اراء و مقالات

الأردن: نتنياهو «الواهم» وإسرائيل «المحاصرة»… كيف تقرأ «حكومة حسان» المخاطر والتهديدات؟

عمان- «القدس العربي»: عملياً، القراءة التي تقدم بها مساء الثلاثاء رئيس الوزراء الأردني الدكتور جعفر حسان، تمثل في واقعها الزاوية التي تقرأ منها الحكومة والمؤسسات الرسمية تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأخيرة عن «حلم إسرائيل الكبرى».
ما قاله حسان باختصار بسيط ومباشر، على هامش استقبال نظيره اللبناني في أول لقاء بين الحكومتين، وفكرته «مشروع إسرائيل الكبرى وهم لسياسي متطرف… شعوب المنطقة والعالم لن تغفر جرائم إسرائيل المعزولة المحاصرة المحاربة دولياً».
أهمية تصريح حسان تكمن في أنه «نادراً ما يتحدث في الملف السياسي» ويمثل رأس الهرم البيروقراطي، والأهم يعكس «التقدير» الخاص عندما تحتفظ به دوائر القرار المرجعي والمركزي.
الأكثر أهمية سياسياً وإعلامياً، قد يكون أن الرئيس حسان قرر التحدث في المسألة لسبب ما لا يزال غامضاً، وإن كان المتوقع في مستوى الأسباب هو التفاعل ثم الرد على تساؤلات وشكوك الجمهور والرأي العام، حيث أغضب نتنياهو قطاعاً واسعاً جداً من الأردنيين، و»أقلق» غالبية شرائح الشعب الأردني. وبدت وزارة حسان على الأقل في مواجهة ما تسميه بـ «أوهام اليمين الإسرائيلي» متعقلة وتطلق تصريحات متزنة واثقة ولا تتورط بالشعبويات.
وعليه، يصبح السؤال: هل يقبل الشارع الأردني من حسان وحكومته التأويل القائم على أن إسرائيل «أضعف دولياً» من أن تمضي باتجاه طموح مشروعها الكبير، ويعني ضمناً الاعتداء على 6 دول عربية على الأقل في جوار فلسطين المحتلة؟
جواب الحكومة على السؤال بصيغته الشعبية قدمته الحكومة في روايتها والقائمة ضمناً على «نتنياهو واهم ووضع حكومته الدولي صعب ومعقد»، وعلى مشروع تفعيل وعودة خدمة العلم العسكرية السابق لتصريحات نتنياهو، وقد لا يكون له علاقة بها أو بنوايا الاشتباك مع إسرائيل.
لكن جواب الحكومة تحفظه المستويات الشعبية، وإن كانت «لا تتقبله» ببساطة؛ لأن الحكومة لم تتقبل بعد مقترح أن جرائم إسرائيل في غزة بدلت وغيرت في كل المعطيات وأعادت ضبط إعدادات مخاوف الشعب الأردني بصفتها جرائم خارج المنطق الأخلاقي البشري- كما وصفها في حديث مع «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، وجرائم أرهقت روح الأردنيين ودفعتهم عموماً للتشكيك بجدوى وإنتاجية السلام والتعايش، مع عدم توفر ضمانات بأن لا تصبح عمان هدفاً بعد رام الله وغزة والأغوار، وهو ما لا يستبعده الخبير القانوني الدكتور أنيس القاسم، بل لا يجرؤ أي سياسي أو ملاحظ على إنكاره بعد الآن، كما يقدر المحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة. وهنا يرد حسان بنفسه على «التخوفات» ويكشف عن تقدير مؤسسات القرار بخصوص تصريحات نتنياهو المثيرة للجدل، مخففاً من الاهتمام الرسمي بتلك التصريحات، ومراهناً مرة جديدة على «ما يقبله المجتمع الدولي»، مع أن الأخير -كما يقول العياصرة- «سقط تماماً بامتحان غزة».
حسان كان يمكنه ترك السؤال لتتفاعل الأجوبة أو لتجيب إسرائيل نفسها علناً بأنها «تسحب تصريحات نتنياهو»، ولا تقصد ولا تريد «تهديد الأردن»، لكن خيار «طمأنة الرأي العام» بمقولة «أوهام اليمين وإسرائيل هي المحاصرة الآن» اتجهت له الحكومة لأسباب على الأرجح، بصرف النظر عن إنتاجيته في تخفيف أو احتواء مخاوف الرأي العام وهو يرحب بتفعيل خدمة العلم ويصفق بحرارة للقرار بسبب صعوبة إنكار مخاوف اليمين الإسرائيلي.
