «تنسيقات» مع الأوروبيين بهدف إسناد مشروع «الهندسة العكسية» الأوروبي القائل بـ «الاعتراف بشرعية الدولة الفلسطينية» كمدخل لوقف الحرب في غزة وعودة الاستقرار في المنطقة.
تلك الرهانات هي السبب المرجح لقناعة دوائر القرار الأردني بأن نتنياهو وبتواطؤ ما من بعض مراكز النفوذ الأمريكية، خطط جيداً لإجهاض «مشروع هندسة تموز» عبر فتح صفحة العدوان العسكري الأخير على الجمهورية الإيرانية.
معلوماتياً، تلك معطيات تقال خلف الكواليس الأردنية في إطار القراءة والمتابعة والفهم المتقدم لما يجري ولما ينبغي أن يجري لاحقاً.
في المقابل، تهدر مؤسسات الإعلام الرسمي ومعها بعض الأجهزة البيروقراطية، الوقت والجهد في مساحة متكلسة من النقاشات السطحية بعنوان الرد على «تشكيك» يمكن طبعاً ودوماً تجاهله ويختص بقواعد الاشتباك مع الأجسام الطائرة التي تحاول «اختراق» الأجواء الأردنية، رغم أن المرجع البارز في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم، اقترح مؤخراً على كل المنشغلين والمشتبكين إعلامياً «التفريق» ما بين «الفضاء والمجال» الجوي الأردني.
التعبيرات التي يقصدها القاسم «فنية وقانونية» ولا علاقة لها بالسياسة أو العمليات، لكن الأهم هو الاسترسال في رصد «تعليقات متناقضة» تركز الاهتمام على مسائل «سطحية»، فيما التحليل التشخيصي الأعمق لمواقع القرار في الدولة يبدو الأبعد عن تعبيرات السلطات في الإعلام المحلي، ما يزيد في حيرة الرأي العام.
المؤسسة الأردنية في الواقع وعلى لسان الملك عبد الله الثاني شخصياً أولاً ثم على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي ثانياً، وجهت أصابع الاتهام بوضوح شديد للجهة التي تراها مسؤولة عن التصعيد العسكري الأخير، وهي إسرائيل، المتهمة أردنياً بافتعال المعركة.
ولا يقف المشهد أردنياً وسياسياً على الأقل عند هذا الحد؛ فالاتهام أعقبه تحميل مرجعي مباشر وصريح أيضاً لمسؤولية التصعيد واختراق القانون الدولي والاعتداء على إيران للجانب الإسرائيلي. ذلك ما تقوله عمان دبلوماسياً عملياً الآن ومنذ 4 أيام خلف الستائر والكواليس مع وزراء الخارجية في أوروبا والعالم الإسلامي الذين تتواصل معهم.
الموقف السياسي واضح، لكن معايير المشهد تختلف عندما يتعلق الأمر بالحرص عملياتياً على «الحياد العسكري والدفاعي»؛ لأن الجغرافيا الأردنية عالقة في الواقع تحت وابل من القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading