اراء و مقالات

الأردن: «هاجم المقاومة واحصل على وظيفة»… أيهما الأصح «ضرب» الحواضن أم «استثمارها»؟

عمان ـ «القدس العربي»: مجدداً، استراتيجية تسليم مفاتيح مؤسسات وأذرع الإعلام الرسمي الأردني التي تواجه من تلقاء نفسها مشكلات وتحديات عميقة، قد لا تؤدي إلى نخبة المهاجمين لمقاومة الفلسطينية أو المحرضين عليها حصراً لتحقيق الأهداف المفترضة أو المرجوة.
صعب جداً تخيل أن الشارع الأردني سيغير قناعاته الراسخة بخصوص معادلات القضية الفلسطينية متأثراً بأداء رموز «شيطنة المقاومة» والأصعب توقع أن ينتهي ذلك بـ «شرعنة شعبية» لحالة التمحور السياسي في الاتجاه المضاد لحسابات المقاومة ضمن المسلسل الأمريكي الذي يحاول إنزال اليمين الإسرائيلي عن الشجرة. العكس تماماً سيحصل على الأرجح.
سياسة «هاجم المقاومة واحصل على وظيفة عليا» التي يمكن اشتمام رائحتها هذه الأيام إذا ما استرسلت ثم تمكنت، لن تقف عند حدود الإخفاق في تحقيق النتائج المطلوبة بقدر ما ستؤدي إلى نتائج عكسية تماماً.
يقدر المراقب الدكتور أنور الخفش، بأن سيناريو الابتعاد عن الطرف المنتصر الذي كسب المعركة استراتيجياً، وهو المقاومة الفلسطينية بكل حال، يعكس غياباً فاضحاً للرؤية وإخفاقاً في القراءة والتحليل.
وما يلاحظه السياسي مروان الفاعوري، أن بعض الرسائل التي تظهر في حنايا تفاصيل إما تعيينات أو مساحات تفتح لمهاجمة المقاومة هو استرسال في الكيد ضد الشعب الأردني نفسه بلا مبرر. وتلك برأي الفاعوري، مكافآت يمكن الاستغناء عنها تسحب بالنتيجة من رصيد الدولة والنظام في ذهن الخيار الشعبي المحسوم والواضح.

الخبثاء فقط

الخبثاء فقط من المهنيين المسيسين في المشهد الإعلامي الأردني يشيرون إلى خمسة تعيينات حصلت مؤخراً في مواقع متقدمة حظي بها جناح محدود جداً من المثقفين والكتاب الذين هاجموا قيادات المقاومة الفلسطينية علناً، فيما لا يستطيعون قول ما يقترفونه في شيطنة المقاومة في مجالس العامة ولا حتى في أوساط عشائرهم ومناطقهم.
في المقابل، جربت مثل هذه الوصفات في الماضي. وكلما برزت منذ أكثر من ربع قرن موجات مباغتة في اتجاه شيطنة التيار الإسلامي المحلي، لاحظت المجسات الرسمية البيروقراطية قبل غيرها كيف تزيد حصة الإسلاميين في الانتخابات. وحقاً، الحصيلة تزيد أيضاً كلما هاجمت صحف محسوبة على الموقف الرسمي مثل «الرأي» التيار الإسلامي.
بكل حال، القسمة أكثر من واضحة عندما يتعلق الأمر بالمزاج البيروقراطي وإيحاءات رسائل بعض التعيينات، فالجناح الرسمي الذي يخشى حضور ونفوذ المقاومة الفلسطينية في عمق أوساط التكوينات الاجتماعية الأردنية يحاول مراوغة النقاش في الوقائع على الأرض والتعامل معها بتلك المناكفات الإدارية التي يتم فيها تسليم مفاتيح مؤسسات غالبيتها متعثرة مالياً وإدارياً ومهنياً وأصبحت عبئاً على خزينة الدولة، إلى الأشخاص الذين هاجموا بقسوة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بعدما لاحظوا وبوضوح أن ما يقوله الناطق أبو عبيدة يتجاوب معه الأردنيون في ضاحية الرابية قرب سفارة الكيان في عمان.
الأرجح أن هذا النمط من تكوين الولاءات ليس للدولة ولا للنظام ولا للثوابت في الواقع، بل لجناح يزعم بأن مصالح البلاد الوطنية تتطلب مناكفة قيادات المقاومة قد يسترسل لاحقاً في اتجاه وصفة بيروقراطية لا مبرر لها، وهو ينسحب على تعيينات أخرى عليا قد ترتبط باستحضار رجال أعمال لا يؤمنون أصلاً بالمقاومة في أي مكان، وتوليهم مقاعد أساسية في الصف الأول لبعض دوائر القرار والاستشارة.
ما حصل ويحصل على صعيد مؤسسات الإعلام وهيكلها غير منتج ولا يفيد. المواطن الأردني، كما يشهد الفاعوري وغيره من المتابعين، لا يقرأ أخباره من صحف الحكومة. ومحطات التلفزيون الرسمية أو التابعة للرسميين لا مكان لها في مسألة استقطاب المتلقي والتأثير في الجمهور الأردني قياساً بتلك القناة المتلفزة المشفرة التي يظهر فيها أبو عبيدة أو غيره وهم يتحدثون للكون عما يجري في غزة.

