الإسلاميون الأردنيون: قبول «ضمني» بـ«رقم 2» في «الأحزاب»
عمان- «القدس العربي»: وقفتان لمرشحَين بارزَين باللون الإسلامي هما صالح العرموطي وعبد الله العكايلة، دفعتا فيما يبدو حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض إلى مساحة تكتيكية أكثر في اختيار قائمة مرشحيه لانتخابات 10 أيلول المقبلة، وهي الأولى التي تعقد في ظل مسار التحديث السياسي في البلاد، وبعد تعديلات مهمة ومثيرة على قانوني الأحزاب والانتخابات.
يملك الحزب، بحكم خبرته العريضة في العمل الانتخابي والاشتباك السياسي، مساحة مهمة من المناورة تتيح له هضم واستيعاب أي تغييرات طارئة والتأسيس لاستجابات لها علاقة بالتكتيك العملياتي في اختيار المرشحين.
لذلك، ظهر هذا الإطار التكتيكي عند الحزب أولاً في الحوار الذي دار مع القطب البرلماني والقانوني صالح العرموطي، لثنيه عن قراره المعلن بالانسحاب من الانتخابات. وبرز، ثانياً، نمط من الحوار مع القيادي البارز والعائد مؤخراً إلى سجلات الحزب المخضرم الدكتور عبد الله العكايلة.
العرموطي كان قد أعلن، في بيان، انسحابه من الانتخابات لعدة أسباب؛ أهمها ما وصفه بالمضايقات على مرشحي الحركة الإسلامية وأنصاره، والعكايلة قد أعلن غاضباً على الأرجح انسحابه من الانتخابات واستقالته من الحزب بدون أسف أو ندم، ما أوحى بوجود خلافات داخلية؛ لأن اختيار هوية المرشحين في الدوائر الانتخابية الفرعية والوطنية بالنسبة لحزب الجبهة هو أداة قياس ورسالة سياسية بامتياز متعددة الأهداف، خلافاً لما يحصل في بقية الأحزاب.
محددات التيار الإسلامي وهو يستعد للاشتباك الانتخابي، باتت معروفة لا بل يمكن التكهن بها، وأبرزها ما أعلنه المراقب العام للإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، من تجنب السعي للمغالبة، ما يعني أن التيار لا يريد أغلبية في البرلمان.
الصف الثاني
بين المحددات الملموسة للمراقبين، تلك التي تقول إن حزب جبهة العمل الإسلامي قبل ضمناً بالمرتبة الثانية في قوائم الأحزاب العامة، ويعني ذلك تطبيق معيار عدم السعي للمغالبة وقبول فكرة أن كلفة تصدر تيار الإسلامي سياسياً وبيروقراطياً للقائمة الحزبية العامة هي أكبر من أن يحتملها أو يريدها حزب الجبهة.
يقبل الإسلاميون هنا في القوائم العامة المقعد رقم 2 برغبة، لكنهم يريدون مساحة عملياتية تضمن عدم الانتقال إلى المرتبات الأخيرة، بمعنى القبول بالصف الثاني، والعمل من أجل التماسك والصلابة في القوائم الحزبية.
المحددات الانتخابية لا تقف عند هذه الحدود، والفكرة أن حزب جبهة العمل الإسلامي يعلم مسبقاً أن وجود بعض المرشحين الذين يمكن حسابهم على التشدد أو تصنيفهم ضمن مستوى الخصومة للدولة أو الحكومة مسألة قد تكون مكلفة أيضاً.
لذا، اختيار هوية المرشحين حتى في الدوائر الفرعية المحلية ينظر له باعتباره رسالة سياسية عندما يتعلق الأمر بالإسلاميين، فيما المحدد الاجرائي الأهم هو تجنب قوائم الحركة الإسلامية الانتخابية قدر الإمكان في التكتيك والعمليات والجهود المضادة يوم الاقتراع.
وسط هذه المحددات السياسية والوطنية الطابع، يتحرك الإسلاميون نحو مشاركة فعالة ومنتجة في الانتخابات يتم فيها أو عبرها تمثيل كل ألوانهم وأطيافهم الداخلية دون إغضاب المؤسسات الرسمية المرجعية قدر الإمكان.
وهي مهمة ليست بسيطة في الواقع؛ لأن قواعد الحركة الإسلامية أيضاً لديها خيارات، وحماستها للعمل يوم الانتخابات مرتبطة بتحفيزها تحت عناوين الأسماء وهوية المرشحين.
تصوغ قيادة التيار الإسلامي معادلتها الانتخابية بثبات حتى الآن ضمن تلك المحددات، وقواعد الاشتباك المتاحة والضغط على العرموطي ثم مفاوضة العكايلة ومحاورته هي جزء من متطلبات الاشتباك، خلافاً لتحديد حجم وهوية عناصر شريحة المعلمين تحديداً في خارطة أسماء المرشحين.
في السياق ما تم إعلانه عصر أمس الثلاثاء بعنوان القائمة العامة للمرشحين والتي ترأسها في واحدة من المفاجآت البارزة الشيخ أحمد القطاونة، ثم تلاه ثانياً ممثل المخيمات المخضرم محمد عقل، قبل تسمية الدكتورة حياة المسيمي في المقعد الثالث بالقائمة، ومعها في المرتبة السادسة الدكتورة ديمة طهبوب.
لذلك، قد يعبّر تأخير حزب جبهة العمل الإسلامي رسمياً الإعلان عن قوائمه الانتخابية بصفة قطعية، عن الرغبة في احتواء كل التجاذبات الداخلية لتوحيد لجان العمل الميداني أولاً، ولإظهار القدرة على المضي قدماً في المشاركة في الانتخابات مع اختيار مرشحين بعناية يستطيعون الفوز دون استفزاز الأطراف الأخرى، سواء في المجتمع أو في الحكومة، مع أن مفاجأة جلوس الحراكي المعلم ناصر نواصرة صاحب الشعبية الطاغية وسط المعلمين في المرتبة الرابعة بالقائمة العامة هي “مغامرة محسوبة” بكل الأحوال، الهدف منها جذب ناخبي القطاع العام.
وغني عن الذكر هنا أن غضب واستقالة أي فرد أو مجموعة من التيار الإسلامي ليس هدفاً، مرحلياً. لكن إن حصل، يستطيع مطبخ التيار التعامل معه باحتواء وإن كانت قد اعترضت الترتيبات الهندسية الانتخابية بعض المشكلات التي يمكن الإقرار فيها، ومن بينها عدم وجود شخصيات مسيحية يمكن الاستثمار انتخابياً فيها، وبروز أزمة قيادات، وراغبين في الترشيح من الصف الأول في بعض المدن والمناطق مثل الزرقاء، خلافاً لطموحات شخصيات إشكالية في الترشح لمواقع الصف الأول في القائمة العامة بدلاً من القوائم المختصة بالمقاعد المحلية الفرعية.
محددات وتحديات
بين المحددات والتحديات، لا يقطع التيار الإسلامي مشواره نحو المشاركة في الانتخابات فحسب، بل نحو المنافسة أيضاً تحت غطاء سيناريو تحقيق بعض المفاجآت والتمكن من تأسيس كتلة صلبة متماسكة مؤثرة في برلمان 2024 بعيداً عن المغالبة والمزاحمة مع تيارات الوسط. وفي الوقت ذاته، الحرص الشديد على وجبة تكتيكية في الميدان تصل إلى خطة عمليات تنجح في جمع وتحشيد كتلة تصويت لا يقل سقفها عن 300 ألف صوت يوم الاقتراع.
هذا الرقم من عدد الأصوات الكلي هو خطة التيار الإسلامي وهدفه.
والاعتقاد بأن الوصول إلى ما بين 15 إلى 20 ٪ من عدد المصوتين يوم 10 أيلول، هو ضمانة رقمية كافية لحماية مرشحي التيار، إما من التدخل الفاضح ضدهم، أو من مفاجآت عملية التصويت والفرز والاقتراع، خلافاً طبعاً لتحقيق الهدف السياسي الأهم؛ وهو كتلة برلمانية وازنة وصلبة ومؤثرة ومن الصعب تجاهلها يمكنها أن تعطي إشارة على “حكومة ظل معارضة” تكمل نصاب مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد.