ثنائية الصفدي ـ حسين الشيخ في «حدث جنين»… لماذا الآن وما الهدف؟
عمان- «القدس العربي»: لا يمكن معرفة الأسباب التي دفعت وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لإصدار بيان مشترك مع أمين سر منظمة التحرير، كما وصف في البيان، حسين الشيخ حصراً بخصوص تدحرج وتطور الأحداث في مدينة جنين.
حسين الشيخ ليس الشخصية الفلسطينية التي تنسق معها الدبلوماسية الأردنية، لكن عندما تطور الأمر في جنين خلال الساعات القليلة الماضية بدا أن الوزير الصفدي وبموجب نص بيان مشترك يتصل مع الشيخ حصراً ويتفق معه على ما سمي بآلية عمل مشترك، مما يعني ضمناً وعلى اعتبار الصفة الوظيفية للشيخ أن الخارجية الأردنية فيما يبدو قررت التواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية هذه المرة وليس مع السلطة أو رئيسها أو المقاطعة، وحتى ليس مع وزير الخارجية والحكومة الفلسطينية.
ذلك قد يكون له معناه ودلالته لاحقاً، إلا إذا كانت الدبلوماسية الأردنية قررت تجاهل السلطة الفلسطينية وقررت الدخول في العمق الفلسطيني تحت عنوان أمانة سر منظمة التحرير التي لم تعد موجودة في الواقع كما كانت، في مشهد اتصالي تفاعلي يمكن التقاطه سياسياً ببساطة في ظل حالة الترقب الأردنية للمعطيات المستجدة في الواقع الفلسطيني، فيما ليس سراً بالمقابل أن الأردن الرسمي قلق للغاية، والترقب والجلوس على محطة أو رصيف الانتظار له ما يبرره، كما يعكس مستوى قواعد لعبة الاشتباك بين الأردن والإسرائيليين. وهي لعبة اقترح السياسي والبرلماني المخضرم الدكتور ممدوح العبادي مبكراً مراجعتها وإعادة قراءتها في ظل الرسائل الواضحة من اليمين الإسرائيلي.
أحداث جنين منطلق جديد، وتداعياتها إذا تدحرجت قد تتخذ – في رأي غرفة القرار والتقييم الأردني – شكلاً إقليمياً أيضاً. المعادلات تختلف يومياً في ضوء مغامرات حكومة اليمين الإسرائيلي، وعملية الرقص التي يمارسها يومياً بنيامين نتنياهو للحفاظ على ائتلافه الحاكم الهش تجعل الأوضاع قابلة للانفجار بالتقييم الأردني بأي لحظة.
بصرف النظر عما تحتفظ به المؤسسة الأردنية لنفسها بخصوص حسابات انهيار متوقعة للسلطة الفلسطينية يمكن القول إن اتصال وحديث الصفدي مع حسين الشيخ وبصفته الوظيفية ضمن كادر منظمة التحرير، نقطة تحول لا يستهان بها في سياقات حراكات الدبلوماسية الأردنية. في البيان المشترك مع الشيخ والصفدي، تحذير من تبعات ما يحصل في جنين ودعوة لتحرك المجتمع الدولي ووقف العدوان وتكرار لمقولة حماية الشعب الفلسطيني.
والأهم تذكير بتوصيات ومقررات لقاءات شرم الشيخ والعقبة، التي نصت بالحرف على عدم لجوء إسرائيل للحلول الأحادية، وتمكين أجهزة الأمن الفلسطينية، كما نصت بالحرف على امتناع الحكومة الإسرائيلية على اقتحامات المدن، الأمر الذي يعني ضمناً أن طاقم نتنياهو يطيح بوثيقتي العقبة وشرم الشيخ اللتين وقعتا بحضور مصر والإدارة الأمريكية. وما قد يكون يفعله الوزير الصفدي وحسين الشيخ هنا هو التنسيق معاً على أمل إعادة الاعتبار والتذكير بوثيقتي العقبة وشرم الشيخ، والتحدث معاً مع الأمريكيين والمجتمع الدولي على هذا الأساس.
لكن الانطباعات هو وسط المقاومة الفلسطينية وحتى وسط النخب الأردنية، ومعظمها يشير إلى أن إسرائيل تجاوزت مبكراً ما تقرر واتفق عليه في العقبة وشرم الشيخ. لذا، لا تتوفر في عمان ولا في رام الله آلية محددة أو تقنية منتجة لإلزام حكومة اليمين الإسرائيلي. والخشية – كما يرى السياسي مروان الفاعوري – أساسية بأن حكومة اليمين تتجاهل السلطة الفلسطينية والثوابت والمصالح الأردنية، وتتجه بغلاظة نحو سيناريو حسم الصراع على الأرض وفي الميدان، لا بل إخضاع وإعادة احتلال مدن الضفة الغربية التي تنفست فيها المقاومة. ويرى الفاعوري ومعه العبادي أن الوضع مترد ومؤسف، وأن التركيز على السياق الدبلوماسي أصبح سلوكاً مخجلاً في الواقع.
والانطباع عندما اختار الصفدي حلقة حسين الشيخ للتنديد والتحذير من الاقتحامات، هو أن الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام رام الله وعمان هي إحياء وثيقتي شرم الشيخ والعقبة بعدما ولدتا في حالة موت أصلاً، الأمر الذي يظهر حجم المأزق الأردني والفلسطيني معاً، خصوصاً في ظل قناعة غرفة القرار الأردني بأن فراغ السلطة على الأرض ستملأه فصائل المقاومة المدعومة من دول مثل إيران، وبأن سيناريو حسم الصراع في الميدان لن يقف عند حدود تأجيج التوتر، بل سيفتح الصراع على مصراعيه في المسار الإقليمي.
لذلك، ترى المؤسسة الأردنية أن الحملة العسكرية التي سماها الإسرائيلي “البيت والحديقة” لضرب المقاومة في جنين ومخيمها لن تكون الفصل الأخير، بل ستؤدي إلى شروخ وتداعيات لا يمكن ضبطها حتى على الجبهة الأردنية أيضاً، لأن حكومة نتنياهو كانت للتو قد أصدرت بياناً خلال عطلة عيد الأضحى تقرر فيه بأن الوجود الأردني في الضفة الغربية قبل عام 1967 لم يكن شرعياً، بل أقرب إلى احتلال، في تطور لافت على عدائية اليمين تجاه الأردن وحراكه .
سياسي أردني رفيع المستوى سأل أمام “القدس العربي” صباح الاثنين، عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في جنين: بيت وحديقة من بصورة محددة هما الهدف؟
الإشارة واضحة هنا إلى أن بيت السلطة الفلسطينية هو الذي يتم تقويضه بالعدوان الإسرائيلي الجديد، وحديقة الأردن أو ما تبقى من حدائق وحشائش عملية السلام هي الهدف الثاني. وذلك في رأي السياسي الأردني نفسه، سيناريو واضح ينبغي لعمان ورام الله معاً التحرك على أساس تجنب مخاطر إنكاره بعد الآن.