العلاقات بين الأردن وتركيا تشهد تطوراً لافتاً: جنرالات في «مطبخ الدبلوماسية» وصورة سداسية بـ«رسائل سيادية»

عمان ـ «القدس العربي»: «شيء ما يتغير» لا يتعلق الأمر بالصورة فقط التي التقطت في مقر وزارة الخارجية الأردنية مجدداً ظهر الأحد لـ 6 من كبار المسؤولين في الدولتين التركية والأردنية، بقدر ما يتعلق بتلك الرسائل الأعمق والأبعد التي يريدها المضيف الأردني والضيف التركي، حيث الجنرالات من الجانبين في اجتماع تنسيقي جديد وصف بأنه في غاية الأهمية داخل المطبخ الدبلوماسي.
التقطت صورة مماثلة في مكتب وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قبل نحو شهر. لكن الصورة الحديثة أعقبت اجتماعاً استضافه الوزير الأردني أيمن الصفدي، وضم ليس فقط الوزير هاكان، بل وزير الدفاع التركي يشار غولر ومعه مدير هيئة الاستخبارات التركية أحد أبرز اللاعبين المقربين من الرئيس رجب طيب أردوغان والمقصود الدكتور إبراهيم كولن، أحد المتخصصين بالملف السوري ولاحقاً العربي.
استقبل أقطاب المعادلة التركية الثلاثة الأساسيين الوزير الصفدي بحضور رئيس هيئة الأركان الجنرال يوسف الحنيطي، وأبرز رموز المنظومة الأمنية الأردنية الجنرال أحمد حسني.
تغيير هائل
صورة الاجتماع وليس مضمونه، توحي بتغيير هائل وغير مسبوق على مستوى التنسيق التركي. لكن من يلاحظون ويتابعون التطورات الاستثنائية في اللغة التركية الأردنية المشتركة لديهم، علم الآن بأن الاجتماع والصورة برزا قبل ساعات من انعقاد مؤتمر دول الجوار السوري، حيث تنتقل عمان هنا بكفاءة وضمن حالة نشاط غير مسبوقة من هندسة مؤثرة في برنامج عمل ونتائج قمة القاهرة العربية التي حضرها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع على رافعة أردنية في الواقع إلى بصمة وهندسة مع تركيا هذه المرة، في اتجاه الملف السوري.
منظومة الثقة والاتصالات التنسيقية تتطور بصيغة استثنائية مؤخراً بين الثنائي الوزير فيدان ونظيره الصفدي. والأخير في آخر تواصل لـ «القدس العربي» معه، أصر على معادلة تركيا الدولة الجارة والمهمة وذات الحضور القوي في الملف والاستقرار في الإقليم.
يدرك الخبراء المتابعون بأن ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله زار مؤخراً أنقرة وتحدث عن لقاء طيب ومثمر مع الرئيس أردوغان، وكل سفراء تركيا في عمان والأردن في أنقرة يسمعون مجدداً تمسك الرئيس أردوغان بعلاقات بناءة وإيجابية مع الأردن، وحرصه على إضفاء طابع عائلي على العلاقات، واستذكاره؛ لأن الثقة كبيرة بينه وبين القيادة الأردنية، حتى إن ملك الأردن هو شاهد عقد الزواج لابنة الرئيس التركي. عملياً، لا توجد دولة أخرى يتشاور فيها جنرالات الأردن مع نظرائهم في منظومتي الأمن والدفاع في عمق المطبخ الدبلوماسي ومقرات وزارة الخارجية.
تلك في حد ذاتها في اللوجستيات السياسية إشارة متقدمة إلى أن إرادة عليا في البلدين توفر الغطاء الآن لتفاهمات، لا بل مشاركات على المستوى الجيوسياسي والإقليمي، الأمر الذي يحدث لأول مرة بين عمان وأنقرة منذ تقلصت الثقة بين العاصمتين عام 2011 ضمن اجواء ومناخات الربيع العربي.
بات واضحاً أن المسألة لا تتعلق إطلاقاً بالصورة والاجتماع والتشاور فقط، فوجود الجنرالات ورموز العمل السيادي في اجتماعات يقودها وزراء العمل السياسي يعني أن القصة أكبر وأعمق وأبعد من مجرد مناقشات ثنائية.
والأهم، يعني أن المؤسسة السيادية في الأردن على الأقل ولأغراض يمكن فهم بعضها واستنتاج بعضها الآخر، قطعت مسافة لا يستهان بها في تجاوز خلافات الماضي وارتياباته.
ارتباط بالملف السوري
وفي التحليل السياسي من يعتقد ويتصور بأن هذه الاندفاعة في الاتصالات الأردنية التركية مرتبطة حصراً بالملف السوري، فالمستجدات التي تلح على الأردن في الملف التركي إقليمية وفلسطينية وعربية وذات بعد اقتصادي بالتأكيد، في رأي نائب رئيس الوزراء الأسبق والخبير الدكتور محمد الحلايقة، الذي يعيد عندما تستفسر منه «القدس العربي» الترحيب بقطع كل المسافات في اتجاه تفاهمات ذات بعد شمولي مع دولة جارة ومهمة وإسلامية مثل تركيا.
واضح للأردنيين على الأقل، لكن بصمت، أن إطلاق منصة تفاهمات مع الطاقم الأساسي عند الرئيس التركي أردوغان والممثل بالثنائي فيدان ـ كالن ومعهما وزير الدفاع، يؤسس لمقاربات وتقاربات جيوسياسية على مستوى الدولتين العميقتين بصيغة يتخللها ترك ما يختلف عليه، التطلع إلى الأمام، وثالثاً إعادة بناء الثقة، والأهم تبادل الخبرة والمعلومات. ذلك مشهد مستجد تماماً فرضته إيقاعات الإقليم ومعها الحدث السوري على كل من عمان وأنقرة.
يبقى السؤال: لماذا يندفع الأردن بكل هذه الثقة ويقطع مسافة كبيرة في بناء الكيمياء مع ثلاثي القوة الضاربة عند الرئيس أردوغان؟ والإجابة ليست بعيدة المنال.
اليمين الإسرائيلي بات ـ وفق قناعة الدولة العميقة الأردنية ـ خطراً على المملكة. والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخشونته وأحياناً صفاقته، أعاد ضبط كل الاعدادات الأردنية فيما يتعلق بإدارة العلاقة والمصالح.
البقاء في التحالف مع مصر التي تقاربت مع تركيا أردوغان، يتطلب الانفتاح أكثر على أنقرة؛ لأن استعادة التوازن في العلاقة مع منظومة دول الخليج لا تمانع اليوم تفاهمات أردنية مع تركية.
كل ذلك يحصل وسيحصل قبل أخذ المشهد السوري ومصالحه الأمنية المباشرة خلافاً للتجارية والاقتصادية والحدودية بالاعتبار؛ لأن العباءة التركية التي تظلل سوريا الجديدة جزئياً، باتت ملحة لمصالح الأردن.
في الخلاصة، ثمة ما يوحي بأن مصارحات المطابخ الأمنية والدفاعية والدبلوماسية ومصالحها قد تتطلب ـ بنديّة ـ تنسيقاً بين العباءة التركية شمال سوريا، وتلك الأردنية في الجنوب على حدود درعا والسويداء.. هل سيتم الإعلان قريباً عن غرفة عمليات مشتركة؟
قبل الخوض في البحث عن تفصيلات أصبحت أصلاً عملياتية في الواقع، لا بد من التوقف عند رسالة صورة المسؤولين الستة، التي أعقبت المعركة الأخيرة في الساحل السوري مع الفلول… هنا حصراً حكاية أخرى عن التنسيق بين العمقين الأردني والتركي.