ومع أن ما قاله رئيس الوزراء يستوجب النقاش ويحتاج لكثير من التفصيلات، فإن الإجابة الوحيدة التي أتيحت في الوسط الإعلامي عن سؤال الصدام والعدوان سجلها السياسي والبرلماني الأردني البارز الدكتور ممدوح العبادي، وهو يطالب مجدداً عبر «القدس العربي» بأن تسقط من حسابات الأردنيين سردية «نتنياهو الشخص» لأنه مجرم غير مهم لزاوية فهم التهديدات بتوسيع إسرائيل على حساب المملكة، فيما الشخص هنا ليس شخصاً، بل مؤسسة دولة معادية انتخبت أشخاصاً لإنجاز الأهداف المختلة التي ينطق بها نتنياهو وصحبه من الوزراء المتطرفين.
ما يقترحه العبادي تجنب «النوايا» وتجاوز خطاب «اتجاهات العالم»، والبدء فوراً بتدشين إجراءات على أساس حقيقة «تاريخية» تقول إن الصراع بمعناه الأردني «حتمي وقريب»، وواجب الحكومة والمؤسسات بلا تردد هو الاستعداد وتهيئة الأردنيين وبناء ثقافة التصدي والاشتباك، فيما يرى العياصرة أن «برامج اليمين الموتور» في تل أبيب لم تعد مجرد أوهام وطروحات، بل وقائع تحصل على الأرض.
الحكومة وهي تحاول «طمأنة» الرأي العام، عليها واجب الإجابة عن أسئلة أصغر مثل: هل لدى الحكومة الأردنية ضمانات من واشنطن؟ هل تقدم أي طرف قوي في منظومة الكيان بخطاب يؤكد أن ما يقوله نتنياهو يمثله شخصياً فقط؟ ما سر ولغز صمت واشنطن على تصريحات نتنياهو الأخيرة؟
طبعاً، مجلس وزراء الأردن لا يريد الخوض في اقتراح إجابات على مثل تلك الأسئلة الحساسة حتى لا تتهم الحكومة باللحاق بالتخوفات والخطابات الشعبوية، مع أن الأيام الـ 6 التي أعقبت تصريح نتنياهو الشهير التهبت فيها مشاعر الأردنيين ودون أدنى بيان أو تصريح لأي مسؤول إسرائيلي أو أمريكي يختص بطمأنة الأردنيين.
سياسيون كبار وخبراء في الأردن زادوا وعادوا في ملف «أطماع اليمين الإسرائيلي».
المصري طالب المسؤولين بالتوقف عن «إنكار المخاطر» عدة مرات، كما سجلت «القدس العربي». وصرح الدكتور مروان المعشر علناً في عدة ندوات بأن «رموز حكم تل أبيب اليوم يريدون إقامة الوطن البديل في الأردن».
وخبير من وزن الدكتور محمد حلايقة، صرح بأن ما تريده إسرائيل أبعد من مجرد «الوطن البديل». والدكتور جواد العناني، اعتبر خلال نقاش الأسبوع الماضي بحضور «القدس العربي» بأن «الأوراق المختلطة» حالياً في المنطقة يفترض أن تقود إلى «منطقة ما».
قائمة الساسة الأردنيين المعبرين عن المخاوف والمطالبين بالاستعداد لمعركة مع «عدوان إسرائيلي» هي قائمة طويلة جداً، ولا تشمل رموزاً مصنفة بالمعارضة الإسلامية أو محسوبة على السياق الشعبوي، بل طبقة لا يستهان بها من «رجال الدولة الخبراء».
وتلك المخاوف في أغلبها سبقت تصريحات نتنياهو التي حضرت لتأكيد مؤكد في مقايسات الأردنيين.
وعليه، يصبح السؤال على طاولة رئيس الوزراء: على أي أساس قررت الحكومة تقديم روايتها فجأة للحدث بعيداً عن مخاطر وشيكة وسط الإيحاء بأن إسرائيل هي التي في الخطر وليس جوارها؟
طبعاً، ينبغي الامتناع عن توقع «إجابة سريعة وصريحة».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading