توقيف «نواب» في الأردن: لماذا؟
قانون الجرائم الإلكترونية يفترض أن يحمي المجتمع وأمنه وليس أن يصبح مقدمة حقيقية تستخدم لتقليص الحريات التعبيرية

«أوقفوا هذا المسخ التشريعي «. تلك عبارة وردت على لسان أحد الحقوقيين في الأردن ضمن رسالة ما وجهت لنقابة المحامين لكي تعلن موقفها الحقيقي والعميق من الاسترسال في تطبيق بنود ونصوص التوقيف تحت عنوان قانون الجرائم الإلكترونية.
بعد توقيف عضوين في مجلس النواب خلال عدة أيام فقط ضمن التحقيق بمخالفات إلكترونية طرح الشارع الأردني السؤال: أين ذهبت الحصانة الدستورية للنواب؟
يعلم من سألوا هنا بأن الدورة البرلمانية في حالة عطلة والنائب مثل المواطن خلالها، والحصانة تتجمد إلى حين انعقاد دورة البرلمان.
لكن ما ينبغي طرحه من أسئلة يفترض أن يطال الجزء الأدبي والسياسي الوطني في مسألة توقيف النواب فعلا بسبب مخالفات إلكترونية حيث من يدعم خيارات التوقيف كعقوبة تسبق الإدانة في قضايا الرأي والتعبير حصرا يتقصد إظهار الخشونة.
قد نفهم أن المطلوب صمت النواب.
لكن ذلك يؤذي الدولة وصورتها وهيبتها فعضو البرلمان المنتخب يفترض منه توفير الحماية للناخب لا أن يصبح هو ضحية أو هدفا أو قيد التحقيق والإحالة بسبب رأي عابر نشره هنا أو هناك على منصات التواصل الاجتماعي.
توقيف أي نائب حصرا في مخالفات الحريات والتعبير إساءة مباشرة لكل الناخبين في الأردن والمسؤوليات الأدبية التي تربينا عليها ينبغي أن توفر هامشا من احترام نواب الأمة المنتخبين ليس بمعنى التسامح معهم عندما يتعلق الأمر بمجريات القانون.
ولكن بمعنى إظهار الاحترام من قبل كل السلطات لفكرة التمثيل الانتخابي.
نرفض عقوبة التوقيف في حد ذاتها قبل الإدانة في قضايا الرأي والحريات وإذا كان الرأي العام يرفض تلك العقوبة للمواطن العادي فليس من السهل تقبلها عندما تفرض على نواب وطن اختارهم عشرات الآلاف من الناخبين.
هذه طبعا ليست دعوة لتحصين النائب فهو يخضع للقانون مثل غيره مادام تصرف أو تحدث خارج القبة.
قانون الجرائم الإلكترونية يفترض أن يحمي المجتمع وأمنه وليس أن يصبح مقدمة حقيقية تستخدم لتقليص الحريات التعبيرية
لكن العلاقة التعاقدية بين الدولة والمجتمع فيها روح للنصوص ولعقود كانت الدولة تظهر احتراما للنواب المنتخبين ويمكن تفعيل كل مساحات المرونة إزاء قادة المجتمع تحت بند الجانب الأدبي إلا طبعا إذا كان الهدف عقوبة لأسباب سياسية.
نؤمن تماما بأن سمعة الأردن في مجال الحريات والرأي هدف أساسي واستراتيجي وللدولة مصلحة فيه كما للشعب.
لا نزاود في المعطيات والمؤشرات عندما نقول بأن قيمة مستقرة في تاريخ الأردنيين ومملكتهم اسمها التسامح والإنصاف والصبر واحتمال الرأي الآخر لا تزال مهمة وأساسية، خصوصا في مرحلة السيولة الاستراتيجية التي تعبر فيها المنطقة وفي ظل مخاطر الإقليم والضائقة الاقتصادية.
ينبغي أن لا يفخر أي أحد بتوقيف أو اعتقال نائب برلماني لأسباب مرتبطة برأي سياسي.
ذلك تراجع كبير ومؤسف عن مجمل مسار التحديث السياسي كما فهمناه والأجدى: صدر الحكومة واسع ويستفيد من الآراء والتعليقات التي يمكن أن يدلي بها أعضاء مجلس النواب أو القادة المنتخبون لكن ترك تطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية تنهش الحريات والمواقف والمشاعر تصعيد من الجهات الرسمية غير منتج وغير مفيد ويمكن الاستغناء عنه.
قانون الجرائم الإلكترونية يفترض أن يحمي المجتمع وأمنه وليس أن يصبح مقدمة حقيقية تستخدم لتقليص الحريات التعبيرية ولتوقيف وسجن أصحاب رأي وطني حتى عندما يعارضون.
قانون الجرائم الإلكترونية سيئ السمعة والصيت والاستناد إليه أصبح موجة أو موضة عندما يتعلق الأمر بنشطاء ونواب ومعارضين وأصحاب رأي فيما الهدف الذي أبلغنا به لإقراره هو ضبط الإساءات التي تزعزع المجتمع.
استخدمت نصوص ذلك القانون بصيغة تعسفية وخارج السياق في ملاحقة من لا ينبغي ملاحقتهم من شرائح المجتمع المطلوب منها الإدلاء بالرأي الآخر تحديدا.
والسلطات عليها أن تسمع حصرا للرأي الآخر ودون أدنى تسويف أو مماطلة أو تزييف ومن غير المنطقي أن يعاقب أصحاب الرأي على نصائحهم أو مواقفهم أو مشاعرهم فيما يحظى أصحاب الأجندات ومن يثيرون الانقسام والكراهية وسط المجتمع بتغافل نصوص القانون عنهم.
توقيف نائب في البرلمان أو صاحب رأي ثم الإفراج عنه بكفالة خطوة يمكن أن تكون حميدة في الظروف الاعتيادية لكن الرسالة هنا مفهومة وبعض الخبراء يربطونها بسيناريو تكميم الأفواه والتضييق على الحريات.
يجب أن لا يشعر أي مواطن أردني بأن السلطات تخاطبه بالخشونة والغلاظة عبر الإيحاء بأن تطبيقات القانون تطال حتى كبار الناقدين وأصحاب الرأي.
لا يستحق المواطن الأردني معاملته على هذا النحو. والأردن المستقر الآمن المزدهر يليق به دوما قانون جرائم إلكترونية مختلف وضمانات في تأصيل الحريات طوال الوقت والدولة الأردنية العريقة يثق بها شعبها وأهلها ولا يضيرها عبارة «كاتب أو رأي ناقد أو حتى خطأ لفظي أو إعلامي هنا أو هناك».
نعم القانون الخشن يفلت من العقال وبدأ يستخدم بكثافة لأسباب سياسية أحيانا غير سياسية… لذلك وجب تماما التركيز والانتباه والتنويه.