اللون الآخر

يحصل ذلك فيما تدفع عشرات الملايين من الدنانير من حسابات الخزينة لدعم نطاق عملياتي إعلامي رسمي يخاطب الجمهور الأردني دون أن يقنعه أو يؤثر فيه في الواقع، ما يجعل المنطق الإداري هنا مثيراً للتساؤل السياسي، حيث بات واضحاً أن كل من يتقبل وظيفة شيطنة المقاومة الفلسطينية وسط الأردنيين يمكنه أن يحقق بعض المكاسب.
في المقابل، وبصورة مرجحة، قد يتعرض اللون الآخر الذي يؤمن بحتمية وجود ارتباط بين مصالح الدولة الأردنية والمقاومة إلى عقوبات وغرامات إما الاستدعاء أو التحقيق أو الحبس الاحترازي أحياناً أو الإقصاء والابتعاد عن الأدوار والوظائف وحتى المناسبات. ويشعر الأردني أكثر، هذه الأيام، بأن حكومته وبدون مسوغ مفهوم تحاول الانشغال بضرب الحواضن الاجتماعية الوطنية للمقاومة الفلسطينية بدلاً من الاستثمار فيها.
بعض القرارات والإجراءات هنا تبدو بائسة أو مثيرة للالتباس وحتى للشفقة الإدارية، ولا مكان لها في الإعراب الشعبي؛ ليس لأن المقاومة الفلسطينية تقدم أداء مبهراً فقط يطرب أذن الحريص والوطني، كما يرى السفير المخضرم الدكتور موسى البريزات، ولكن لأن الشارع الأردني يؤمن عقائدياً في هذه المرحلة بأن التمكن من احتواء المقاومة في غزة يعني الانتقال فوراً وفي اليوم التالي لتهجير أرض الضفة الغربية إلى المملكة، قبل التأسيس لذبح الشعب الأردني بعد إنهاك وتشريد وذبح الشعب الفلسطيني.
ما لا يفهمه هنا أصحاب الأفق الضيق أن المقاومة ليست الإخوان المسلمين، وأن البهلوانيات التي يقوم بها إما بيروقراطيون مجتهدون أو أصحاب أقلام متسرعون إنما تحقق للمقاومة الفلسطينية مكسباً وربحاً سريعاً جداً وفورياً في أوصال المكونات الاجتماعية الأردنية، حيث تتعلق المسألة اليوم -كما يقول الدكتور ممدوح العبادي لـ «القدس العربي»- بحتمية الصراع القادم مع إسرائيل أردنياً، وليس بتلك البهلوانيات التي يراد لها أحياناً أن تخدم حضور المقاومة في المجتمع واقعياً وهي تحاول دق الأسافين بين الطرفين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading