اراء و مقالات

اليمين الإسرائيلي يرقص في «الصحن الأردني»: نتنياهو «يفلت» بن غفير… لماذا وما الذي يخطط له؟

عمان- «القدس العربي»: مجدداً، تجد الدبلوماسية الأردنية نفسها غارقة في وحل سياسي تنتجه استفزازات اليمين الإسرائيلي ورموزه، حيث وبالرغم من استمرار المجاعة وجريمة الإبادة في غزة والوضع الصعب المعقد في الضفة الغربية وسيناريوهات الضم، يقود الوزير إيتمار بن غفير مرة أخرى احتفالات وابتهاجات راقصة في الحرم المقدسي وباحة المسجد الأقصى.
الاستعراض التلمودي الجديد له هدف أصبح معلناً عملياً، وهو استهداف عمق ملف الوصاية الأردنية، وهو ما لم تعد المؤسسات الرسمية في عمان تنفيه بالرغم من كل الجهود التي تبذلها وزارتا الخارجية والأوقاف في الاشتباك والرد والتصدي.
بن غفير يستفز الأردن مجدداً، ووزارة الخارجية في طبيعة الحال تضطر لإصدار بيان جديد يستنكر ويشجب، فيما تزداد قناعة الأوساط السياسية وحتى البرلمانية بأن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان «يسمح» بتلك الاستفزازات ويوفر لها الغطاء لأنه يريد وضع «الأردن» تحديداً بين خيارين:
الخيار الأول هو «الموافقة على مسار التقاسم الزماني والمكاني»، والخيار الآخر هو التعرض لضغط عنيف يؤدي إلى تخلي عمان عن مسؤولياتها، وهو ما لن تسمح به الأدبيات الأردنية منذ عقود.
الانطباع يتشكل ويتكدس في عمق مؤسسات القرار الأردني بأن اليمين الإسرائيلي يمضي قدماً باتجاه تغيير واقع اتفاقية الـ «ستاتس كو» الموقعة عام 2015 والتي تضمن الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس.
تلك الاتفاقية التي صادقت عليها السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي هي الهدف برأي الناشط السياسي الأمريكي- الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، الذي ينصح عبر «القدس العربي» الجانب الأردني بالتصرف على أساس تلك القناعة دون إغفال استعمال الأدوات الخشنة في مواجهة دولية وقانونية وسياسية.
الهدف من كل الرقصات التي يقيمها الوزير بن غفير في الذهن الأردني هو حصراً إقناع الأطراف المعنية برمتها بالرجوع إلى اتفاقية التقاسم الزماني والمكاني باعتبارها «أهون الشرين» بالنسبة للعرب والمسلمين والفلسطينيين عملياً هنا.
مسالة «أهون الشرين» هي أساس استراتيجية اليمين الإسرائيلي، الذي يواصل استفزاز الأردن والمسلمين والفلسطينيين ثم يعمل بنشاط على تقويض الوصاية الأردنية.
وهنا لا تخفي المؤسسات الرسمية الأردنية قناعتها بأن نتنياهو شخصياً يقف خلف «إفلات بن غفير» وجماعته حتى يصبح التحدث عن «التقاسم» هو الخيار الأقل كلفة عند الفلسطيني وعند الوصي الأردني.
يدرك الأردن، بالمقابل، ميزان القوى في الواقع الإسرائيلي. ووزارة الأوقاف حصراً تتابع التفاصيل والتعليمات والتوجيهات لطاقم الأوقاف الأردني بتجنب المواجهة والصدام والاحتكاك، والعمل مجدداً مع الأمريكيين والمجتمع الدولي في محاصرة طروحات اليمين الإسرائيلي المعنية بملف القدس.
لكن تلك التداخلات الدبلوماسية لا تبدو مقنعة ولا تؤدي إلى تغيير في الوقائع. واليمين الإسرائيلي يحاول فرض معادلة التقاسم الزماني والمكاني لكي يقبله الطرف العربي وتحديداً الأردن.
وهو أمر سبق أن صنفه رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، باعتباره تجاوز واحداً من 3 خطوط أردنية حمراء، وهو ما برر عملياً رسالة تم إيصالها مؤخراً للإسرائيليين، عنوانها المركزي شعور عمان بقمة الاستفزاز، ثم التأشير على أن يمين إسرائيل يعبث بالطبق الأردني واعتبار أي محاولة لحسم الصراع في ملف القدس تحديداً مقدمة لخسارة معسكر السلام العربي.
سأل الأردنيون الجانب الإسرائيلي وتحديداً الدوائر الاستشارية المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عبر الأمريكيين عما إذا كان نتنياهو يقصد إطلاق العنان للوزير بن غفير لتحقيق أجندته، وعما إذا كان يخطط لتقويض الوصاية الأردنية؟
الإجابة كانت «لعوب» كالعادة، وفيها عودة إلى بيان أصدره مكتب نتنياهو بعنوان يتحدث عن سياسة حكومته فيما يخص الأوقاف الإسلامية بأنها «الحفاظ على الوضع القائم في القدس».
هذا البيان -برأي العناني وآخرين- لم يعد يسمن ولا يغني من جوع؛ فالوقائع على الأرض تتغير.
والجديد أن بن غفير شخصياً قاد بتواطؤ مع نتنياهو ليس فقط الاقتحام الأكبر عددياً لعتاة المستوطنين في عمق صحن المسجد الأقصى وباحته، بل أقام طقوسه التلمودية بكثافة ولمدة 3 ساعات وبصورة جماعية، الأمر الذي لم يحصل سابقاً، وذات مغاز دينية في صحن المسجد الأقصى.
إطلاق الأبواب والصلاة والزحف والموسيقى الصاخبة والرقصات هي أقرب وصفة لما يرى رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، أنها ليست أكثر من إشارات إنذار مبكرة جديدة على استعداد اليمين الإسرائيلي لتنشيط وتفعيل حرب دينية الطابع.
الأردن الرسمي يقدر بأن الإصرار على الصراع الديني معادلة لا يخسر فيها الشعب الفلسطيني أو الطرف العربي والإسلامي فقط، ويقدر السياسيون في عمان بأن سؤال الصراع الديني إلى السقف المسموح به هو السؤال المطروح على طاولة الإدارة الأمريكية الحالية، وعليها اقتراح الإجابة عليه.
حكومة اليمين الإسرائيلي تواصل ضخ كميات من الغاز والمياه للأردن، وتسمح ببعض الاختراقات في ملف حصار غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي لا يزال بعيداً عن حماية شاحنات قوافل أردنية تحمل إغاثة ومساعدات يتعرض لها المستوطنون في الطرق ما بين الأغوار إلى قطاع غزة.
حصل ذلك أمس الأول للمرة الثالثة في أسبوع واحد، وهي ملاحظة وضعت أيضاً على طاولة نتنياهو والرئيس الأمريكي، علماً بأن القوافل تحركت أصلاً بتنسيق مسبق.
العلاقات والاتصالات مع إسرائيل لا تزال في أسوأ أحوالها، ولا يبدو أنها في موقع المبادرة.
والحفاظ عليها هي استراتيجية مشتركة حتى هذه اللحظة عملياً، فيما يكدس الأردن ثوابته على أساس خطوط حمراء قد تكون غير قابلة للنقاش، وعلى رأسها تغيير الوضع القائم في القدس بالتقاسم الزماني والمكاني، ثم ضم المزيد من الأراضي لأغراض الاستيطان في الضفة الغربية وفي منطقة الأغوار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading