الأردن ومعضلة التعامل مع إيران و«محور المقاومة»… و«حماس»
لم يطور أي حراك يقترب من حدود المصافحة معها
عمان – «القدس العربي»: أسرع سؤال في الخطاب الرسمي السياسي الأردني عندما يستفسر المواطن وغيره عن لغز القطيعة مع المقاومة الفلسطينية وإغلاق النوافذ والأبواب في وجهها حتى بعد تداعيات طوفان الأقصى، هو ذلك الذي يطرحه المسؤول أو السياسي الرسمي فوراً وكأنه جائزة: «ماذا عن إيران؟ كيف نتعامل مع فصائل المقاومة في ظل تحالفاتها التي لا تناسبنا؟».
طبعاً، هذا السؤال المتسرع يلقى على الطاولة في كل المجالس والمداولات خلف الكاميرات بدون التدقيق والتحقق في تداعياته ومضمونه، والأهم بدون الإجابة عن سؤال المقاومة نفسها وحاضنتها الاجتماعية بين الأردنيين بصيغة: «افتحوا الأبواب للمقاومة سياسياً وإعلامياً حتى لا تنفرد بها إيران».
غابة من الأسئلة والأجوبة. والحقيقة لا تبدو قابلة للتجديد بالرغم من الدلالات الخطرة للعدوان الإسرائيلي وانعكاساتها على حزمة المصالح الأردنية الأساسية، وفقاً لوجهة نظر الخبير الاقتصادي والسياسي الدكتور أنور الخفش، الذي يعيد تذكير «القدس العربي» بأن أي قراءة أردنية وطنية تأخذ بالحساب فقط الجانب الذي خسر المعركة استراتيجياً، وهو إسرائيل، ستبقى مقاربة معيبة بالقصور وبقدر من الفصام.
يقول كثيرون في الأردن من خارج الصف الرسمي، إن الأسباب التي دفعت السلطات في الماضي لتأسيس مسافة كبيرة أو طويلة مع المقاومة الفلسطينية تغيرت أو تبدلت ولا بد من استجابات، فالسلطة الفلسطينية (التي تستهدفها حكومة الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية) يتراجع حضورها وقدراتها، وعناصر أي حراك أردني في عمق الملف الفلسطيني ينبغي بعد الآن – برأي الخفش وآخرين – أن تأخذ باعتبارها مسألتين:
الأولى، إذا حسم اليمين الإسرائيلي معركته ضد أهل غزة ومقاومتها، ستكون خطوته الثانية بالتأكيد لبنان وأغوار الأردن، وتفريغ الضفة الغربية وتهجير أهلها.
والثانية، المدخل الطبيعي والمنطقي هو تجديد الشرعية الفلسطينية، والأساس في ذلك هو إعادة بناء منظمة التحرير والتسلل أردنياً باقتراحات ومناورات تساعد على ولادة منظمة تحرير فلسطين جديدة تضم بين جناحيها فصائل المقاومة.
مصافحة فصائل المقاومة؟
ثمة من كتب علناً من عشرات السياسيين الأردنيين في هذا السياق، لكن حكومة عمان لم تطور أي حراك دبلوماسي أو سياسي يقترب من حدود مصافحة فصائل المقاومة، ولو لأغراض الاستثمار فيها، كورقة سياسية كما تفعل دول عربية أخرى ترتبط بعلاقات تطبيع مع إسرائيل ولا يقترب حتى من حدود تنفض الغبار عن ملف تجديد الشرعية الفلسطينية.
قبل أسابيع فقط، انشغلت المؤسسة الأردنية نسبياً بفكرة توفير فرصة لولادة حكومة تكنوقراط فنية فلسطينية تنجح في احتواء تداعيات الأزمة، لا بل اقترحت دوائر مهمة في عمان بعض أسماء التكنوقراط ولم يكن على اللائحة الأردنية على الأقل اسم رئيس الوزراء الحالي الدكتور محمد مصطفى، الذي يقيم أصلاً في العاصمة الأردنية أو يقضي الكثير من الوقت فيها.
لم يطور أي حراك يقترب من حدود المصافحة معها
يعني ذلك أن المقاربة الأردنية جربت حظها ولو قليلاً، لكن أغلبية الموظفين أو المسؤولين في الدوائر الرسمية لا تريد الاقتراب من مسألة تجديد الشرعية الفلسطينية أو من منظمة التحرير، وتحرص في الوقت نفسه على رفض التجاوب مع المقاومة وفصائلها، حيث لا حوارات ولا لقاءات ولا استقبالات حتى من أجل بعض المصالح الأردنية.
والفكرة التي يرددها المسؤولون هي تلك التي تقول «لسنا مصر أو غيرها»، والسؤال الإيراني حصراً الذي يلقى كاللغم على طاولة أي حوار عندما يعبر صاحب رأي أو سياسي عن مشاعر الشارع الأردني في الدعوة إلى تنويع الخيارات والاتصالات والتحالفات.
لا أحد في المستوى الرسمي على الأقل يريد أن يجرب التقارب مع فصائل المقاومة لإبعادها عن إيران، ولا أحد بالتوازي يريد أن يقترح التأمل فيما أبلغه القيادي في حركة حماس خالد مشعل لنخبة شخصيات أردنية بحضور «القدس العربي» عندما أشار إلى أن بناء الموقف الإستراتيجي السياسي على أساس معادلة مخاوف الهلال الشيعي، هو مقدمة مفهومة يفترض أن مخاوفها تعالج بالتقارب من الأطراف السنية المؤثرة بذلك الهلال.
عقدة الخوف من إيران
بمعنى أن عقدة الخوف من الدور الإيراني، وثمة ما يبررها دوماً وسط الرسميين، هي التي ينبغي أن تفترض اقتراب حكومة الأردن أكثر من العناصر السنية الحليفة لإيران وإقامة جسور الثقة والشراكة مع قوة مثل جماعة الإخوان المسلمين، كفيلة محلياً بالتصدي لأي نفوذ إيراني بالنتيجة.
ثمة ما يوحي بأن بعض قادة المقاومة الفلسطينية مستغربون؛ لأن العلاقة معهم جسر ضامن لإبعاد النفوذ الإيراني وليس العكس، وثمة مواطنون أكثر استغراباً من حملات شيطنة جماعة الإخوان والمقاومة الفلسطينية معاً بدلاً من تعزيز الطرفين للوقاية من أي برنامج إيراني.
طبعاً، لدى الأردن ملاحظات على الإيرانيين. وطبعاً لا يمكن الاختلاف مع المؤسسة الأردنية وهي تقترح إجراءات وقائية حتى لا يتحول الأردن إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين إيران وإسرائيل وفقاً لما كشف النقاب عنه السياسي المخضرم الدكتور جواد العناني على هامش نقاش مع «القدس العربي».
مع ذلك، لا توجد قرائن ولا أدلة على أن جواب القطيعة مع إيران، دبلوماسياً وسياسياً، ينبغي أن تتقمصه الحالة الرسمية الأردنية عندما يتعلق الأمر بمكونات فلسطينية أساسية اليوم، هي الطرف الرابح برأي الخفش، وهي من تجلس على الطاولة، وهي التي ستقرر الأشياء بعد الآن برأي القيادي في حماس الدكتور موسى أبو مرزوق.
الخلاصة: السؤال الإيراني لم يعد مناسباً ولا لائقاً لتبرير الموقف الرسمي والحكومي الأردني من معطيات الاشتباك المقاوم في المعادلة الفلسطينية.