جغرافيا الأردن: منحة أم محنة؟
إذا ما استرسل الموقف الرسمي بدون بوصلة أو شروحات سرعان ما يمكن أن تتأسس هوامش تتسلل منها الروايات إما المغرضة أو المشككة أو حتى المعادية
متى يمكن أن تصبح الجغرافيا وهي تفصل بين مشروعين لديهما بالتأكيد طموحات وأطماع فرصة أو تتحول إلى أزمة؟
بكل صراحة يطرح الأردنيون هذه الأيام مثل تلك الأسئلة التي تحتاج مقتضيات المصلحة الوطنية العميقة توفير إجابات عليها بعدما توالدت تحت إيقاع طبول الحرب في الإقليم والمنطقة.
الساذج فقط هو من يفترض اليوم بأن الأردن الرسمي ينبغي أن يلتحق أو يثق تماما بالمحور الإيراني لكن بالمقابل الخطير جدا والمختل هو حصرا من يقول بالاستمرار في البقاء والرهان على إسرائيل، تلك وصفة «انتحار».
أسوأ وظيفة أن تكون مسؤولا حكوميا في الأردن هذه الأيام ليس لأن المسألة تتعلق بالمهارة والكفاءة والمهنية والاحتراف لكن لأن الحكومة تتخذ قراراتها حتى في القضايا الكبيرة والأساسية بمعزل عن الشعب وحتى عن النخب الخبيرة وبطريقة غامضة.
ندفع كأردنيين جميعا ثمن هذا غموض آلية اتخاذ القرار، وحتى نقولها من باب التشخيص: بصراحة الموقف الرسمي بثوابته النبيلة مظلوم ولا يرافقه الإنصاف في المخيلة الشعبية ليس لأن الشعب الأردني مغامر أو يؤمن بالمطلق بمحور المقاومة أو أنه شعب جاهل، ولكن لأن حكومته بكل بساطة لا تتحدث معه، ولأنه شعب لا تشرح له المسائل فيما يقف في طابور الموظفين والمسؤولين عشرات المصطفين الذين يزايدون على الناس أو يفرضون الوصاية عليهم دون حتى أدنى جهد.
قابلت مسؤولين كبارا… رؤساء وزارات وسلطات بعضهم تقلد 9 مناصب على الأقل يقولون بأنهم لا يعلمون شيئا عما يجري ولا تزودهم الحكومة بمعطيات.
ذلك صعب ومؤلم ويكرس القناعة بأن توقع نتائج إيجابية لخطاب إعلامي تعبوي في اللحظات الأخيرة أصبح محطة مهينة بيروقراطيا ومعنويا، وإذا ما استرسل الموقف الرسمي بدون بوصلة أو شروحات سرعان ما يمكن أن تتأسس هوامش تتسلل منها الروايات إما المغرضة أو المشككة أو حتى المعادية.
إذا ما استرسل الموقف الرسمي بدون بوصلة أو شروحات سرعان ما يمكن أن تتأسس هوامش تتسلل منها الروايات إما المغرضة أو المشككة أو حتى المعادية
غير معقول أن لا يتم إرسال سفير إلى طهران لعدة سنوات فيما إيران تدير الأمور على حدود هي الأعرض لبلدين مجاورين، لا بل حلفائها يديرون الأمور اليوم في البحر الأحمر وهم مؤثرون في البحر المتوسط.
عندما تتحول الجغرافيا إلى سلاح ذي حدين يصنع الفارق ما بين المحنة والمنحة وجود مطبخ سياسي خبير وعميق فيه تفاضل عددي من أصحاب الكفاءة والجرأة في القرار والتشخيص والتوصية والقدرة على عدم تضليل القرار.
الفارق بين الفرصة والأزمة عندما يتعلق الأمر بالجغرافيا كما هو حالنا اليوم في سيناريوهات الصراع المفتوح بين إسرائيل وإيران يصنعه التشاور والتوافق، وتصنعه المقولة الإدارية البسيطة القديمة المعلبة والتي تقول باستشارة الرجل المناسب في المكان المناسب.
المشكلات في المسألة الجغرافية لا تحل بالاسترسال في التكيف والتعايش مع وهم السلام برفقة وحش عسكري إسرائيلي يفتك بالجميع، ولا تعالج طبعا بالضغط على مفاصل القرار الرسمي لمطالبتها بالنوم على الفراش الإيراني فذلك غير مطروح ولا يطالب به أحد في الداخل.
أقله التنويع في الخيارات. والإقرار العلني بأن ماكينة اليمين الإسرائيلي تفتك بلحم أطفال غزة وتخيف وترهق وتؤلم أطفال عمان والإقرار علنا بأن من يقصف في طهران وعدن وبيروت وبغداد لا يوجد ما يردعه ويمنعه من قصف محطات الكهرباء في الأردن.
أقله يا قوم الجلوس والتحاور بين أصحاب الاختصاص الرسميين من طبقة رجال الدولة وليس الأهليين، واختبار ما يقوله بعض من هؤلاء حيث لا يمكن المزايدة على ولائهم ووطنيتهم وفهم ما يجري لقيمة الدولار الأمريكي، أو ما الذي يحصل بين الهند وروسيا أو فهم تمرد دول إفريقية جائعة على الأخطبوط الغربي والأوروبي والأمريكي.
الولايات المتحدة حليف سياسي… نفهم ذلك لكنها لم تعد صديقا من اللحظة التي أرسلت فيها بوارجها على أساس خطاب ديني يستهدف المسلمين في فلسطين.
المجتمع الدولي مهم لكنه لم يعد منتجا وفاعلا وبعض الشخصيات العراقية في البصرة أو في درعا أهم منه بعشرات المرات في مقايسات الأمن والاستقرار على الحدود فيما العدو واحد وواضح اليوم.
آن لمؤسسات القرار في الحكومة الأردنية أن تعيد إنتاج موقفها في مسألة الجغرافيا وكيفية استثمارها، فقد أدى صلاة الغائب على روح الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله 700 مليون حنجرة وفقا لرصد لجان العلماء المسلمين.
وفيما رفضت وزارة الأوقاف في عمان إقامة صلاة الغائب على الشهيد أطلق الشعب الأردني اسمه على الدواوين والشوارع الرئيسية شمال المملكة وجنوبها.