«تحصين» طبقة الموظف العام في الأردن: ما السر وأين «اللغز»؟
عمان – «القدس العربي»: لا أحد من رموز الحكومة الأردنية تقدم حتى الآن بجواب مباشر على سؤال محرج وحساس في سياق نقاشات قانون الجرائم الإلكترونية الجديد.
وهو السؤال الذي يستفسر عن سر ولغز سعي الحكومة بوضوح من خلال نصوص القانون المعدل للجرائم الإلكترونية لتحصين طبقة الموظف العمومي ومنحه صلاحيات واسعة بعيداً عن النقد والمتابعة والتقييم وليس بعيداً كما يزعم القانون حصراً عن الشتم والقدح والذم، فتلك الاتهامات ثمة ما يغطيها بكثافة في قانون العقوبات وقوانين أخرى معنية بالإعلام والنشر والمطبوعات.
ما السر أو اللغز؟
ما هو سر ولغز الرغبة الحكومية في تحصين الموظف العمومي؟ هذا هو السؤال المحوري، وقد أثاره أمام “القدس العربي” ثلاث مرات على الأقل الأمينة العامة لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب، وهي تثير نقاشاً بعدما استضافت نحو 40 ناشطاً وخبيراً للتحدث عن خطة منسقة لمواجهة القانون. لا يوجد من جهة الحكومة أي رواية تشرح مسوغات عملية التحصين التي يحتفظ الدستور بها حصراً للملك وللعائلة، بمعنى وقد قال أحد المتداخلين ذلك بوضوح أن القانون المعدل الجديد يمنح الموظف العادي والصغير مساحات لحصانات دستورية تشبه تلك التي ينيطها الدستور بالمؤسسة الملكية.
وهو أمر يثير الكثير من الجدل والنقاش والالتباس، ولم تقدم في الواقع رغم الضجيج والاعتراضات حتى الآن رواية حكومية مقنعة تفسره، خصوصاً أن عدد الموظفين العموميين الحاليين والسابقين الذين لجأوا إلى القضاء في آخر سنتين بناء على قانون الجرائم الإلكترونية القديم؛ أي قبل التعديل الجديد، هم الأقل نسبة وحضوراً قياساً بالمواطنين العاديين.
إذاً، يتكرر السؤال ويصبح لغزاً: ما هو السبب الذي يقف وراء الرغبة الحكومية في تحصين الموظف العام من النقد تحديداً، وذلك عبر استخدام مصطلحات مرنة بالقانون الجديد وغير قابلة للتأويل خلافاً للغرامات المالية المرعبة والكبيرة، على حد تعبير الناشط الحقوقي عاصم العمري، الذي أبلغ بدوره “القدس العربي” أن هذا القانون المثير للجدل سيسبب أزمة مجتمعية بالتأكيد، لأنه صيغ بطريقة سرية ومكتومة وعلى طريقة التشريعات المكسيكية.
قال إن هذا المشهد غير منتج ولن يقود إلى شيء إلا إلى مزيد من التأزيم في المجتمع، مشتبهاً بأن تحصين الموظف العام لهذه الدرجة ولهذا المستوى مريب فعلاً، وقد يضطر المراقبون لتفسيره على أساس خلفية سياسية ما زالت غامضة.
السؤال حول حالة تحصين الموظف العام، هو سؤال كبير ومهم بموجب القانون الجديد، لكن الروايات التفسيرية غائبة، والقانون المعدل للجرائم الإلكترونية فيه الكثير من الكمائن والسوابق القانونية خلافاً لاستخدام مصطلحات مطاطة. لكن الرغبة في معرفة أسباب الاندفاع ليس لمواجهة المخالفات الجرمية والجنائية لحريات التعبير وقوانين التعبير الناظمة، ولكن لجهة فرض قيود غير مسبوقة على متابعة الموظف العام، والحديث هنا -وفقاً للملاحظة التي تقدم بها الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة- عن كل طبقة الموظف العام؛ من الوزير إلى المراسل.
وعليه، ثمة ما يريب في هذا النص تحديداً. وتبدو هنا التساؤلات السياسية والحقوقية الشرعية مع غياب نظرية تفسر هذا القدر من تحصين الموظف العام.
لذا، فإن كمائن هذا القانون تدفع المراقبين والخبراء إلى الاشتباه بوجود أجندة سياسية غامضة. من وجهة نظر العمري، فالأجندة السياسية الوحيدة التي يخشى الأردنيون تدحرجها الآن ترتبط بالقضية الفلسطينية وما يترتب من مشاريع مريبة قد تكون على حساب الشعب الأردني. ومن جهة الشيخ مراد العضايلة، تبدو المسألة أوضح بكثير؛ فهذا المستوى من التحصين لطبقة الموظف العام هدفه تكميم الأفواه ومنع الكلام والنقد والمتابعة الشعبية، لأن مشروعاً سياسياً مريباً هو في الطريق على الأرجح. وما يرجحه العضايلة بدون أدلة وقرائن مباشرة هو أن هذا المشروع مرتبط حكماً بالقضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، وبالتالي حل مشكلات إسرائيل. وسواء رغبت الحكومة بذلك أم لم ترغب، فغياب تفسيراتها المقنعة لبعض نصوص القانون التي بالغت بالعقوبات المالية وعقوبات السجن جعلت التفسير السياسي لخلفيات القانون هو الأساس، وليس التفسير المرتبط بمعالجات مشكلة تقنية في القانون القديم ولا بالتفسير المرتبط بالموجبات المهنية للسيطرة وضرورة السيطرة على الشبكة الرقمية.
سؤال بلا جواب
وبالتالي، يبقى السؤال في الحالة الأردنية معلقاً وبدون إجابة أو رواية رسمية مقنعة حتى الآن، فطبقة الموظفين العاملين لم تطالب أصلاً بتلك الحصانات، وحجم الاعتداء عبر منصات التواصل على الموظفين العامين المتوسطين والصغار لا يقارن.
خلافاً لذلك، فالحكومة عبر المنصات لا تهاجم ولا تتعرض للقدح والذنب بصورة عامة، خلافاً لأن قضايا القدح والذم والتشهير وحتى فبركة المعلومات وتضليلها مغطاة بما يكفي، سواء في قانون العقوبات أو غيره، مثل قانون الجرائم الإلكترونية. والشعور العام وسط أحزاب المعارضة الأردنية والملتقيات المهنية والنشطاء المعارضين أو المهنيين اليوم، أن الذريعة السياسية الغامضة غير الواضحة هي الأساس في صيغة القانون الجديد، وفي ردة فعل الشارع تجاهه، التي وصلت إلى مناطق غير مسبوقة من الاعتراض والاحتجاج.