القبضة الأمنية «الخشنة» في الأردن… هل «تحتوي» الحراك الشعبي أم «تشعله مجدداً»؟
اعتقالات وتحذيرات… والإسلاميون يتحدثون عن «تعذيب» أثناء التوقيف
بدأت مؤشرات «القبضة الأمنية» وهي تحاول إعادة صياغة العلاقة مع الحراكات والاعتراضات في الشارع الأردني تصطدم بتطلعات العديد من جبهات المعارضة والحراك باتجاه الحفاظ قدر الإمكان على الأسقف السابقة في الاعتراض على أساس أنها منجز ينبغي المراكمة عليه.
هنا حصرياً وفي هذا المسار برزت بعض المستجدات في الحالة الداخلية الأردنية خلال اليومين الماضيين. المستجد الأول تمثل في صدور بيان باسم أهم أحزاب المعارضة وهو حزب جبهة العمل الإسلامي يتحدث فيه عن اعتقالات غير مبررة طالت كوادر قيادية فيه ويعبر- ولأول مرة – عن خشيته من حصول عمليات «تعذيب» أثناء الاعتقال والتوقيف لنشطاء وموقوفين من التيار الإسلامي.
الرسالة هنا تقصد أن ينشرها باسمها الأمين العام لحزب الجبهة الشيخ مراد عضايلة والأهم أنها وجهت بصورة نظامية ومنهجية للمركز الوطني لحقوق الإنسان ومطالبته بالتحرك ضمن اختصاصاته باعتباره الذراع المعنية بحقوق الإنسان لدى الدولة والحكومة.
لافت جداً في تلك الرسالة أنها تحاول ضرب عصافير عدة بحجر واحد سياسياً فالهيئة المعنية بالمركز الوطني يشرف عليها المنشق عن الإخوان المسلمين الشيخ إرحيل الغرايبة ومسألة اعتقال قياديين في أكبر أحزاب المعارضة الشرعية وبدون تهمة محددة منذ شهرين اختبار حقيقي لمصداقية عمل الشيخ الغرايبة.
ثانياً تجنب الحزب الإسلامي المعارض برسالته التي أعلنها رسمياً الاعتراض بالبيان السياسي وقرر مخاطبة هيئة رسمية معنية بحقوق الإنسان بـ»انتهاكات تحصل» يمكن التوثق منها وضمن واجباته أن يفعل ذلك.
ويبدو أن الاعتقالات التي يتحدث عنها الحزب مرتبطة بعناصر في الحركة الإسلامية تشتبه السلطات بأن لها علاقة بحركة حماس تحديداً رغم أن الاتصالات خلف الستارة مع الزعيم السياسي للحركة في الخارج الشيخ خالد مشعل متواصلة وفي مناسبات عدة.
الشيخ العضايلة كان سابقاً قد أبلغ «القدس العربي» بأن الاعتقالات لم تتوقف مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية تستدعي أيضاً عناصر الحزب بين الحين والآخر وثمة مضايقات تحصل للكادر خلال السفر.
اعتقالات وتحذيرات… والإسلاميون يتحدثون عن «تعذيب» أثناء التوقيف
العضايلة يعتبر هذه المضايقات محاولة للتمسك بنهج مضاد للتعددية السياسية التي تزعمها الحكومة وطالب بوضع حد لهذه التصرفات غير المبررة. لكن على الجبهة السياسية يعتقد على نطاق واسع بأن الهدف من مضايقة بعض أنصار التيار الإسلامي قد يكون الاستعداد للانتخابات العامة المقبلة وله علاقة بدورهم الذي ترى السلطات أنه «سلبي للغاية» من أزمة وقضية إضراب المعلمين.
يحصل ذلك وسط قناعة بعض أوساط صناعة القرار بأن الإخوان المسلمين في طريقهم لتجاوز أحد أبرز الخطوط الحمر وهو العمل وسط موظفي القطاع العام كما حصل مع المعلمين، الأمر الذي يعتبر من أكثر الخطوط احمراراً وإحراجاً وهو ما ينفيه العضايلة عندما يبلغ «القدس العربي» بأن حركة المعلمين مطلبية ومعيشية ولا علاقة لحزبه بها لا من قريب ولا بعيد.
ويعني ذلك عملاً بأن المستوى الأمني الأردني لا يزال متحركاً في سياق القناعة التامة مسبقاً بأن درس نقابة المعلمين لم ينتهِ بعد ولا بد من التعمق فيه خشية تكراره، الأمر الذي يفسر لاحقاً توقيف ثلاثة نشطاء من نقابة المعلمين أياماً عدة قبل الاضطرار للإفراج عنهم خصوصاً أن رسالة مرجعية شهيرة أعلنت أن ما حصل من مساس بحقوق تعليم المواطنين «ينبغي ألا يتكرر».
وهي صيغة دفعت جميع الأجهزة والسلطات الحكومية لضمان «أمن سير العمل» قدر الإمكان في شرائح القطاع العام ومحاولة عزل الموظفين عن أي ابتزاز حراكي أو أجندة تسعى للتأثير وسط الإصرار على «معالجات « أمنية أحياناً وأخرى على شكل «حزم إصلاحية» تقدم بها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز.
المظهر الأمني التالي في إظهار الخشونة عبر عنه وزير الداخلية سلامة حماد عندما أبلغ «القدس العربي» مؤخراً بأن لا تساهل عندما يتعلق الأمر بهيبة القانون وخضوع الجميع له مؤكداً أن السلطات لن تسمح باعتصامات مفتوحة أو خطابات وهتافات تعتدي على القانون وهيبة الدولة.
وهنا برزت الرسالة الثانية من المؤسسة الأمنية التي رفضت أي مقترحات حول الافراج عن معتقلي وموقوفي الحراك من الذين تجاوزوا الخطوط الحمر حتى من أبناء قبيلة بني حسن وكذلك على هامش استقبال ممثلي قبيلتهم ووجهائها ضمن حوارات مجلس بسمان مع الملـك.
ثمة من يدعو من كبار الأجهزة الأمنية اليوم إلى وقف سياسة الإفراج عن معتقلي الحراكات الشعبية تحت وطأة الضغط المناطقي او العشائري خصوصاً الذين يتجاوزون منهم الخطوط المألوفة.
ومع نمو الخطوات المتخذة ضد عضو البرلمان غازي هوامله ومحاولة رفع الحصانة عنه يمكن القول بأن التحذيرات تتوالى في الأردن من «العودة للقبضة الخشنة» خصوصاً مع قناعة أوساط معتدلة يعبر عنها الناشط الإسلامي مروان فاعوري بأن المعالجات ينبغي أن لا تكون أمنية دوماً حيث لا بد من تتبع أسباب الاعتراض والحراك والاحتقان ولا بد من عملية إصلاحية سياسية شاملة من الطبيعي أن تبدأ بحوار مفتوح مع الجميع وقانون انتخاب متطور وحقيقي. وحتى داخل أروقة السلطة اليوم ثمة من يخشى من تطور القبضة الخشنة باتجاه إحياء الحراك في متوالية هندسية أمنية يمكن أن تتغذى على الإحباط المعيشي والاقتصادي.